الحوار الوطني وحاجتنا إلى البديل الثالث
بقلم/ احمد عبد الله مثنى
نشر منذ: 11 سنة و 4 أشهر و 24 يوماً
الجمعة 28 يونيو-حزيران 2013 03:10 م

دائما عند الاختلاف توجد عدة خيارات للاتفاق ، لكننا للأسف لا نرى إلا خيارين اثنين (إما أن أكون ) أو (أن تكون أنت ) ولا بديل لهذين الخيارين في لغة الحوار عند الضعفاء والفاشلين، ولذلك فقد برز في الآونة الأخيرة عدة نظريات لإدارة الحوار والتعامل مع الاختلاف ، وآخر هذه النظريات ، نظرية (البديل الثالث)

وهو منطق متميز في إدارة الخلاف وتعزيز لغة الحوار تحدث عنه المدرب العالمي المتميز (ستيفن كوفي ) بل خصص له كتابا منفردا يعتبر أحد أهم كتبه التي ألفها ، وقد سمى كتابه (البديل الثالث ...حل أصعب مشاكل الحياة) فنظرية (البديل الثالث ) تعني فتح الباب عند الاختلاف لكل الاحتمالات المؤدية للاتفاق وفق نماذج معينة كما ذكرها ستيفن كوفي في كتابه ؛ وهو كتاب يأتي في الوقت المناسب حيث الحاجة ماسة إليه مع كثرة التحديات وتعقيدات الحياة ، مما يعطينا مفاتيح للتواصل في البيت أو المجتمع او العمل ويفتح لنا باب رؤية جديدة قائمة على إشراك الجميع في دائرة حوار مفتوحة تأسيسا للتعاون الإيجابي ، مهما اختلفت الرؤى والأفكار وسوف أقتطف بعضا من أفكار هذا الكتاب محاولا تنزيل هذه الأفكار على مؤتمر الحوار الوطني من خلال الجلسات العامة التي نقلت الفضائيات

وأول أمر ينبغي الحديث عنه في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها اليمن هو تعزيز التعاون الإيجابي بين مختلف التيارات بما يحقق الأهداف المنشودة من هذا المؤتمر ، ولا يتم هذا الأمر إلا إذا تجاوز كل منا أفكاره الخاصة وتجاوزها للمصلحة الوطنية العامة وهنا يتحول الاختلاف إلى إبداع وحماس وإثارة فيكون – حينئذ- التعاون الإبداعي : نتيجة جديدة للاختلاف يثير كل الأطراف بوعد جديد ويغير المستقبل.

لأن العقل الذي يفكر بهذه الطريقة هو العقل المبدع ، وليس كما يظهر البعض أثناء الحوار حيث يبدو جليا أن الحوار يغلب عليه طابع المدافعة الحزبية لأن الانتماء الحزبي أصبح أقوى تأثيرا من الانتماء الوطني ، وذلك بسبب تراكم الأفكار الحزبية وهنا يصعب على المتحاور الانفلات من أغلال الحزبية ،ولهذا نجد الضعف في لغة الحوار والسذاجة في التعامل مع القضايا المطروحة للنقاش لأن العقل الذي يفكر بأسلوب الدفاع لا يبدع ولا يتعاون ، بل يكون مدعاة للسخرية لأنه يظهر بمظهر المهرج فبينه وبين لغة الحوار مسافة يكاد يعجز عن بلوغها ما دامت لغته لا تتجاوز حروف الانتماء الحزبي .

والأعجب في جلسات الحوار ما نراه عند الأغلب من الأعضاء وهو يظهر لنا على أن ما يملكه من فكر كفيل بأن يكون طريقا لحل كل هذه القضايا وهذا يتناقض مع المنطق القائل :(إن الذين يعترفون بأنهم ليست لديهم كل الحلول هم فقط من يبحثون بصورة دائمة عن الحلول) ,وبالتالي فهم يسعون للاتفاق مع كل من يخالفهم مادام هدف كل واحد منهم الوصول إلى الحقيقة التي تسهم في تحقيق المصالح الوطنية الكبرى ، ومما ينبغي ذكره التنبيه للرؤية الخاطئة القائمة على تصنيف من أحاوره بحيث نجد البعض يكاد يخرج الطرف الآخر من إنسانيته وهو يحاوره وتلك خطيئة الحوار الكبرى التي لا تغتفر ، لأن المحاور مطلوب منه أن يتعامل مع الطرف الآخر وفق نماذج تعزز لدينا مسألة الحوار بصورة إيجابية ، وهذه النماذج تقوم على عدة رؤى – كما أشار لها ستيفن كوفي في كتابه - :

النموذج الأول : الوعي بالذات : لماذا ؟

لأن البديل الثالث يبدأ بالذات فهو يبدأ من الداخل إلى الخارج ؛ أي من أعماق الذات من أساس الثقة بالنفس والتواضع ، إنه ينبع من نموذج الوعي بالذات الذي يمكن الشخص من الانفصال عن نفسه وملاحظة وتقدير ما لديه من تحيزات وتحامل ، فلا ينبغي أن تظن أن تقدير الآخر يتطلب منك إلغاء ذاتك ، أبدا ، ليس ذلك هو المقصود ، بل إن تقدير الآخر لا يستقيم إلا أن أملك قدرا من الوعي بذاتي ، ولهذا نجد الإمام الشافعي يسطر لنا قاعدة من قواعد الاختلاف وأصلا من أصول الحوار حين يقول : ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) فانظر إلى قوله (رأيي صواب ) وقوله (ورأي غيري خطأ ) إنه الوعي بالذات المتصل بتقدير الآخر من خلال وجود احتمالين :

احتمال الخطأ عنده في مقابل احتمال الصواب عند المخالف ؛ فلله ما أعجب هذا الإمام وما أعظم تفكيره ،كيف لا وهو أول من أتحف الأمة بتأسيس علم الأصول في كتابه الذي سماه (الرسالة ) لتكون رسالة للأمة تحكم فيها بوصلة التفكير وتعزز مهارات الحوار ؛ فهلا أخذنا بمذهب إمامنا في التفكير وإدارة الحوار كما أخذنا بمذهبه في الفقه .

النموذج الثاني (أنا أراك )..أي أرى فيك إنسانيتك وما تملك من مواهب وتحمل من عواطف .فنموذج (أنا اراك ) يدور بصورة كبيرة حول الشخصية ، حول الحب الإنساني .والكرم والشمول ،والنية الصادقة ، وكما قيل : (أنا أحتاج لك حتى أكون أنا ؛ وأنت تحتاج لي حتى تكون أنت) ، ومرة أخرى أجد الإمام الشافعي حاضرا وأنا أتذكر مقولته : ( ما ناظرت أحدا إلا وددت أن يظهر الله الحق على لسانه ) فهل رأيت نفسا أكرم وأسمى من هذه النفس ، إنها نفس تفيض كرما وحبا للآخر .

النموذج الثالث : أنا أبحث عنك ، يقوم هذا النموذج على البحث المتروي عن وجهات النظر المتعارضة بدلا من تجاهلها أو الدفاع عنها عن نفسك ضدها . (فالقادة العظام لا يكبتون الصراع أو ينكرونه بل يعتبرونه فرصة للتقدم للأمام ) ويعرفون أنه لا يوجد نمو أو اكتشاف أو إبداع ولا سلام بدون طرح الأسئلة المثيرة للغضب والتعامل الصادق معها ، ولهذا لا ينبغي لنا أن نقلق ونحن نرى قوة لغة الحوار لدرجة الغضب مادام هذا يدور في إطار المصلحة الوطنية الكبرى لأن نموذج (أنا أبحث عنك ) تعبير عن التحول القوي في التفكير الذي يتطلبه البديل الثالث ؛هذا النموذج يبدأ من أن الحقيقة شيئ معقد وربما كان لدى كل طرف جزء منها ، فمن الضروري أن تختلف آراء الناس ، لأن العالم بدون اختلاف سيكون عالما متشابها لا يمكن إحداث أي تقدم فيه .ومما يقوي هذا النموذج هو أسلوب الحوار والتواصل : لماذا ؟

لأن ركيزة التواصل هو (التفهم )فهو أساس السلام والتعاون الإبداعي ، إنه ليس أحد أساليب التلاعب بالآخرين واستغلالهم ...

فماهو التفهم ؟

يعرفه الفيلسوف (كين لامبرت ): (التفهم يحدث عندما نجد أنفسنا في عقل الآخرين ونرى الواقع من منظورهم ، ونستشعر مشاعرهم وانفعالاتهم ونشاركهم في آلامهم) فهناك – إذا – فرق بين التعاطف والتفهم : حيث التعاطف هو : موافقة الطرف الآخر أو التأثر به في صراع معين ؛ أما الاستماع المتفهم فإنه يعني محاولة فهم وجهة نظر الطرف الآخر بالاستماع لكلمات الطرف الآخر ومشاعره حتى نتمثل موقفه ونعرف ما يشعر به ؛ إنه يمنح الطرف الآخر ( تهوية نفسية ) لتكسر أمام المتحاورين عوائق التفهم القائمة على الرغبة في السيطرة ، وإصدار الأحكام المسبقة على الآخرين وتقييمهم ؛ فهذا هو الأصل الأصيل في التواصل أثناء الحوار لأنه ركن أساسي من أركان البديل الثالث ، فإن هدف المفكر بمنطق البديل الثالث هو التغيير الشامل لكل الأطراف وليس الفوز ؛ لأننا أثناء تعلمنا من بعضنا نغير وجهات نظرنا بصورة طبيعية وأحيانا ما يكون هذا التغيير جذريا وشاملا .

ماهي النتيجة العملية للاستماع المتفهم ؟

الجواب : اتخاذ القرارات القوية .

ما هو القرار القوي : هو / أفضل خيار ممكن اتخاذه بعد استبعاد كل احتمالات عدم اليقين ، والطريقة الوحيدة لتقليل عدم اليقين هي : الاستماع للآخرين..

فهل تتحرك دائرة الحوار وفق هذا المسار ؟ الذي يظهر من خلال الجلسات المعلنة أن دائرة الحوار تكاد تضيق عند كثير ممن قدموا ليكونوا ناطقين باسم الأمة لأن أهم مشكلة تبرز اليوم في جلسات الحوار هي انعدام التفهم للآخر بسبب أزمة الثقة التي يشعر بها البعض تجاه البعض الآخر ، فكانت النتيجة ظهور حمى اللغط ومقاطعة الآخر بشكل يجعل المتابع قلقا بشأن المستقبل الذي ينتظرنا وترى البعض يتربص بالآخر في جلسات الحوار ، فكأن هذه الجلسات مكان للثأر والانتقام ليس إلا ، وهنا تكمن المشكلة الكبرى ، وحينئذ يكون لزاماعلى أعضاء المؤتمر أن يدركوا أن هذه التظاهرة الحوارية ليست مجرد لحظة عابرة ، ولكنها تظاهرة تاريخية حضارية ستكون سببا في تغيير شامل في حاضرنا ومستقبلنا ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا ، ولا أبالغ إذا قلت إن نجاح هذا المؤتمر سوف ينعكس على الواقع الإقليمي من حوله ، وربما يكون مصدر إلهام لكثير من الدراسات السياسية والاجتماعية فهل سيكون الأعضاء على قدر المسؤولية أم إن الحزبية والأجندة الخاصة ستكون هي الأساس ، وهل سنرى تجليات الحكمة اليمانية في مؤتمر الحوار الوطني ؟

سؤال ستظهر إجابته مستقبلا ، حين نرى أن مؤتمر الحوار قد تمكن من قيادة الوطن إلى بر الأمان بما يحقق أهداف ثورته العظيمة ، وستكون تلك الساعة ساعة مشهودة تجعل كل من يكتب التاريخ لا يملك إلا أن يقول :

(الإيمان يمان والحكمة يمانية )

مشاهدة المزيد