إيران وأمريكا.. التحالف غير المعلن
بقلم/ إبراهيم الغرابية
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر
الأحد 24 يونيو-حزيران 2007 06:14 م

* سيكون النفط أولا محور حركة السياسة الأمريكية في المنطقة لفترة طويلة جدا، فاحتلال أفغانستان والعراق، والاشتباك مع طهران، سببه الرئيس النفط والتنافس الدولي المحموم في آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا، دافعه الأساس هو الطاقة التي ألقت بثقلها على السلوك السياسي لدولة مثل الولايات المتحدة، فمن أجل النفط خاضت الحروب واحتلت العراق، ومن أجله فإنها على استعداد للاعتراف بالدور الإيراني الجديد في المنطقة، الدور الذي يؤسس له لإعادة طهران إلى عهدها السابق،غير أن للطرفين شروط لإتمام الصفقة، فواشنطن وبعد مجيء وزير دفاعها روبرت جيتس اتخذت مسارا جديدا وعلنيا ومباشرا في التعامل مع طهران،مرة عبر تهويل الدور الإيراني، وأخرى بالتهديد النووي،وأخيرا بالتفاهم على الدور الإقليمي في ظل اختلاط المعادلة الدولية.هذا الأمر يطرح جملة من التساؤلات المهمة مثل هل تتحول الحرب الأمريكية على إيران أو محور الشر إلى تحالف معها يستهدف النفط والمنطقة؟ وهل ستكون إيران قوة إقليمية حليفة لواشنطن في مواجهة روسيا والصين والعرب؟

لم تعد إيران تطالب أميركا بالانسحاب من العراق، ولم تعد أمريكا تتهم إيران بدعم الإرهاب، فهل يكون الاعتراف المتبادل بدور كل طرف مقدمة لمرحلة جديدة،. الشراكة وتوزيع الأدوار والغنائم؟ هل ستنسحب القوات الأمريكية كما تذكر بعض المصادر إلى قواعد عسكرية محددة لتحل مكانها قوات من الحرس الثوري والجيش الإيراني لتتولى بمشاركة الميليشيات الشيعية أداء الدور الذي كانت تقوم به قوات الاحتلال؟ وهل سيحصل الإيرانيون كما يقال مقابل هذا الدور على حصة كبيرة من النفط العراقي؟ وهل ستكون هذه الصفقة نهاية للشراكة الإيرانية السورية؟ هل المناورات الأمريكية الإسرائيلية الجارية في النقب، هدفها تطويع طهران وفرض بعض المعادلات الأمريكية عليها أم هي تمرين يهدف إلى عزل دمشق وحزب الله وحماس عن طهران!

* تمثل إيران مركزا أساسيا وقلقا في وجهة الصراع والتنافس والتعاون الدولي الدائر في الشرق الأوسط وفي آسيا، فهذه الدولة الكبيرة والغنية والممتدة في آسيا الوسطى وحوض بحر قزوين والخليج العربي والشرق الأوسط تواجه معادلة صعبة ومعقدة تفرضها الجغرافيا، فكيف توفق بين دورها وطموحاتها الإقليمية ومصالحها في آسيا الوسطى وبحر قزوين والخليج والشرق الأوسط والذي يجعلها أكثر من دولة إقليمية لتقترب من دولة عظمى؟ وهو دور يقتضي في ميزان القوى الدولية تحالفات وتفاهمات متناقضة يستحيل التوفيق بينها، روسيا التي كانت على مدى التاريخ الحديث ترى في إيران شريكها الاستراتيجي للتأثير في آسيا والتوازن مع الغرب (بريطانيا ثم الولايات المتحدة) الذي يسعى لصد النفوذ الروسي ومنعه من الاقتراب من المياه الدافئة، وهو الصراع الذي يفسر أيضا المحاولات التركية العثمانية على مدى مئات السنين منع الزحف الإيراني إلى الغرب.

وتهيأت لإيران فرص جديدة ومهمة في التسعينيات بعد العاصفة الاستراتيجية والجغرافية التي حلت بالعالم لتعيد بناء قوتها وبرامجها السياسية والاقتصادية والإقليمية باتجاه بحر قزوين والدول المجاورة في الشرق والشراكة مع روسيا والصين، وكانت تحقق في ذلك نجاحات واستقرارا سياسيا رسخته بتحسين العلاقات مع دول الخليج والدول العربية ووقف مشروعاتها لتصدير الثورة أو بتعبير أدق وقف التطلع غربا إلا على سبيل الجيرة والتعاون، بل إن الولايات المتحدة (في عهد كلينتون) دخلت في مرحلة من التعاون والحوار مع إيران، وقدم منظرون ومفكرون أمريكان مثل ريتشارد ميرفي لمشروعات إقليمية في العالم يكون لإيران فيها دور مؤثر ومقبول لتبدأ الولايات المتحدة بسحب قواتها العسكرية من العالم وإعادة بناء دورها ومواردها وفق مرحلة عالمية جديدة، واقترح الشرق الأوسط إقليما تشارك فيه تركيا.

ولكنه مشروع أجهضته طموحات المحافظين الجدد الذين بدأوا فور وصولهم إلى الحكم مشروعا استراتيجيا جديدا للسيطرة على العالم ومواجهة روسيا والصين وحصارهما، ووظفت أحداث الحادي عشر من أيلول لاجتياح العالم، ودخلت الولايات المتحدة إلى مناطق من العالم كانت محرمة عليها من قبل، واعتبرتها كل من روسيا والصين ضربا تحت الحزام، ورأت أوروبا أيضا أنها تدخل في مرحلة من التهميش والإقصاء المتعمد من قبل حليفها التاريخي.

ولكنها مغامرة انكشفت بعد سنوات قليلة عن ورطة أمريكية لا يمكنها الخروج منها إلا بالعودة إلى مشروع الديمقراطيين (وبعض الجمهوريين أيضا) والقائم على مشاركة عالمية وتنظيم مجموعات وقوى إقليمية يكون للولايات المتحدة حصة كبيرة فيها، وتتيح المجال للشراكة العالمية والإقليمية أيضا.

فقد ظهرت المغامرة العسكرية الأمريكية وكأنها أعطت العراق وأفغانستان وبحر قزوين إلى إيران لتكون هي القوة المؤثرة فعليا في هذا الرقعة الممتدة من حدود الصين والهند إلى البحر المتوسط وبحر العرب، وتنقلها من قوة إقليمية إلى قوة عالمية عظمى، وهو ما شجع إيران على المغامرة لتوسعة مدى صواريخ حزب الله وتهديد إسرائيل، والتوسع النووي، وساهمت مضاعفة أسعار النفط، والتي تسببت فيها الولايات المتحدة، في تقديم غطاء اقتصادي جيد لإيران لتطور نفسها اقتصاديا وإقليميا وعسكريا.

المخرج المنطقي والبديهي من الأزمة هو الانسحاب الأمريكي من العراق وأفغانستان والانسحاب الإيراني من العراق ولبنان وسورية وفلسطين، وعودة تركيا وأوروبا شركاء فاعلين في الشرق الأوسط، وقيام منطقتين إقليميتين متجاورتين، الأولى هي آسيا الوسطى وبحر قزوين تكون قيادتها الإقليمية لإيران بمشاركة روسية، والشرق الأوسط بقيادة تركيا وبمشاركة أوروبية.

وبالطبع فإن الولايات المتحدة لن تقبل بسهولة وبساطة هذا الانسحاب وهذه المشاركة، ولكن خسائرها في العراق وأفغانستان، والأزمة التي تهددها في القارة الأمريكية بانقلاب جيرانها عليها، والصعود الصيني والروسي والهندي يجعل العالم يسير في هذا الاتجاه.

ولكن ثمة ما يدعو إلى الاعتقاد بأن المستقبل قد يفضي إلى وجود تحالفات وفواعل جديدة، فقد ينعقد تحالف أمريكي إيراني يستهدف النفط والهيمنة على العراق، فلم تعد إيران عدوا ولا دولة شريرة كما كان ينظر إليها منذ عام 1979، وقد تخفي الحرب الإيرانية الإعلامية على إسرائيل و"الاستكبار" تحولات سياسية واستراتيجية، وربما تدشن المفاوضات التي جرت في بغداد بين الأمريكان والعراق أواخر الشهر الماضي مرحلة جديدة من التعاون والتحالف، وقد يعود المشهد الدولي والإقليمي الذي تشكل بعد الانقلاب الأمريكي على الرئيس مصدق عام 1953 ليبدأ تحالف استراتيجي إيراني أمريكي إسرائيلي لأكثر من ربع قرن من الزمان.

فقد كشفت مجريات الاحتلال الأمريكي للعراق عن اتفاق غير عادي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في المصالح والأهداف، الهيمنة على العراق ومنعه من الاستقلال والتأثير، والنفط بأسواقه واستثماراته الواعدة في العراق وإيران وبحر قزوين، وحتى إسرائيل التي زودت إيران بالسلاح في الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات يمكن أن تتحول إلى صديق مشترك يجمع بين إيران والولايات المتحدة، وربما يكون أهم من ذلك كله هو عودة الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة، والتي سيكون لانضمام إيران إليها إلى الولايات المتحدة ضربة قاصمة وربما قاضية للاستراتيجيات والأحلام الروسية العالمية والإقليمية.

ويعتقد روجر هاورد الصحافي الأمريكي المتخصص في شؤون الطاقة والدفاع في كتابه "نفط إيران" أن الحصار الأمريكي على إيران والعقوبات المفروضة عليها تضر بالولايات المتحدة الأمريكية أكثر من إيران، وأن التحالف السياسي مع الولايات المتحدة في مواجهة إيران، بدءا بالحليف الأساسي أوروبا آخذ في التصدع والانهيار.

وقد بدأت الحرب الأمريكية السياسية والاقتصادية على إيران في التراجع عندما تصدع التحالف الأوروبي الأمريكي ضد إيران، وبدأت الدول الأوروبية تراجع حساباتها تجاه إيران خشية أن تضيع مصالحها النفطية والتجارية مع إيران، وخوفا من تشكل تحالف إيراني أمريكي يضر بها ويخرجها من ساحة التأثير والتنافس السياسي والاقتصادي في المنطقة وفي العالم.

إن كلا من إيران والولايات المتحدة الأمريكية يواجهان عدوا مشتركا في العراق وهو التيار الإسلامي والعروبي العراقي، ولهما أيضا مصلحة في تدمير العراق وإضعافه والهيمنة على موارده وأرضه، وربما كانت إيران كما في تقرير لمجلة (فورن أفيرز) المستفيد الأول من الاحتلال الأمريكي للعراق.

فبعد حرب طويلة مع العراق لم تستطع إيران أن تحقق نصرا فيها تظهر إيران اليوم هي اللاعب الرئيس المؤثر في العراق، أو كما قال الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي بأن نتيجة الحرب الأمريكية على العراق كانت تسليمه إلى إيران، فالعراقيون جميعا اليوم والأمريكيون في العراق يبدون تحت رحمة وتصرف إيران، فهي فقط القادرة على توجيه الأحزاب والجماعات الشيعية الحاكمة والمسيطرة في العراق والتأثير على قراراتها وتوجهاتها، وفي الوقت الذي تقرر إيران دفعها إلى مقاومة الولايات المتحدة في العراق فإنها ستضع الولايات المتحدة وقواتها في حالة بالغة الحرج، كما أن لإيران تأثيرا كبيرا على الأحزاب والجماعات الكردية الحاكمة والمعارضة في إقليم كردستان، ولها علاقة بجماعات سنية، وأنشأت مراكز نفوذ متقدمة في الأجهزة الأمنية والعسكرية وفي القبائل والعشائر العراقية، وأنشأت شبكة جديدة وعملاقة من العلاقات التجارية والاجتماعية والدينية مع جنوب العراق ومدنه ومراكزه الشيعية، وربما لا يكون مبالغة القول إن الجنود الأمريكان في العراق هم أسرى لإيران.

وقد احتاجت الولايات المتحدة راضخة إلى التفاوض مع إيران حول العراق، ولا يمكن القول إنها مفاوضات معزولة عن الوضع الإقليمي بعامة والعلاقات الإيرانية الأمريكية، فلن تستطيع الولايات المتحدة تحقيق تفاهمات مع إيران بشأن العراق من دون تسويات مرضية لإيران حول مفاعلها النووي ودورها في المنطقة وأهدافها السياسية والاقتصادية، ولا يعدو الحديث المتكرر للمسؤولين الأمريكان عن الفصل بين الموقف الأمريكي العام من إيران وبين التفاوض حول العراق سوى استهلاك إعلامي بائس.

وربما تكون إيران اليوم، كما ظهر في زيارة رئيسها لدولة الإمارات العربية المتحدة، مستعدة من موقع الشعور بالثقة والقوة لتسويات سياسية واقتصادية وإقليمية مرضية من أجل الفوز بالعراق، بل إنها مستعدة لأجل تحقيق هذا الهدف، دفع ثمن كبير، ولكنه الثمن الذي يدفعه القوي المنتصر وليس المهزوم الخاسر.

وكما استفادت إيران سياسيا واستراتيجيا من الاحتلال الأمريكي للعراق، فصفت بقايا النظام السياسي المعادي لها في العراق تصفية شملت السياسيين والعلماء والقادة العسكريين والطيارين أيضا وسيطرت على المشهد العراقي، فقد استفادت اقتصاديا بسبب ارتفاع أسعار النفط، وأصبحت شريكا نفطيا عملاقا في الخليج العربي وفي بحر قزوين أيضا الذي يشكل المصدر الرئيس للنفط بعد الخليج العربي.

وأنشأت إيران شراكات استراتيجية واقتصادية هائلة مع روسيا والصين وأصبحت جزءا من منظومة تحالف استراتيجي واقتصادي كبير منافس للولايات المتحدة الأمريكية.

وربما تجد الولايات المتحدة الأمريكية في تسليم الملف العراقي لإيران مخرجا من هزيمتها وإبعادا للعراق عن القوى الإسلامية والوطنية العراقية والتي تمثل تهديدا مشتركا للدولتين ومخاوف من العمل على عودة العراق دولة ناهضة ومؤثرة في المنطقة، وبخاصة مع رسوخ الهزيمة الأمريكية وحتمية انسحابها من العراق، إلى درجة أن كاتبا مثل عبد الرحمن الراشد يتساءل في صحيفة الشرق الأوسط (29/5/2007) هل يبيع الأميركيون العراق لإيران؟ وربما يتحول العراق إلى مستعمرة إيرانية لعشرين سنة مقبلة! *

أميركا.. هل تغـــرق في استراتيجيتها النفطية!؟

* "كيف ذهب نفطنا إلى آبارهم؟" ربما تعبر هذه النكته عن أبعد من شعور أمريكي بضرورة الاستيلاء على مصادر الطاقة والهيمنة عليها، فالطاقة والتنافس عليها والسعي لتحصيلها يغير كل شيء في العلاقات الدولية والاقتصاد والتقنية أيضا، حتى إن أندور هيترمان وإيفان سولومون يريان المستقبل هو الطاقة، أو بعبارة أدق فإن عنوان كتابهما يعبر عن حلول الطاقة في المستقبل " fueling the future "

ويكاد يبدو متفقا عليه في الغرب أن عام 1973 وهي السنة التي فرضت فيها أوبك (منظمة الدول المصدرة للنفط) حظرا على النفط للولايات المتحدة بسبب دعمها لإسرائيل في حرب رمضان/ تشرين/ أكتوبر، لقد كان الحظر صفعة قوية للغرب كشفت مدى هشاشة مدنيته، وشدة اعتماد حياة الناس اليومية في الغرب على النفط.

وهناك رؤية أخرى مفادها أن كميات النفط في حوض بحر قزوين هي أقل بكثير من المعلن عنه أو ما تتوقعه الشركات النفطية وأن النفط العراقي يمثل الرصيد الاستراتيجي الإضافي في المدى المنظور للسوق النفطية، خاصة بعد أن أكدت دراسة نشرتها شركة" IHS " التي تتخذ من ولاية كولورادو الأمريكية مقراً لها، أن هذا الاحتياطي النفطي الهائل قد يحول العراق إلى أحد أكبر مصدّري النفط في العالم.

المعروف أن الاحتياطي النفطي الثابت في العراق يصل إلى 115 مليار برميل ومن المتوقع إذا ماتم تأكيد هذا الاكتشاف أن يتخطى إيران ليصبح صاحب ثاني أكبر ثروة نفطية بعد السعودية مع احتياطي لا يقل عن 215 مليار برميل.

كان وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني قد أعلن في حديث لموقع CNN اكتشاف حقل عملاق جديد في المنطقة الغربية قرب الحدود السورية أطلق عليه اسم " أكاس" دون الإشارة إلى حجم إنتاجه.

وبذلك ستكون السيطرة على النفط العراقي والإيراني مصدرا لتهديد روسيا والصين أو ورقة ضاغطة للوصول إلى تسويات معها مرضية للولايات المتحدة الأمريكية، أو تخدم المشروع الأمريكي الذي كشف النقاب عنه لمنع أي قوة عظمى محتملة من مشاركة الولايات المتحدة في قيادة العالم.

يتقصى إيان رتليدج في كتابه "العطش إلى النفط، ماذا تفعل أمريكا بالعالم لضمان أمنها النفطي" مدى ارتباط الاقتصاد الأمريكي ونمط الحياة فيها باستهلاك النفط بسياسة الولايات المتحدة واقتصادها ومجتمعها، وبخاصة موقع السيارة في حياة الأمريكيين وعملهم، وهذا ما يجعل النفط والطلب عليه عامل تأثير مهم في سياسة الولايات المتحدة الخارجية ومرجعية تفكيرها وخططها الاستراتيجية العالمية والإقليمية.

فالمجتمع الأمريكي يعتمد على السيارة في العمل والحياة والاستجمام والتسوق والحياة العائلية أكثر من أي مجتمع آخر في العالم (843 مركبة لكل ألف شخص، أي أكثر بخمسين في المائة مما في أوروبا الغربية)، بل إن علاقة الأمريكيين بالسيارة تعبر عن روح أمريكية يراها مفكرون أمريكان قائمة على الحرية والقوة والاستقلال والحركية والأهمية والانعتاق والمغامرة، ويندد هؤلاء بالنقد السائد لاستهلاك الطاقة لأنه يعني تخلي الأمريكيين عن نمط حياتهم.

وارتبط بذلك سوق لصناعة السيارات وتسويقها ولوبيات سياسية واقتصادية، أدت إلى تفكيك أنظمة النقل العام ليس بسبب منافسة السيارة ولكن لإفساح الطريق أمامها، بل إن شركة جنرال موتورز/ شيفرون اشترت أنظمة النقل العمومي بالقطارات الخفيفة والحافلات الكهربائية ثم أوقفتها، ويقول بول هوفمان رئيس شركة Studebaker يجب أن يعاد تنظيم المدن، فأكبر سوق للسيارات اليوم، وأضخم خزان للزبائن المحتملين هو ذلك العدد الضخم من سكان المدن الذين يرفضون اقتناء سيارات خاصة.

واحتفت الدراما بهذه الحياة، مثل مسلسل الطريق الذي عرض في عام 1960 ويروي قصة شابين أمريكيين يجوبان الولايات المتحدة بسيارتهما الشيفروليه، ولكنها طريقة حياة تداخلت مع الظروف والأحداث السياسية والتهديد وعدم الاستقرار، وجعل الولايات المتحدة الأمريكية معتمدة على بلاد بعيدة لا يعلم عنها الأمريكيون إلا القليل، ولا يزيد اهتمامهم بما يحصل فيها عن معرفتهم بها، بل يقل عن ذلك ويقصر.

وأنتجت الولايات المتحدة في عام 1999 نحو 13 مليون سيارة مواصلة تقدمها المريح برغم المنافسة اليابانية الشرسة التي أنتجت في ذلك العالم نحو عشرة ملايين سيارة، وحسب دراسة أجرتها جامعة ميتشجان لصالح اتحاد صانعي السيارات فإن صناعة السيارات أضخم صناعة في الولايات المتحدة الأمريكية، وما من صناعة أخرى تجاريها في كثرة ارتباطاتها بالصناعات الأخرى ولا في حجم ما تولده من أعمال بيع بالتجزئة ووظائف.

وأشار تقرير للمجلس القومي الأمريكي للبحوث سنة 2003 إلى أن واحدا من كل ستة عاملين في الولايات المتحدة يتعامل بشكل ما مع السيارات والشاحنات، صنعا، أو قيادة مهنية، أو تأمينا، أو ترخيصا، أو عملا في بناء وصيانة الطرق العامة المخصصة للسيارات، وقال التقرير إن تأثير صناعة السيارات على المجتمع ليس كتأثير أي صناعة أخرى عليه، فالسيارة ليست مجرد تكنولوجيا أو وسيلة نقل، إنها عامل محدد أساسي للاقتصاد.

ووصلت مبيعات السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2000 إلى 17.8 مليون سيارة، وبالطبع فقد تغيرت وجهة صناعة السيارات عما كانت عليه من قبل في الولايات المتحدة، فثلث السيارات الخفيفة التي تباع في الولايات المتحدة تصنعها شركات أجنبية، أو تصنع في شركات أمريكية يملكها أجانب، وصارت المنافسة ضارية، وتدنت ربحية صناعة السيارات، ولكن التطور الكبير في استيراد السيارات من اليابان وكوريا وألمانيا لم يحل دون النمو المتواصل لصناعة السيارات الأمريكية.

وقد تنامت صناعة السيارات الرياضية والشاحنات الخفيفة التي تستهلك كميات من النفط أكثر من السيارات العادية، وتركزت سياسة الشركات الصانعة للسيارات في السنوات الأخيرة على زيادة إنتاج السيارات الرياضية نظرا لربحيتها.

ومن أهم الهزات التي واجهت السوق النفطية الأمريكية والغربية في المنطقة تأميم حكومة مصدق للنفط عام 1951، وأزمة قناة السويس عام 1956 وحرب 1973 والثورة الإيرانية عام 1979، وكان ثمة شعور قومي يتصاعد مصحوب بالامتعاض والغبن بسبب السياسات المنحازة لإسرائيل، وعندما احتل الاتحاد السوفيتي أفغانستان اعتبر الرئيس الأمريكي جيمي كارتر هذه الخطوة بأنها تهديد خطير لهذه المنطقة الاستراتيجية التي تحتوي على أكثر من ثلثي النفط القابل للتصدير في العالم، على حد تعبير كارتر، وهي المقولة التي سميت مبدأ كارتر، والتي تنص على أن أي حركة من طرف قوة معادية للسيطرة على منطقة الخليج سينظر إليها على أنها اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية.

وعندما احتل العراق الكويت عام 1990 وجه الرئيس الأمريكي جورج بوش خطابا إلى الأمريكيين يدعوهم لحشد القوى، وقد نشر الخطاب في صحيفة (النيويورك تايمز)، ومما جاء فيه: "إن وظائفنا وطريقة حياتنا وحريتنا وحرية البلدان الصديقة لنا في العالم كلها ستتأثر إذا وقعت احتياطات النفط الكبرى في العالم تحت سيطرة صدام حسين" وكانت حرب الخليج التي دمر فيها العراق، وبعد عشر سنوات واصل جورج بوش الابن غزو العراق واحتلاله، بعدما اتجه الرئيس العراقي صدام حسين لمنح عقود إنتاج نفطية لشركات فرنسية وروسية وصينية، وربما يكون ذلك وراء قول نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني إن لديه شعورا عميقا (بعدم إكمال مهمتنا في العراق).

حالة التنافس والندرة النفطية هذه يمكن أن تدفع الولايات المتحدة إلى تحالفات ومغامرات جديدة مختلفة عن السياق السابق، فقد تزايد اعتماد العالم على النفط، ووجدت الأمم الصناعية نفسها معتمدة على نظام اقتصادي مبني على افتراض أن النمو أمر طبيعي ولازم، وأنه يمكن أن يستمر إلى الأبد، ولكن هذا الافتراض يوشك أن يتهاوى الآن، فالدلائل تتراكم بسرعة على أن الوفرة النفطية قد انتهت.

فقد بلغ النفط في الولايات المتحدة أوجه عام 1970، وبدأت منذ ذلك التاريخ تستورد كميات متزايدة من النفط سنة بعد سنة، وبلغ اكتشاف النفط أوجه في العالم في حقبة الستينيات من القرن العشرين، وسيبدأ العالم ابتداء من عام 2010 تقريبا مواجهة حالة أن النفط المتبقي في جوف الأرض هو أقل جودة وأصعب استخراجا، وسيبدأ ضخ النفط في التناقص، وسيبلغ الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي أوجه بحدود عام 2020 ، وأما الفحم فقد بدأ بالفعل يدخل في مرحلة التناقص وتراجع الجودة.

وأما الطاقة المتجددة المستمدة من الرياح والشمس فهي لا تشكل سوى جزء يسير لا يذكر من الطاقة التي يحصل العالم عليها، وهناك مصادر أخرى كثيرة للطاقة، مثل الطاقة النووية والنفط الثقيل والرمال النفطية، ولكنها مكلفة استخراجا ومعالجة.

وفي حالة التحول إلى مصادر بديلة للطاقة فإن المجتمعات الصناعية بحاجة إلى إعادة صياغة وتصميم، وسيحتاج ذلك إلى استثمارات هائلة. وفي مقالة له بعنوان "لنخطط الآن لعالم بلا نفط" يقول وزير البيئة البريطاني الأسبق مايكل ميكر: "يواجه العالم خيارا صعبا، إذ لا يمكنه مواصلة السير على درب الاستهلاك المتصاعد للنفط الذي يسير عليه الآن، محاولا الاستيلاء على ما هو متاح من إمدادات نفطية متبقية، بالقوة العسكرية إذا لزم الأمر دون تجنب الاستنزاف المضطرد للقوة العالمية على الإنتاج، أو أن يتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، ومعايير أكثر صرامة فأكثر لكفاءة استغلال الطاقة، وخفض مضطرد لاستعمال النفط، وقد يشتمل المسار الأخير هذا على استثمار جديد ضخم في تكنولوجيات توليد نقل الطاقة."

وفي كتابه "أزمة الطاقة الأخيرة" يقول اقتصادي النفط أندرو ماك كيلوب "تخيل أننا صرنا في عام 2035، وذلك لنفهم على نحو أفضل المأزق الذي نحن فيه، ففي تلك السنة سيكون إنتاج النفط قد هبط بنسبة 75%، وسيكون إنتاج الغاز قد هبط بنسبة 60%، وتكون قد اختفت مقاطعات نفطية كبحر الشمال، ولم يبق منها أثر لمناطق إنتاج، وسيكون إنتاج الولايات المتحدة من النفط والغاز قد انعدم عمليا.

ويميل كثير من الناس إلى افتراض أن الآثار الاجتماعية والاقتصادية لنضوب النفط ستكون أكثر ضررا وخطرا على الأمريكان من غيرهم على الأقل في المستقبل القريب، فقد ساعد النفط الولايات المتحدة في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين على أن تكون أغنى وأقوى دولة في العالم.

وبعد حرب 1973 ثم سقوط نظام الشاه في إيران عام 1979 صاغ الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ما يعرف حتى اليوم بعقيدة كارتر، والتي تقول إن الولايات المتحدة الأمريكية ستستعمل قوتها العسكرية للمحافظة على منفذ لها إلى احتياطات نفط الشرق الأوسط.

ولاشك أن التاريخ معقد، وقد لا يصح أن ننسب كوارث الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية والجيوسياسية إلى نضوب النفط، ولكن من الواضح أن التاريخ الأمريكي الحديث قد اتسم بالاعتماد المتزايد على الطاقة والتدني المتواصل للقدرة على سد الديون، فالآثار الاقتصادية والجيوسياسية لنضوب النفط ليست آثارا افتراضية، بل هي تاريخ مدون مسطور.

وتسلط وثيقة أخرجتها السي آي إيه أخيرا إلى العلن الضوء على بعض أهم الأحداث الجيوسياسية في الربع الأخير من القرن الماضي، وكانت هذه الوثيقة وعنوانها :أزمة النفط الوشيكة" قد صدرت في آذار/ مارس عام 1977 قد توقعت قرب بلوغ النفط في الاتحاد السوفيتي أوجه في زمن أقصاه أوائل الثمانينيات، ويخلص واضعو الدراسة إلى القول إنه خلال العقد المقبل يحتمل أن يجد الاتحاد السوفيتي نفسه ليس فقط عاجزا عن إمداد أوروبا الشرقية والغرب بالبترول والغاز بالمعدل الحالي، بل مضطرا إلى التنافس للحصول على نفط أوبك لاستعماله الخاص، ولكن يبدو أن الإدارة الأمريكية استخدمت تلك المعلومات للضغط على الاتحاد السوفيتي ودفعه إلى الإفلاس، مثل إغراق السوق بالنفط الرخيص، وإشعال الحروب في مناطق نفوذه.

كيف ستكون استجابة العالم لنضوب موارد الطاقة في العقود المقبلة؟ من الإجابات الممكنة على هذا السؤال ستكون احتدام الصراع والتنافس على ما تبقى من موارد، فالمفهوم القائل إن ندرة الموارد تؤدي في الغالب إلى احتدام التنافس على أساس راسخ، وعليه الكثير من الشواهد الموثقة.

وقد نشبت في السنوات القليلة الماضية صراعات دموية بسبب الموارد في مناطق مختلفة من العالم، مثل إقليم أتشيه في إندونيسيا، وتشاد، ودارفور وجنوب السودان، ونيجيريا، وفنزويلا، والجزائر، وكولومبيا، وبابوا غينيا، والقائمة طويلة جدا، ولكن ربما تكون العراق أوضح الأمثلة على حروب النفط.

لقد كان غزو العراق بالطبع حدثا فريدا، عجلت بوقوعه ظروف محددة، وتورط فيه لاعبون سياسيون فريدون، صحيح أنه من المهم أن نفهم الحدث نفسه بدقة والسياق الذي وقع فيه، لكن من المهم أيضا أن نستحضر إلى الأذهان صورة الاتجاهات الأوسع، فلنعد لحظة إلى الوراء، ولنلق مرة أخرى نظرة على الصورة الكبرى فإلى أي مدى بدل غزو العراق أشكال الصراعات على الموارد التي يمكن أن تندلع في العقود المقبلة؟

إن العراق في الواقع هو الرابط الذي تلتقي عنده أنواع مختلف من النزاعات، بين الأمم المستهلكة (مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية) وبين الأمم الصناعية الغربية والمجموعات الإرهابية (التي لم تكن في العراق من قبل، لكنها تلعب الآن دورا متعاظما في المنطقة) وفيما بين الفرقاء العراقيين أنفسهم (الشيعة والسنة والكرد) وكذلك بين أمة مستهلكة قوية وأمة منتجة أضعف منها ومزعجة لها.

ومن الحروب والصراعات المحتملة ما يقع بين الأمم الغنية بالموارد، لأن الجماعات المتنافسة ستتبارى فيما بينها للفوز بحصة من الثروة، وقد درات صراعات وحروب أهلية حول الموارد القابلة للتصدير في أنجولا والكونغو وميانمار والبيرو وكمبوديا، ويحتمل أن تنشب صراعات أهلية على موارد الطاقة في العراق وكولومبيا.

وعندما يحصل شح في الموارد يصبح الصراع فيما بين المستهلكين أكثر احتمالا، فقد ذهبت ألمانيا إلى الحرب مرتين في القرن العشرين للحصول على مستعمرات لها وأراض وموارد للطاقة، والصين اليوم هي ثاني أكبر مستورد للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وسيأتي وقت تكون كمية النفط فيه غير كافية لتلبية طلب الأمتين معا، وسيكون الصراع بينها محتملا، وقد تكون للصراعات على الموارد آثار جانبية تشمل الضائقة الاقتصادية وتدمير البنى التحتية، وتبديد الثروة القومية في الإنفاق العسكري، والقمع السياسي الداخلي.

وتمتلك إيران احتياطيات هائلة من النفط تقدر ب 95 مليار برميل على الأقل، وتنتج نحو 4 ملايين برميل يوميا، وتمتلك نحو ألف تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وتنتج نحو 2.7 تريليون قدم مكعب سنويا، وهذا يجعلها بالطبع دولة إقليمية وعالمية وقوة اقتصادية وسياسية مهمة، وهي في الوقت نفسه تمثل تحديا كبيرا للولايات المتحدة الأمريكية منذ قيام الثورة الإسلامية فيها عام 1979.

وتمثل إيران أيضا شريكا قويا محتملا في نفط بحر قزوين وقاعدة مهمة في التحالف في إدارة الاستراتيجية الدولية والسوق النفطية في مواجهة روسيا التي تنظر بقلق كبير إلى السياسات الأمريكية وتراها تهديدا مباشرا لها.

لقد أصبح شائعا في وصف الوضع الجيوسياسي الراهن في منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى استعمال تعبير "اللعبة الكبرى" ذلك الصراع الذي نشب في القرن التاسع عشر بين بريطانيا وروسيا القيصرية للسيطرة على "الخانات" أو الدول الإسلامية المستقلة التي هيمنت على المنطقة حتى أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر.

والحالة الأخرى المقلقة للولايات المتحدة الأمريكية هي تزايد الطلب العالمي على النفط وفي الوقت نفسه احتمال تراجع إنتاج النفط وربما ندرته في المستقبل، وهو ما يجعل سياساتها تجاه إيران محكومة بهذا الهاجس وبخاصة أن يتحول النفط إلى سلاح تهديد ضدها أو موردا بيد منافسيها مثل الصين وروسيا والهند، وهي دول كبيرة وصاعدة اقتصاديا وسياسيا ويتزايد احتياجها للنفط وطلبها عليه.

فتستورد كل من الصين وروسيا والهند النفط والغاز من إيران بكميات كبيرة، ولديها أيضا مع إيران علاقات تجارية وسياسية وعسكرية، وهي مرشحة للنمو باضطراد، وتعتبر الصين وروسيا منافستين للولايات المتحدة الأمريكية، وأما الهند فقد كانت علاقاتها مع الولايات المتحدة يغلب عليها العداء والبرود منذ تأسيسها عام 1947.

وقد أعرب الرئيس الصيني هو جينتاو عام 2005 عن رغبة الصين في تطوير التبادل والتعاون مع إيران في كافة المجالات ودفع التعاون معها، ورحب أيضا بالصداقة مع إيران ودعمها، وهو تصريح يعبر عن المحور الجديد بين بكين وطهران والذي يمثل تهديدا واضحا للنفوذ الأمريكي وتحديا طويل الأمد يستمد قوته من النفط الإيراني.

ومن المعلوم أن الصين تمثل تحديا قديما للولايات المتحدة الأمريكية، وبحلول عام 2001 تحولت من شريك استراتيجي للولايات المتحدة كما وصفها كلينتون إلى منافس استراتيجي، وتعود المخاوف الأمريكية الجديدة إلى النمو السريع والكبير في الاقتصاد الصيني، فقد بدأت تدخل في مرحلة القدرة على امتلاك قوة عسكرية ومدربة وتحمل نفقات الحروب والدفاع والإعانات المالية والعسكرية لدول أخرى، وتقترب الصين بالفعل من أن تكون منافسا ندا للولايات المتحدة الأمريكية.

فتستطيع الصين أن تزود إيران بالدعم العسكري المتطور الذي سيساعدها على صد أي هجوم عسكري أمريكي أو إسرائيلي محتمل على منشآتها النووية، وبالتقنيات الفضائية التي تساعدها على استخدام برامج الصواريخ بعيدة المدى، ولم تنجح الضغوط الأمريكية في إفشال التعاون بين البلدين في هذه المجالات وغيرها.

وبرغم أن روسيا تمتلك كميات هائلة من النفط والغاز فإن لديها اهتماما كبيرا بقطاع الطاقة الإيراني، وقد وقعت روسيا مع إيران في عام 2002 اتفاقية تهدف إلى تطوير التعاون بين البلدين في القضايا التجارية والاقتصادية والصناعية والعلمية والتقنية، ومساعدة إيران في تطوير الصناعات النفطية وتشييد خط النفط الإيراني الهندي وتصدير النفط الروسي عبر إيران.

ولكن التعاون الأكثر أهمية وجدلا هو مساعدة إيران في إنتاج الطاقة النووية وربما السلاح النووي، وقد أعلنت موسكو في عام 2002 عن عزمها على إنجاز أربعة مفاعلات نووية في بوشهر بحلول عام 2012 ، وأيدت روسيا منح إيران مجالا لتخصيب اليورانيوم أوسع مما يريده الأوروبيون.

وتمثل الهند القوة الاقتصادية النامية مصدرا إضافيا لدعم إيران وتعزيز موقفها السياسي والاقتصادي، فموارد الهند من الطاقة لا تكفي لسد احتياجاتها وطلبها المتزايد، وتعتبر إيران مصدرا مهما لتزويدها بالنفط والغاز، ويخطط البلدان لإنشاء خط أنابيب لنقل النفط بطول 2600 كيلو متر وبتكلفة تصل إلى 4.16 مليار دولار، وقد زار الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي نيودلهي في عام 2003 واستقبل بحفاوة كبيرة وتحدث أمام حشد كبير من الناس باعتباره ضيف الشرف في حفل عيد الاستقلال الهندي، وتوصل البلدان إلى الاتفاق المشار إليه في عام 2005، وستدخل الاتفاقية التي تبلغ قيمتها 22 مليار دولار حيز التنفيذ في عام 2009 عندما تستكمل شركات النفط الإيرانية والهندية استعداداتها.

وتشعر الولايات المتحدة بقلق أكثر من السابق من تطور علاقات اقتصادية بين إيران وأوروبا، كما أن مشروع إيران النووي يخطو خطوات واسعة، ولا تبدو الولايات المتحدة اليوم واثقة من موقف حلفائها مثل أوروبا، فهناك مزاعم على سبيل المثال بمساع بريطانية لتسهيل حصول شركة النفط بريتش بتروليوم للحصول على حصة كبيرة من سوق النفط الإيراني، وقد أعلنت إيران أن الشركة البريطانية كانت واحدة من ست شركات بجانب توتال وستاتويل ونورسك وهيدرو وبتروناس وتاتنفت الروسية تشارك في مفاوضات حول برامج إصلاح متطورة لحقول النفط والغاز الإيرانية، وظهر أن شركة شل الفرنسية تسعى لعقود ضخمة لتطوير احتياطيات نفطية إيرانية، وأن شركة توتال تقود اتحادا عالميا من الشركات لتطوير أجزاء من حقل غاز بارس الإيراني بتكلفة ملياري دولار، وعرض المسؤولون الإيرانيون في دعوات رسمية وجهتها وزارة النفط الإيرانية فرصا على الشركات الأوروبية والآسيوية لتطوير حقول النفط والغاز في أزاديغان، ووقعت بعض الشركات الغربية صفقات مهمة لتطوير قطاع البتروكيماويات الإيراني الذي ينمو بسرعة كبيرة، مثل شركة سوندل الإيطالية، ودي إس دي الألمانية، ووقعت شركة ريبسول عقدا مهما لاستكشاف مساحات في مقاطعتي ماهر وفيروز، وهذه مجرد أمثلة لعقود ومفاوضات ومصالح واسعة وممتدة وواعدة للشركات الأوروبية واليابانية في إيران، وربما تكون هذه المصالح الأوروبية في إيران قوضت الجبهة التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحاول إقامتها ضد إيران، وأدت إلى انشقاق بين ضفتي الأطلسي، فقد فضلت أوروبا استخدام الحوار والمفاوضات مع إيران للتوصل إلى تسوية لموضوع النشاط النووي مقابل حصولها على مكتسبات تجارية وتقنية، وقد أجبرت عمليا الولايات المتحدة الأمريكية على سلوك موقف معتدل من إيران.

واستطاعت إيران توظيف مواردها الجديدة بعد زيادة أسعار النفط في تحسين وضعها الداخلي والسياسي والعسكري، وأن تخترق العزلة التي فرضت عليها منذ عام 1979 وأن تتحدى الولايات المتحدة وتخفف من آثار جهودها لمحاصرة إيران وتحجيمها، وأصبحت الولايات المتحدة بحاجة إلى التفاوض مع إيران *

بعد توافق إيران وأمريكا على العراق واشنطن تطالب طهران الالتزام بالسيناريو المعلن

بغداد: صباح الموسوي

* خريطة جديد ة للعلاقات بين البلدين محورها المصالح المشتركة في العراق والمنطقة عامة سيرسمها الحوار المعلن وغير المعلن بين طهران وواشنطن.

هذا الحوار الذي يرى بعض المراقبين أنه جاء نتيجة لضغوط داخلية تمارس على كل من إدارة الرئيس جورج بوش و حكومة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بشأن ضرورة التوصل إلى حل لإنهاء التوتر القائم بين طهران و واشنطن ‘ خصوصا بعد ما أصبح البلدان على تماس مباشرة بفعل الوجود الأمريكي في كل من أفغانستان و العراق، فإن جلسته الأولى جاءت عقب سلسلة من اللقاءات والمشاورات السرية التي هيأت لعقد هذا الحوار لينهي بذلك قطيعة دامت 21 عاما بعد آخر جلسة حوار مباشر تمت بين الطرفين كان بطلها « مك فارلين» مستشار الأمن القومي الأمريكي في إدارة الرئيس الراحل رونالد ريغان.

هذا الحوار تناول إمكانية الارتقاء إلى درجة التنسيق الأمني والسياسي الإيراني في العراق والمنطقة، وما اختيار واشنطن لطهران لمحاورتها بشأن العراق خاصة دور (المرجعية والأحزاب، التي تمسك بالعصب الرئيسي لاستقرار الأمن والسلم في العراق تمكنت إيران وبسبب الرابطة العقائدية والدعم المالي والتمويل العسكري من فرض الهيمنة عليها وجعلها تعمل لتنفيذ أجندتها السياسية.

ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية تصنف التدخل الإيراني في العراق ضمن دائرة دعم الإرهاب إلا أن واشنطن معتقدة أن طهران قادرة على مساعدتها في توفير الأمن في العراق بعد أن قدمت لها ما كانت تتمناه إيران وهو ‘إسقاط نظام الرئيس صدام حسين و إقامة حكومة شيعية – كردية موالية لطهران وعزل العراق عن محيطه العربي.

بالإضافة إلى ذلك إن مبدأ الحوار يطرح سيناريو تغير نظام الجمهورية الإسلامية من قبل البيت الأبيض ويفتح الباب للعلاقات الدبلوماسية لتأخذ مجراها مما يؤدي إلى خفض درجة التوتر بين البلدين وهذا سيكون أحد أهم منجزات الحوار.

ولكن قبل ذلك تجب معرفة ما هي مواضيع الخلاف‘ و على أيها يمكن أن يتصالح الطرفان ‘ وعن أيها سوف يتنازل أحدهما للطرف الثاني ليحقق مكسباً في موضعاً آخر؟

في الظاهر إن الملفات المختلف عليها بين الطرفين تتمثل في أربع نقاط ‘ هي (الملف النووي الإيراني والإرهاب وموضوع العراق و قضية السلام في الشرق الأوسط ‘ وانتهاكات حقوق الإنسان في إيران).

ولكن على الرغم من وجود هذه المواضيع الخلافية فإنه في المقابل هناك مواضيع أخرى كانت ولا تزال موضع توافق مشترك بين البلدين ‘ فقط سبق للطرفين الاتفاق في موضوع البوسنة والتعاون في موضوع إسقاط حكومة طالبان وكذلك احتلال العراق ‘خاصة بعد أن ثبت فشل الاستراتيجية الأمنية الأخيرة لإدارة الرئيس جورج بوش والتي ساهمت إيران بشكل كبير في إفشالها عبر دفعها الأحزاب والمليشيات الطائفية المسلحة "ومن بينها تنظيم القاعدة" لتصعيد حربهم الطائفية ضد المواطنين والمراكز الدينية و المؤسسات المدنية موقعة المزيد من الضحايا الأبرياء لإجبار واشنطن للرضوخ لمطالبها التي تتعلق بالشأن العراقي ويأتي على رأسها :عدم تغيير العملية السياسية القائمة حاليا وعدم المساس بالقوى و الجهات الموالية لإيران وخفض عدد القوات الأمريكية والاعتماد على القوات العراقية وموافقة أمريكا على إقامة الإقليم الشيعي في الجنوب والسماح لإيران بالحصول على حصة من النفط العراقي ‘ سواء من خلال ما ينتج رسميا أو من خلال آبار حقول مجنون الجنوبية التي استولت عليها طهران بعد الاحتلال الأمريكي للعراق.

أما القسم الثاني من المطالب الإيرانية فإنها تتعلق بالشأن الإيراني الداخلي وقضايا إقليمية ‘ ويأتي على رأسها : إعطاء تطمينات أمنية بعدم تنفيذ سيناريو تغيير النظام ورفع اسم إيران من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومنحها دورا في عملية السلام في الشرق الأوسط ووقف تنفيذ قرارات مجلس الأمن الثلاثة التي صدرت لمعاقبة إيران بشأن ملفها النووي وحل قضية هذا الملف على طريقة الملف النووي الكوري.

وفي المقابل فإن ما هو مطلوب أمريكياً من إيران يكمن في:وقف الدعم المقدم للأشخاص والمليشيات الشيعية المسلحة في العراق وتسليم عناصر من القاعدة الموجودين على الأراضي الإيرانية. ووقف تخصيب اليورانيوم وتغيير المواقف الإيرانية المعلنة من بعض قضايا الشرق الأوسط واللحاق بعملية السلام في المنطقة أو عدم معارضتها على أقل تقدير ‘ و أخيراً إجراء انفتاح تدريجي في سياسة حقوق الإنسان و الديمقراطية.

ويعتقد المراقبون أن إيران غير مستعدة لتقديم أي تنازلات ما لم تحصل على ضمانات أمريكية بتلبية مطالبها و في حال تحققت لها تلك الضمانات فإنها ستعمل على تخفيف التوتر في العراق‘ وإذا ما أرادت طهران تقديم ضحية لإثبات حسن نواياها لواشنطن فلا يستبعد أن تكون "القاعدة" ‘ التي أصبح ارتباطها بإيران بدرجة ارتباط مليشيا بدر و جيش المهدي وغيرها من المليشيات الطائفية الأخرى ‘أول القرابين الذين تقدمهم طهران ضحية لاتفاقياتها الجديدة مع أمريكا. خصوصا أن إيران قد تمكنت خلال السنوات الأخيرة من عقد اتفاقية تحالف مع القاعدة مكنتها من معرفة تفاصيل دقيقة عن هذا التنظيم ونقاط ضعفه ‘ هذا بالإضافة إلى استضافتها العديد من قياداته على أراضيها حيث يعيشون تحت حراسة مشددة وذلك لأن إيران لا يمكنها في الوقت الحالي تقديم أي تنظيم شيعي عراقي أو غير عراقي إلى المقصلة الأمريكية لكي لا تدفع الشيعة العراقيين إلى فقدان الثقة بها مما ينعكس سلبا ًعلى موقف باقي شيعة المنطقة منها. لذلك فهي لا تريد التضحية بأي ورقة شيعية قبل التأكد من تحقيق أهدافها في العراق والمنطقة .

 المجلة: