أزمة الخطاب السلفي
بقلم/ علي سليمان الصالح
نشر منذ: 11 سنة و 7 أشهر و 14 يوماً
الثلاثاء 09 إبريل-نيسان 2013 04:32 م

  - لقد كانت السلفية مداداً زاخراً للفكر الإسلامي، ومعيناً دافقاً بما تمتلكه من العلماء والفقهاء والمحدثين.

كيف لا والعلم في مبادئها عبادة، والعلماء في مواكبها سادة؟!.

-وفي هذا الزمان جنح بعض منتسبيها إلى الغلو في آراء انتحلوها فصيروها منهجاً ، يحاكمون الناس إليه، ويقصرون السلفية عليه، حتى جاء الربيع العربي فكشف عن خلل وتناقضات لم يستسغها العامة بل طلاب العلم، خلل شوه صورة الإسلام، ولم يقتصر مردوده سلباً على السلفيين .

- وتحت بريق السلفية وشرف الانتساب إليها، حجب كثير من الناس عقولهم دون التفكير في تلك الآراء فضلا عن إدراك خللها وخطأها .

- وأعني بذلك بعض الآراء التي لم تكتف بتحريم المظاهرات - كما أفتى بذلك طائفة من الفضلاء ، بل عدتها خروجاً ، ورتبت على ذلك تبديع من أفتى بالجواز ،وتجاوزت حتى حرمت وجود أي معارضة سياسية، بل جنحت الى تسمية من عطل الحدود وأقصى الشريعة سلطان الله، ثم سوغت للناس قبول الظلم والفساد بحجة كما تكونوا يولَّ عليكم .

- ومن منطلق الغيرة على الإسلام ونصحا لإخواني أكتب هذه الكلمات : إن أول معالم هذه الأزمة غياب المجتهدين ،ولست أعني من كان في منزلة الشافعي وأحمد بل أعني أضعف مراتب الاجتهاد وهو مجتهد الفتوى .

- ولا غرو في ذلك ما دام كثير من السلفيين لا يشتغل بعلم الفقه ولا ينظر فيه،لأنه في ظنهم تقليد مجاف للنصوص، ورأي معارض للحديث، ومن هنا يغيب المجتهد بل لا يولد أصلا.

- الجهل بالحدث السياسي، حتى أن بعض المفتين يطرح طرحاً سياسياً مغايراً للواقع، ويبني الفتوى عليه.

-ولا ريب أن معرفة الواقع وإدراكه أساس صحة الفتوى، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره،ومن القواعد الفقهية :( لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان ).

- اضطراب مدارك العلم، فمما لا ريب فيه أن القطعي مقدم على الظني،والكلي أيضاً مقدم على الجزئي، وذلك عند التعارض، وأن التسوية بين القطعي والكلي وبين ضديهما خلل في الاستدلال، ناهيك عن تأخيرهما.

- والملاحظ في خطاب البعض إهدار كليات قطعية بجزئيات ظنية، فالحكم بما أنزل الله من أسس العقيدة التي لا يخالف فيها مسلم، ولو كان معتزلياً أو صوفيا أو أياً كان، ولكنها غيبت في إطار ترسيخ مفهوم السمع والطاعة.

وقل مثل ذلك في الشورى والعدل ومحاربة الفساد - النهي عن المنكر -.

- العصبية الممقوتة:لم تزل السلفية تفاخر بتجردها للدليل، ناقمة بذلك على مخالفيها، بيد أن واقعها يشير إلى تعصب أي تعصب.

- وإذا كان التعصب للمذاهب الفقهية سبباً لتخلف الأمة في نظر النقاد، رغم كونها مدارس متكاملة في دراستها ومنهجها، قدمت فحولا من العلماء والأئمة، قد خضعت للبحث والتمحيص جيلا بعد جيل، إلا أنها ومع ذلك كان التعصب لها سببا في جمود الأمة، إذ إنها لم تستوعب الوحي وأنى لها ذلك ؟!

- وقد أحسنت السلفية في محاربة التعصب لها إلا أنها ومع الأسف وقعت في تعصب أسوأ منه، وهو التعصب لفتاوى مشايخها وعلمائها، حتى غدت كتب الفتاوى الأساس الذي ينطلق منه الشباب تعلما وتفقها دون المغني والبدائع وأضرابهما .

- وكثيرا ما ترى أحدهم يستقبل النوازل والواقعات التي تجتمع لها المجامع الفقهية بفتوى شيخ هنا أو هناك .

- غياب المرجعية : التي ترتب على غيابها تفرد كل بسلفيته لاختلاف في مسألة أو ثنتين . فالسلفية باختلاف مشاربها تجتمع على مخاصمة التراث،فلا تزال مستريبة من الفقه الإسلامي متخذةً منه موقف التحريم من الضباع، ظانة أنه قائم على آراء الرجال المجافية للوحي.

- وقل مثل ذلك في كتب التفسير والأصول، فضلاً عن إهدار فضل كثير من كبار الأئمة لموقف أو آخر،وانظر في موقف بعض السلفيين من أبي حنيفة أو الغزالي أو العز بن عبد السلام ترى العجب العجاب.

- وفي ظل هذا الفراغ تسنى لكثير من الجهال أن يمتطوا صهوة الإفتاء والتعليم والتوجيه لا لشيء سوى أنهم حفظوا القرآن، وقرؤوا بعض السنة .

وختاماً لا بد من مراجعة جادة للخطاب السلفي، مراجعة تنطلق من كون السلفية فكراً بشرياً،وليست وحياً إلهياً، مراجعة تعيد للسلفية رواءها، وإلا فإن سوقها - في ظل ثورة المعلومات والاتصالات - لن تثبت خصوصاً في مروج الربيع العربي.