المؤتمر الشعبي العام..كشف حساب..غياب الرؤية والمشروع(2)
بقلم/ الحاج معروف الوصابي
نشر منذ: 17 سنة و شهرين و 25 يوماً
الإثنين 27 أغسطس-آب 2007 03:28 م

مأرب برس - خاص

لو غادرته السلطة وتركه الرئيس الصالح او مات عنه ، ما لذي سيتبقى من هذا المرتعش والغير متماسك وفي أي مقيل سيلتقي شيخاه الراعي وسلطان عليهما السلام.

جاء الشعبي العام إلى السلطة في فترة حرجة عاشها القرار السياسي في الشطر الشمالي من اليمن سابقا ، وفي ظل تحديات وظرف تاريخي عانى فيه النظام السياسي لهذا الشطر – سابقا- صنوف الأوضاع والتخلف، استغل الحزب الاشتراكي اليمني في الشطر الجنوبي يومها تلك الأرضية الغير مستقرة ليلعب بأوراقه بمهارة واحتراف تخدمه قدراته التنظيمية وأيدلوجية ريحها دولية .

كان المؤمل يومها أن يقوم الشعبي العام بالدور الموازي والرافعة للقرار السياسي والنخبة العامة والمجتمع برمته من الركود إلى الحيوية ومن ضيق الحياة السياسية إلى سعتها ومن التخلف العام المركب إلى التنمية والنمو خاصة انه ضم في جنباته خيرة كوادر اليمن سياسيا وإداريا وفكريا واجتماعيا ،ومدته الخزينة العامة بميزانية موازية ، وهو لأجل ذلك كما زعموا جاء .

غير أن الشعبي العام ومنذ أن استهل الحياة بصراخ وحتى حالة السعال التي تغشاه الآن لم يأت بزيادة أو جديد سوى المزيد من الإفساد وتركيم الفساد بمأسسة مقصودة تفضحها الوقائع وشواهد الحال ، وتعكير المزاج العام بخلق حالة واسعة وممتدة من القلق جاءت على النفسية العامة وامتد أثرها إلى تسميم النسيج الاجتماعي .

في هذه السلسة من الحلقات سنقف من الزاوية المحايدة بموضوعية واحتراف وبمنهجية النظم التي تأتي على عناصر النظام في دورته بدء من المدخلات مرورا بعملية التحويل فالمخرجات وصولا إلى طبيعة التغذية المرتدة بتصوير تحليلي عام لا يقف عند الرؤية والتأصيل الأكاديمي تسهيلا على القاريء لنقترب ما استطعنا بالأدوات والشواهد والمفردات من هذا القارئ والمهتم ليعطي هو في النهاية حكمه وموقفه من عملية سياسية لنظام تجاوزت العقود وهذا كشف حسابها .

ضبابية الرؤية وأزمة المشروع

المشكلة التي عليها الشعبي العام منذ أعلن هي في انه لم يأت نتاجا لتفاعلات اجتماعية وتطور طبيعي في ولادة عادية مر قبلها بأطوار ه المختلفة بالتدرج كل طور يسلم للذي يليه كشأن كل كائن طبيعي ،أي انه لم تسبقه إلى الوجود فكرة تتجمع فتتكامل لتنصهر في جامع ومحدد مركز ،ثم تنتقل فتتخلق في رحم الأيام جنينا يتكون وينمو بمعية حنان أم ورعاية طبيب إلى أن يستهل الحياة بصراخ ، ثم يتدرج في مدارجها طفلا فغلاما ، ففتى ،حتى يستقيم على كماله ...تلك هي سنة الله في خلق الكون والإنسان ، وفي نشأة الجماعات والمجتمعات والأمم ، وما عدى ذلك فضرب من الحمق والجنون أو خوارق استثنائية هي لله وحده كخلق ادم وعيسى ومن في هذا السياق .

وحده الشعبي العام هو السير الشاذ في حركة الإنسان والحياة إلا من وافقه في هذا الضرب من شتات هنا وهناك تجمعه النفسيات وتراكيب الطباع .

إذ ولد لتوه مجسما كبيرا بسن الثلاثين فاغرا فاه تتملكه نفسية المال والبنون والمزاحمة والقضم والهبر ..

هكذا قفزا فلم يناغي في طفولته ، ويشاغب في صباه ، ويضرب على يديه وهي تطيش في الصحن من مؤدب يرعاه بزاجر وتوبيخ ..يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ..

والقفز على السير الطبيعي مفسدة وأيما مفسدة ، إذ في ذلك صدام للسنن الإلهية ، ومن شأنه أن يحدث اختلالات وفتن وأوجاع خطيرة .حيث تغيب البصيرة والرشد لغياب الفطرة والتربية (السلوك المكتسب)وهما ملاك الأمر كله.

نظرية العمل

نظرية العمل السياسي السارية هنا والتي أساسها الدائم الموافقات القريبة والمسكنات المؤقتة من مربع لآخر فما أن تنتهي من هذا حتى تعود للأول فإذا به ملتهب لتنتقل للذي يليه بنفس الآلية والأدوات ، هي الإبداع والتراث السياسي للشعبي العام والتي لم تتجدد في الشخوص أو الأفكار و هي الأساس الأول في كل هذا الضيق والاختناق ونذر القلق والتصعيد. 

المكونات

حشد إلى داخله المشايخ والوجهاء من كل حسب قبيلته ولكل حسب جلبته وعصاه ، ومختلف الكوادر والمشارب السياسية ، فالتقى الاخواني واليساري الشيوعي ، والقومي والوطني ،والسبتمبري والامامي، والمحافظ والليبرالي ، والعديم والعليم ، والتاجر والشاعر ..فكان ساحة للسجال ومعتركا في النزال ، وفناء للطاقات ، وهدرا للموارد والأوقات ،فليس يجمع القوم رابط ، ولا فكرة تؤلف ، ولا مشروعا يوجه الهمم ويرعى الطاقات ..

ليست هناك ثمة رؤية جامعة تنطلق ، فكل يجر منه إلى عالمه ومشروعه الخاص ما استطاع .

لم تكن –وحتى الآن – للشعبي العام رؤية تضعها على قرونه فتقول معها الشعبي العام هنا ،فليس هو بالإسلامي وان زعموا بمنطوقه (إننا نرفض أية نظرية في الحكم أو السياسة أو ......) ولا القومي أو الوطني الصرف وان دندن ألف اسطوانة واسطوانة في ضوضاء خطابه وإعلامه الرتيب ، ولا هو بالثابت الجامع أو المتحول البراجماتي ...الخ..لذلك كانت اغلب إن لم تكن كل فعالياته الرسمية بأدواتها تتجه بجهود موجهة نحو توثيق الرباط بشخص الرئيس صالح ، الذي كانت صورته تغطي كل صفحات الميثاق الوطني والذي يمثل العقيدة الفكرية والسياسية للشعبي .واعتبرت تلك في الممارسات العامة والأنشطة المختلفة للسلطة والشعبي العام الأساس ونقطة الانطلاقة والعودة .

وتعمقت أيدلوجية سياسية نمت في اللاوعي لدى المؤتمر وأنصاره والعامي التابع في أن الشعبي العام هو الرئيس وان الرئيس هو الشعبي العام ، حيث انه من أوجده وقال له قم فقام على قوائم يمشي ، وهو من تمكن في دواخله ولججه ،وبدونه فالشعبي العام جثة لا حراك ، أفصحت كوادره القيادية عن هذه الحقيقة في بكائيات ودموع وهم يستغيثون ( أين عتودينا ، أين عتسربنا ، لمن تخلينا ...وانه إن اعتزل الحكم والسياسة فان اليمن لن تكون يمنا فكيف بالمؤتمر ذاته ).

بعد الوحدة

عقب قيام الوحدة وإعلان التعدية عاد كل فريق إلى أساسه ، فانتظم الإخوان في الإصلاح ، والقومي في وعائه وكذلك فعل الآخرون ، هنا بان البوار التنظيمي للشعبي العام في مواجهة أحزاب استراتيجية لها من الكوادر والرؤية والخبرات ما يفتقدها هو ولعل ذلك ظهر بجلاء أثناء أزمته مع الحزب الاشتراكي في صيف 1994م حيث استطاع الاشتراكي مناورة وتكتيك أن يشل حركة الشعبي العام تماما لولا استقواء المؤتمر بالإصلاح في تحالف كان ثمرته الانتصار في حرب 1994م لكل منهما هدفه وغاياته منها .

وبعد غياب الاشتراكي عن الساحة عقب الحرب أحس المؤتمر بفقره التنظيمي أمام حليفه اللدود الذي يتسم بعمق شعبي ومتانة في الفكرة والتنظيم ، فكان البديل أمام الشعبي العام في استيراد كوارد من القوى الأخرى ومن الإسلاميين أنفسهم كمحاولة لملا هذا الخواء ، ثم أعقبها تطور آخر في حياة المؤتمر يمثل مرحلة هامة في تاريخه على مستواه وعلى المستوى العام ، تمثلت بظهور النمط الارياني وتياره بصورة أكثر وضوحا وغلبة وتمكنا وصلاحية في مواجهة تيارات تقليدية ولاستحقاقات خارجية فرضت نفسها ..

في الحلقة القامة سنتعرض بمشيئة الله تعالى للقيادة الاريانية ومحاولة الصياغة الجديدة للمؤتمر ، ومرحلة الفرز والتجاذبات الداخلية ، وآثارها على نمط الأداء والتفاعلات العامة ، وفي مدى درجة استقلالية القرار التنظيمي ، والحركة المتاحة والمسموح بها لقيادته التنظيمية .

Wesabi111@gawab.com