عن الحديدة الآن
بقلم/ فتحي أبو النصر
نشر منذ: 10 سنوات و 5 أشهر و 25 يوماً
الثلاثاء 01 أكتوبر-تشرين الأول 2013 06:17 م

الحديدة تعاني جداً.. شحة مياه.. قمامة مكدسة.. مجارٍ متفجرة. انفلاتات أمنية، تلاعب وغلاء وندرة في الكهرباء، بموازاة حرارة الجو التي تشوي العقول والقلوب. فضلًا عن الكوارث المرورية، والمفاسد المتنوعة في إدارة المدينة ومدخلات ومخرجات ماليتها أيضًا. !

أتحدث هنا عما يلامس يوميات المواطنين، وينعكس عليهم بشكل مباشر، كما يعطل أمزجتهم التي تنشد الخير والنماء لمدينتهم ولمحافظتهم ولوطنهم عمومًا.

ومن غير المعقول - طبعًا - أن مدينة استراتيجية ذات أهمية نوعية كالحديدة ما زالت تتفاقم فيها سياسات العبث والتسيبات على نحو يفوق الوصف كما هو حالها اليوم. فالحاصل أن الطريقة التي تدار بها المحافظة خاطئة تمامًا، إذ ما الدليل أن هناك تغييرًا حدث كما يتساءل المواطنون.!، ولقد كان أبناء وسكان مدينة الحديدة يؤملون من مرحلة ما بعد الثورة قطف ثمار تضحياتهم المشهودة في المعاناة والصبر، إضافة إلى استغلال طاقاتها الحيوية اقتصاديًّا وتنمويًّا كما ينبغي.

غير أن استمرار معطيات التطنيش وعدم المسؤولية في الإدارة والحكم، لابد أن تفضي إلى تصاعد معاناة الحديدة التي تحتاج إلى عناية خاصة وإلى مشاريع هيكلية حقيقية ذات مسؤولية عليا وبروح إدارية إبداعية، وليس العكس للأسف. فالمعروف أن مدينة الحديدة هي عاصمة المحافظة التي تتسم بمقومات فارقة من ناحية الثروات السمكية والزراعية على وجه الخصوص. وبالرغم من مينائها الرفيع وطنيًّا، وكونها على رأس الرافدين لموازنة الدولة من خلال الضرائب بالذات، إلا أنها لا تجد من المسؤولين غير العسف والاستعلاء والاستغلال.. إلخ.

بل لعلنا نعرف - جميعًا - حجم النهب الرهيب الذي طال أراضي الحديدة على مدى عقود من قبل النافذين المدعومين من قبل سلطة صالح، إضافة إلى استحواذ من يدورون في فلكهم القيمي المهيمن - الذي تكرس مع فترته السيئة في الحكم - على الوظائف العليا فيها، (ولي أن أستعرض هذه القضية – التي أصبح يتكئ عليها الحراك التهامي اليوم - في مقال آخر أكثر شرحًا وتفصيلًا). بيد أن حياة المواطنين في ضنك عظيم بالحديدة حاليًّا.

والشاهد أن هؤلاء يستمرون بنفوسهم الطيبة في مقاومة شراسة ذلك الضنك الممنهج الذي يحيط بمعيشتهم اليومية من كل جانب كما شاهدنا. وأما بحسب تعليق في الصميم لأحد المواطنين الحكماء – كمثال -، فإن ملوحة البحر التي تتسم بها المدينة التي تميزت بالأمل تكاد أن تتسرب يأسًا كاملًا إلى نفوس الناس أيضًا، لا إلى أبنية وعمارات المدينة فقط، بينما يتمثل السبب الرئيس بالضرورة في شدة المكابدات الأهلية التي تقابلها الإهمالات الرسمية اللا مبالية باختصار.

على أن هناك جيلًا مفعمًا بالتمرد والغضب - تجلى مع فعل الثورة - يمكن استغلاله بشكل انتقامي غير منصف - وثمة دلائل كثيرة لهذا الاستغلال الهمجي للأسف - بدلًا من تعزيز الجيل الجديد بالنضال من أجل احترام السلام في الحياة وتوجيه طاقاتهم نحو تعزيز القانون والعدالة والمواطنة والعمل والإنتاج والدولة الحديثة، خصوصًا تلك الدولة التي ضحى اليمنيون الشرفاء - جميعًا - من أجلها على مدى عقود وفوق مستوى التصور، بحيث إن جلّ اليمنيين الشرفاء لا يزالون يحلمون بها ويناضلون من أجلها حتى يومنا، إذ ببساطة ما زالت عصابة الأوغاد الاستبداديين وسلالتهم تعمل على جعلها دولة صعبة التحقق والمنال، وهي كونها عصابة أكثر من مجرد عصابة لئيمة، ما زالت تستمر في العمل من أجل ذلك المسعى الاستغلالي الوقح بكل أدوات أساليبها الانحطاطية، في حين تبدو غايتها المثلى إلى جانب إقهار المواطنين وتفيّدهم واستغفالهم، ضرب بعضهم ببعضهم، لتنجو دائمًا، ولتستمر قائمة ومتعافية بمجمل مصالحها القذرة، كونها أساسًا عصابة متجذرة ومتعاضدة شديدة المكر والمصالح والتخلف، بحسب تأكيدات تاريخها الذي لا أشنع منه. ولتوضيح هذا السياق أكثر، نقول هنا وبشكل مباشر،: إن مدينة الحديدة التي اتسمت تاريخيًّا بتكوينها الكوزموبليتاني التعايشي التسامحي الجاذب والخلاق، صارت تنتشر فيها مختلف نوازع الكراهيات المفاجئة –اللا متصورة واللا متوقعة - بين الأهالي - مع أنهم يتقاسمون نهك وغشم السلطة فيما بينهم منذ عقود - وهذا هو الأخطر الحادث اليوم برأينا.

غير أنها (الحديدة) التي تحتاج ككل مدن اليمن الحيوية إلى تنمية مستدامة وإلى ضمير وطني أكثر صحوًا وإيجابية من أجل دحر قيم الفساد والإفقار المستدامة الأكثر من سلبية ومأزومة بكل تأثيراتها وانعكاساتها المشينة حتى على الوعي المدني وعلى النسيج الوطني ذاته كما تُفيد الوقائع .!

والثابت أنه ينبغي للحكومة ولهيئة المحافظة أن ترتكزان في معالجاتهما لهموم الناس اليومية على قواعد جدية وموضوعية وسليمة، كيما تطيب خواطرهم وتجعل معيشتهم ممكنة وميسّرة من ناحية، ومن ناحية أخرى حتى تزدهر المدينة - فعلًا لا قولاً - وعلى أكثر من صعيد لها أن تتميز فيه بكل جدارة وإتقان.

خلاصة القول: إن غالبية من قابلناهم في مدينة الحديدة – مؤخرًا - كانوا يحتقنون بالوجع ليس إلا، متذمرين بتلقائية لافتة من وضع الحكومة المتخبط والمتدني في تعامله مع هموم مدينة مفعمة بالجمال السياحي كالحديدة، مدينة تستحق سياسات موضوعية متقنة ومخططة تصنع الفارق المنشود، إضافة إلى التقدم النفسي والاجتماعي والتنموي بالمحصلة، لا إلى سياسات تفضي إلى تنامي التدهورات التي شاهدناها في كل مكان داخل هذه المدينة الحيوية المهمة، المدينة التي ما زالت تفتقر لأبسط خدمات إنسانية تحتاجها ويصيب ما تبقى منها الضمور والتشوه على نحو غير مسبوق، بينما بالإمكان أن تكون تلك الخدمات ممكنة التوفر جيداً، كما بكل سهولة ودون أدنى عسر، في حال توفر لعقل الحكومة ولقيادة المحافظة في آن القليل من التدبر الإداري والوطني المسئول والمخلص والناضج.