ربيع اليمن.. أربع مراحل لصناعة وطن
بقلم/ أ. خالد إبراهيم الوزير
نشر منذ: 11 سنة و 10 أشهر و 4 أيام
الجمعة 18 يناير-كانون الثاني 2013 03:22 م

ثورات الربيع العربي قامت ضد الفساد والظلم وامتلاك الشعوب، وكانت نتاجاً طبيعياً لابد منه لمعالجة الأوضاع المتردية والتدهور القائم في تلك البلدان .

وحيث أن الثورات تهدف أساساً لتحقيق تغيير جذري لنظام الحكم و تتضمن اهدافاً واضحة لمعالجة مساوئ النظام الذي سبقه، وبرغم أن الأغلبية ممن قاموا بالثورات كان هدفهم التغيير لإصلاح بلدانهم بنية صافية وعزيمة قوية وبحب عظيم، إلا أن الأمر لا يخلو من دخول آخرين إما لاكتساب مصالح شخصية أو الهروب للتطهير أو بسبب أحقاد على النظام الذي كان جزءاً منه وهذا أمر طبيعي ولأن الأغلبية مُحبين بإخلاص لوطنهم فإن المرحلة التي تلي ثورة الربيع تقتضي القيام بثورة أخرى هادئة ومتأنية ومسالمة لتنقية شوائبها دون أحقاد ومناكفات تضر بها وبأهدافها العظيمة .

مثالاً لذلك ثورة التغيير السلمية في الجمهورية اليمنية التي قامت عن حق وضرورة، واعتقد أنه ليس كل من أستمر مع نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح خلال الثورة أشخاص سيئين، كما أن ليس كل من أنظم للثورة أشخاص جيدين ! ففي كِلا الحالتين فإنهم يمثلون الفئة الاقل عدداً بغض النظر عن تأثيرها على النظام السابق أو الثورة، فما من شك أن منهم من استطاع تجنيب اليمن الحرب الأهلية ومنهم من قوى الثورة حتى وإن كان على البعض منهم مأخذ من أي نوع كما أن هناك من اضعفها.

 كما أن من غير الإنصاف القول إن الرئيس السابق علي عبدالله صالح لم يحقق شيئاً خلال فترة حكمه بل انه حقق ولكن ليس بالقدر الذي كان يفترض به خاصة مع فترة حكمه الطويلة والفرص المتعددة التي اتيحت له، لذلك من المؤسف له أن يتضح للشعب اليمني أن مرور خمسون عاماً على ثوراته ضد الحكم الإمامي أو الاحتلال البريطاني ومرور عشرين عاماً على تحقيق الوحدة اليمنية أنه لم يصل إلى تحقيق معظم الأهداف ولم نجد دولة مدنية حديثة على الاقل كما وصلت اليه دول كانت أقل منا شأناً مما سبب انتكاسه وعدم تسامح مع من تسبب في ذلك، لكن التاريخ سوف ينصف ويعري الجميع.. التاريخ الذي لن يُكتب إلا بعد جيلين على الأقل.

 على ان انجرار الأطراف لكيل التهم والسب والقذف واستمراء ذلك خلال كل مراحل الثورة ليس فيه إلا زيادة في الرصيد بالقدر الذي فيه نقصان وإظهار للحقد المسيس لتحقيق مصالح آنية تنقص من رصيد هذا وذاك، واجد ان انحدار تلك الأطراف نحو الهاوية الأخلاقية قد أضعف كل القوى السياسية، وتعامل بعض الإعلام الخارجي لم يكن دعماً للثورة بقدر ماهو مؤامرة لتحقيق مآرب خاصة .

 ولعل الكثير من الثوار خاصة الشباب الحر يروا أن ثورة الشباب السلمية تم وأدها في مهدها بسبب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لأنها ابقت على نصف النظام الحاكم من خلال تولي حزب المؤتمر، نصف حقائب حكومة الفترة الانتقالية المحددة بعامين ومن خلال بقاء الرئيس السابق يمارس حياته الطبيعية ومنحه حصانة من المحاكمة إضافة لتولي أحد أفراد النظام السابق رئاسة الجمهورية حيث كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية لسنوات طويلة، وهذا الامر قد يكون في ظاهره سليم ولكن إذا ما تعمقنا في الأمر سنجد ما يلي:-

 إن التوقيع على المبادرة الخليجية وهي المرحلة الثانية للثورة قد أوقف شبح الحرب في اليمن والتي كانت ستقع بسبب عدم قيام جزء كبير من الجيش بحماية الشعب فقط بما يخالف الدستور، وكذا وقوف مجاميع قبلية مسلحة مع الرئيس السابق بسبب امتلاك اموال الدولة وتسخيرها لغير أغراضها مع احترامي الشديد لكل من وقف مع أي جانب عن قناعة شخصية ووطنية بغض النظر عن صحة موقفه أو خطأه .

إن المبادرة قد حفظت ماء الوجه للطرفين احزاب اللقاء المشترك وشركائه وحزب المؤتمر الشعبي العام وحلافائه، كما أخرجت الرئيس السابق بشكل غير مُهين حيث أن توافق الجميع على المبادرة والتوقيع عليها قد فوت الفرصة على الطرفين وخرج الجميع على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.

 أن توقيع المبادرة اتاح البدء بهيكلة الجيش والأمن على أسس وطنية ومهنية كما سمح الاجماع الشعبي والتعاضد الاقليمي والدولي بإجراء تغييرات واسعة في الجيش والأمن بشكل هادئ .

 إن التوافق والإجماع الشعبي الذي حصل عليه الأخ عبدربه منصور هادي عند إنتخابه رئيساً للجمهورية اليمنية بناء على المبادرة الخليجية لا يعني إلا شيئاً واحداً وهو أن الشعب اليمني مع التغيير والأمن والأمان ، ومع بناء اليمن الجديد، وأن هذا الإجماع لا يعني ان لا تنتقد السلبيات ونعظم الايجابيات، فالنقد البناء مطلوب في كل حين.

 إن توقيع المبادرة ليس نهاية المطاف لثورة الشباب والشعب للتغيير فقد تضمنت أهدافاً عميقة سوف تسفر بعون الله عن تحقيق التغيير المنشود بهدوء وحكمة فالأهم من أن نتقدم بسرعة هو أن نتقدم في الاتجاه الصحيح، بمعنى أن تحقيق أهداف الثورة قولاً وعملاً يمكن أن يتم من خلال الحوار الوطني (والذي يعد المرحلة الثالثة للثورة) المزمع عقده قريباً والذي سيتضمن بإذن الله حلاً للقضية الجنوبية ومشكلة صعدة وإعادة بناء الدولة اليمنية على أسس تضمن مستقبل افضل لليمن واليمنيين إذا ما حسنت النية وأبعدنا التدخلات الخارجية المضرة بالحوار ونتائجه وهذا الأمر يجب أن يكون في ذهن الجميع، لأن نجاح الحوار هو نجاح للوطن ككل وليس لفئة ضد أخرى وستكون النتيجة تكاتف جميع ابناء الوطن لتحقيق التغيير المنشود دون انقسام وستظل هناك فئة تحركها المصالح الشخصية أو الخارجية ضد الوطن.... وهولاء هم من يجب الوقوف أمامهم اذا لم يعوا ذلك وسوف يسجلهم التاريخ في اسواء صفحاته.

 إن المرحلة انتقالية والفترة الزمنية المعلومة لإصلاح الجوانب المحددة تعد هامة للغاية ، وبالتالي يجب ان نؤسس للمرحلة الاهم وهي مرحلة ما بعد الحوار الذي نسأل الله له النجاح ، وان من الاهمية بمكان أن يستفيد الشعب اليمني من سلبيات الماضي حتى لا تتكرر الأخطاء فتلحق بهذا الجيل لعنة الاجيال ، فمن غير الممكن أن نظل نعيش في ظلام وجهل وظلم وفقر وتعيش الاجيال القادمة كذلك.

لا شك أن الكل يلمس التغيير الايجابي وان كان يحدث ببطئ بسبب العراقيل التى اشير اليها والتي يتعمد وضعها في الطريق اصحاب المصالح الضيقة ، أو المدفوعون من الخارج او من غلبت أحقادهم على أهوائهم ، لذا نجدهم الى اليوم يحركون آلاتهم الإعلامية لإثارة الأحقاد والنعرات وتسميم المشهد السياسي ،وهناك من يحرك دراجته النارية للاغتيال وإثارة الفوضى ، لكنني على ثقة من أن الشعب اليمني العظيم قد أصبح خلال هذه الفترة أكثر وعياً وإدراكاً لذلك ، ولابد من القول إن الاصلاحات الكبيرة التي ينفذها الأخ الرئيس والتي نقف معها جميعاً قد بدأت تعالج الجوانب السياسية والعسكرية إنما الجانب الاقتصادي والخدماتي مازال مهملاً الى الآن نتيجة غياب رؤية لمعالجتها لدى الحكومة ، مما عكس نفسه على واقع المواطن البسيط الذي يعاني من الارتفاع المستمر للأسعار وارتفاع معدل البطالة وتفشي رقعة الفقر ، ناهيك عن غياب الأمن و الاستقرار مما يؤكد عدم وجود أي اجراءات تقوم بها الحكومة .

من هنا أجد أن إحداث التغيير في منهجية الحكومة والتغيير في النمط السائد في ادائها وإحداث التغيير في تركيبتها يعد واجباً وطنياً مطلوباً بشكل عاجل ، حيث ان الأداء الرتيب وعدم توفر رؤية واضحة للحكومة اليوم لا يساعد على تحقيق الحد الأدنى من النجاح المطلوب للحوار الوطني ، والذي من اهم شروط نجاحه الاستقرار النفسي والمادي للمواطن ، إذ لا يمكن أن ينتظر المواطن لما بعد الحوار لتقوم الحكومة القادمة بعملها فالأوضاع الاقتصادية ستصبح أسوأ وقد تصل لحالة عدم إمكانية الإصلاح .

خلاصة القول إن ثورة الشباب السلمية قامت ونجحت عن حق بإرادة الله عز وجل مع وجود أحقاد في بعض مكوناتها لكنها ليست ذات أهمية ، والمبادرة الخليجية أنقذت البلد من دمار لا حدود له برغم سلبياتها وجورها لذلك من أراد استكمال الثورة وأهدافها وإنقاذ الوطن فله ذلك من خلال المشاركة الفاعلة في الحوار الوطني من داخله أو من خارجه ومن قِبل جميع ابناء اليمن دون استثناء أو إقصاء لأحد وتهيئة الأجواء لذلك ، فإذا نجحنا في الحوار وهذا ما سيتم بعون الله فإن ذلك سوف يسفر إلى بناء يمن جديد يمن النظام و القانون ، وانا كغيري متفائلين لحد كبير، والمرحلة الرابعة التي ستلي ذلك أهم مما سبقها وهي تنفيذ قرارات مؤتمر الحوار وضمان استمراره بكل مصداقية لأن أي إلتفاف يعني عودة الأوضاع كما كانت وأسوأ، ويجب أن لا نكرر الأخطاء التي لحقت الثورات السابقة. ويجب أن نعي أن الحوار هو «صناعة وطن» حقيقي للجميع، وبالتالي من الأهمية تكاتف جميع فرقاء العمل السياسي والشباب والحراك والحوثيين لإنجاح الحوار الوطني ونأمل ترك الأهداف السياسية والأجندات الشخصية والخارجية خارج بوابة الحوار الوطني .

كما أن الوقوف مع الإصلاحات العميقة والحكيمة التي يقوم بها الأخ رئيس الجمهورية في جوانب الجيش والأمن والشأن السياسي ومنحه الثقة ، لها مردود إيجابي على الشعب والوطن مع الأخذ في الاعتبار أهمية الانتقاد البناء وتوجيه النصح وعدم التصفيق والتطبيل دون وعي ، فقد انتهى ذلك العهد ولا يشوه ويعرقل مسيرة الأخ الرئيس إلا الأداء الضعيف للحكومة بجميع مكوناتها لانها تصنع بحق ثورة الجياع ، مع تقديري العميق لكل وزير يعمل حقاً لصالح الوطن.

أسأل الله لبلدنا الحبيب وشعبه العظيم التوفيق والنجاح لما فيه خير اليمن .