هل الجزيرة قناة ارهابية؟
بقلم/ محمد الشحري
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و 25 يوماً
الأربعاء 28 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 04:06 م

كنت أود الكتابة عن قناة الجزيرة لسببين، سبب شخصي كوني أبحث في البرامج الثقافية التي تق دمها قناة الجزيرة والتي تؤسس لذاكرة مستقبلية للأجيال العربية القادمة وعلي الرغم من تجاهل القناة للبعد الثقافي لعدة سنوات من بثها إلا أنها تلامس الثقافة في أوقات متباعدة في برامج مختلفة دون أن تجعل البعد الثقافي جزء أساسيا في خريطة البث. (1) ومع ذلك طرقت قناة الجزيرة ببرامجها أبوابا في الثقافة العربية كانت مهمشة أو محرمة من قبل الرقيب، خاصة وأن بعض الحلقات في بعض البرامج أصبحت وثائقيات، حتي بعد أن بثت الجزيرة الوثائقية برامجها والتي سبقت الفضائيات العربية إلي طرح مثل هذا النوع من الإعلام، وهو ما جعل المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون يخصص دورته الثالثة عشرة (2-7 يونيو2007 تونس) للنهوض بالوثائقيات العربية وهو تنبيه متأخر برأيي ولكن (ما لا يدرك كله لا يترك جله).

معظم الحلقات التي يتناولها بحثنا تقدم إبداعات الإنسان العربي في مختلف جوانب الحياة الفكرية سواء كان في الوطن أو في الشتات، وفي كل الحالات كان العربي يصارع الفناء من اجل البقاء لكي يترك بعضا من آثاره في هذه الحياة وكلٌ يروي تجربته الشخصية عبر شاشة الجزيرة.

والسبب الثاني الذي كنت بصدد الكتابة عنه هي دراسة علمية لنيل شهادة الماجستير في علوم الإعلام والاتصال، قام بها الطالب العماني رشيد اليافعي من معهد الصحافة وعلوم الأخبار في جامعة منوبة بتونس، والرسالة هي دراسة ميدانية حول (تفاعل المجتمع العماني مع قناة الجزيرة الفضائية) وقد توصل الباحث من خلال نتائج البحث إلي، (أن المشاهد العماني يضع التصورات الميدانية في الدول العربية كالأوضاع في فلسطين ولبنان والعراق في صدارة الاهتمامات عند متابعة قناة الجزيرة حيث يري ستة من عشرة مشاهدين عمانيين لقناة الجزيرة، أن القضايا العربية تأتي في صدر اهتمامهم، كما أن قناة الجزيرة تسهم في تكوين رأي عام عماني حيث يري 64.4 % من أفراد العينة أنهم موافقون علي أن الأفكار والمعلومات المستمدة من قناة الجزيرة تساعدهم علي الحديث في تلك القضايا مع المحيطين بهم، ويري ما نسبته 45.3 % أنهم موافقون، أي أن النسبة تبلغ 91.7 % من مجملة العينة ـ البالغ تعدادها 200 فرد ـ وهذا يدل علي أن قناة الجزيرة تسهم بشكل أو بأخر في تشكيل رأي عام حول القضايا العربية والعالمية بالنسبة للمشاهد العماني).

تورا بورا في كاليفورنيا

ولكني أجّلت الكتابة في الموضوعين السابقين إلي وقت آخر، وآثرت تناول قصية اتهام قناة الجزيرة بالإرهاب في مناسبتين مختلفتين فقد أذاعت قناة الجزيرة في حصاد الثلاثاء 12 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي مشاهد من لعبة فيديو ستطرح قريبا في السوق، وتتضمن اللعبة هجوما تقوم به قوة (كوماندوز) أمريكية لمدينة عربية تتحصن فيها مجموعة إرهابية. وفي المدينة ذاتها توجد قناة إرهابية وعلي (الكوماندوز) تحرير الرهائن من أيدي المختطفين في القناة التي تحاكي الاستوديوهات التي يجلس فيها مذيعو نشرات الأخبار في قناة الجزيرة، مما يدل علي أن بوش ومحافظيه الجدد مصممين علي قصف قناة الرأي والرأي الآخر سواء بالصواريخ أو من خلال العاب الفيديو. والملفت للنظر أيضا في تلك اللعبة أنها تظهر علي جدران أحياء المدينة العربية كتابات (نهنئ الأخ المناضل) وكأن مصممي هذه اللعبة ينفذون مخططات السياسة الأمريكية التي تحاول بتحريض من اللوبي الصهيوني المسيطر علي الأعلام الدولي أن تلصق تهمة الإرهاب علي كل نضال. وبالتالي سيكون كل من يناضل ضد احتلال بلده أو يناضل ضد الوجه القبيح للعولمةإرهابيا. وهذه اللعبة التي تصل إلي عقول أبنائنا ليست من أجل الترفيه وقضاء وقت الفراغ ويجب ألا تفهم كذلك، بل الهدف منها هو البذر في عقول الصغار بأن العربي المناضل هو إرهابي قاتل، وبوش ومن معه ممن يرون أن النضال ضد المحتل ومحاربته هو إرهاب فعليهم أن يعتذروا للإنجليز،وعليهم أيضا أن يسلموا الولايات المتحدة إلي التاج البريطاني.

والمناسبة الأخري التي وصفت فيها قناة الجزيرة بالإرهاب كانت في تركيا، فقد ذكر د. مازن مصطفي في حلقة 13 تشرين الثاني (نوفمبر) من برنامج مقابسات الذي تبثه قناة الحوار ، أنه تفاجأ عند زيارته لتركيا مؤخرا بأن بعض أساتذة الجامعات في تركيا الذين التقي بهم هناك يصفون قناة الجزيرة بالإرهاب، وهذا ليس مستغربا لأن الأيادي الصهيونية تصل إلي مراكز القرار والجامعات وتخلق لدي الآخرين رأيا بأن الاسرائيليين شعب مظلوم في هذا العالم. وما يثير الاستغراب هو أن الجزيرة متهمة بالإرهاب من قبل الغرب ومتهمة أيضا من قبل بعض تيارات الرأي العربي بالعمالة لإسرائيل وخدمة المصالح الأمريكية في المنطقة. كما أنها تعمل علي إثارة الفتن والخلافات بين الدول العربية وكأن العرب كانوا علي كلمة رجل واحد قبل الجزيرة وهي التي شقت هذا الصف العربي المتراص وخلقت الحدود والقيود بين الأشقاء. ربما علي الجزيرة أن تدفع ثمن شهرتها وتتحمل كل هذه الاتهامات. قد نتفهم موقف الإعلام الغربي الذي تزعجه قناة الجزيرة كونها تنقل الأحداث كما هي في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان، فقد اعتاد الإعلام الغربي أن يضلل الرأي العام في الغرب ويصل المواطن العادي إلي تصديق ذلك الإعلام لدرجة قيام مواطن أمريكي جون ديفيس بالاختباء في أحد كهوف كاليفورنيا خوفا من خطر صدام حسين، وأخذ معه زوجته وأطفاله حيث عاشوا في الكهف عشر سنوات بعيدا عن أعين الناس.. واستمر حتي منتصف العام 2001 حيث كشفت الشرطة الأمر وأنقذت العائلة.

السموات ليست مفتوحة!

قد نعذر الإعلام الغربي فقد شعر بأن السموات أصبحت مفتوحة ولم يعد بمقدوره التحكم في حرية الإعلام وعليه أن يعترف بالصوت القادم من الجنوب، لكن ما هو جدير بالمتابعة هو اتهام بعض الصحفيين العرب لقناة الجزيرة بأنها تمول من قبل إسرائيل، ليس دفاعا عن الجزيرة ولكن لماذا يبخل العربي علي نفسه بالنجاح؟!

قناة الجزيرة التي يظن البعض أنها قناة إسرائيلية هي قناة عربية تبث من دولة عربية وكوادر عربية وبأموال عربية، وخرجت للعالم بخط عربي مبين علي عكس القنوات العربية التي انطلقت قبل الجزيرة من أوروبا وكتبت شعاراتها بأحرف لاتينية، كما أنها لم تموّل من بيت مال المسلمين حتي نجزم بنزاهتها، قناة الجزيرة ما هي إلا مثال بسيط علي أن العقل العربي المتعلم يبدع إذا توفرت له السيولة المادية والحرية، وهذا ما نراه لدي العربي الذي يبدع في الغرب ويخفق في الوطن.

كما أن الجزيرة هي من الوسائل الإعلامية الجديدة التي تتابعها المعاهد والدراسات الإستراتيجية الغربية بدقة واهتمام، فقد أصدر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني في نهاية العام 1998كتابا للمؤلف جون ب الترمان بعنوان (إعلام جديد سياسة جديدة من القنوات الفضائية إلي الإنترنت في العالم العربي) وترجمه إلي العربية الدكتور عبد الله الكندي من جامعة السلطان قابوس. ما يهمنا في هذه الدراسة هي إشارة مؤلفه الذي خدم في مجال السياسة الخارجية الأمريكية والدفاع والاستخبارات وأهتم كثيرا بقضايا الشرق الأوسط، فقد ذكر الترمان (إلي أن وسائل الإعلام العربية الجديدة ستشكل في السنوات القادمة نوعا جديدا من الهوية العربية، فقد ساعدت التكنولوجيا الحديثة العرب في داخل وخارج المنطقة العربية علي قراءة ومشاهدة نفس المعلومات وفي وقت واحد بشكل غير مسبوق، مثل هذا الوضع سيؤدي إلي توحيد العرب داخل حدود الوطن العربي وربما علي ربط العرب المقيمين في أمريكا الشمالية وأوروبا بالحياة الفكرية في العالم العربي.

يركز الكاتب علي الصحف العربية الدولية المهاجرة وتحديدا صحف القدس العربي و الحياة و الشرق الأوسط ، وعلي القنوات الفضائية مركز تلفزيون الشرق الأوسط MBC وراديو وتلفزيون العرب ART وقناة الجزيرة وشبكة الأوربت وشبكة الأخبار العربية ANN والقناة اللبنانية LBC .

ويذكر الكاتب، ان من أبرز آثار وسائل الإعلام العربية الجديدة علي المدي الطويل عودة الإحساس بفكرة العروبة أو القومية العربية في المنطقة بعد عقود من تقهقرها أو حتي سقوطها. لكن العروبة أو القومية الجديدة يتبناها ويقودها العامة وليس الحكومات كما كانت في نشأتها الأولي، ثم أنها تختلف في صبغتها الجديدة عن تلك المتقدمة. القومية الجديدة تبدو إسلامية النزعة مقابل تلك العلمانية التي تأسست عليها القومية الجديدة... وكما هو حال القومية القديمة تملك القومية الجديدة جذورا وأصولا تتمثل في اللغة والتاريخ، لكن تتميز الجديدة بقدرتها علي خلق مجتمع يتصل أعضاءه فيما بينهم بشكل مباشر دون وسطاء، وتلك ميزة وفرتها الثورة التكنولوجية.

يخشي الكاتب من حركة (القومية الجديدة) التي تمثل تحديات خطيرة علي المصالح الأمريكية في المنطقة ولكنه يستثني وسائل الإعلام التي يسيطر عليها رجال الأعمال السعوديين الذين يحتفظون بعلاقات وثيقة مع العائلة المالكة في السعودية من ضعف فعالية الرقابة، وتوقعه أن يستمر التأثير السعودي علي وسائل الإعلام المطبوعة و القنوات الفضائية في المستقبل، ومن الوسائل الإعلامية السابقة الذكر والتي لا تموّل من قبل المال السعودي هما (قناة الجزيرة ـ وصحيفة القدس العربي ) لذلك ندرك مدي تأثير هاتين الوسيلتين علي الرأي العام العربي وذلك لصراحتهما، وما وصف قناة الجزيرة بالإرهاب إلا خوفا منها في حمل مشاعل العروبة القادمة.

* صحيفة القدس العربي: