أحلام أم كوابيس
بقلم/ دكتور/زهير محمد
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 22 يوماً
الخميس 31 مايو 2007 04:33 م

مأرب برس – السويد - خاص

يبدوا ان الصراع والعراك السياسي بين أقطاب السلطة والمعارضة في هذا الوطن يسير الى طريق الما لانهاية ويبدوا اننا معشر الصحفيين قد خضنا كثير ا في تفاصيل هذا العراك السياسي مبتعدين عن هموم الوطن وأزماته الاجتماعية الحالية التي تعتبر مراة للحاضر الذي ينتظرنا جميعا .

أيها العقلاء , أنتم يا من تبحثون عن مستقبل أفضل لهذا الوطن وترجون تفوق أبنائة , يا من تريدون منافسة الأمم المتقدمة فيما توصلوا إليه من علوم , يا من تتفاخرون بالماضى ولا تهتمون ببناء الحاضر وتتشاءمون من المستقبل دعونا نبتعد عن السياسة قليلا لنناقش معا بعض الظواهر الاجتماعية التي بدأت تفرض نفسها على نسيج المجتمع اليمني.

أليكم جميعا أنقل ما شاهدته بأم عيني في اليوم الخامس من شهر مارس في أحدى التقاطعات المرورية , صبي لم يتجاوز العاشرة من العمر يحاول مسرعا عبور الطريق الى الجهة المقابلة في سباق مع الإشارة الضوئية ..تناثرت أشرطة الكاسيت التي كان يحملها و سقط تحت السيارة.. وما هي الا لحظات بسيطة فارق بعدها الصبي هذه الدنيا التي بدأ مشواره فيها بالكد والعمل. 

 أشرطة كاسيت..مناديل.. العاب.. شوكلاتة.. ولاعات..سجائر.....

كلمات تنطلق من افواه صبية لم يتعدوا العاشرة من العمر في غالب الأحيان نسمعها في الإشارات وهم يعبرون الطرق و ويسيرون أمام السيارات على أقدامهم العارية غير أبهين بالمخاطر التى قد تصيبهم و يتنقلون من سيارة الى أخرى تاركين خلفهم نظرات الشفقة والإحسان من عيون بعض الناس حينا ونظرات القسوة والاحتقار حينا اخر, أعينهم البريئة تتوقد فرحا حينما يميل أحدهم ليعطيهم ما خلص من ذمته وتفوق فرحتهم بهذه النقود أغنى أغنياء العالم.

بالطبع غالبا لا تذهب هذه الأموال إليهم فلو كان الامر كذالك لكانوا قد انتصروا على الفقر وأعلنوا الثورة على الشارع ورفضوا النوم على الرصيف ولكن للأسف هذه النقود ليس لهم نصيب فيها الا ماقد علمهم الزمن اختلاسه أما الجزء الأكبر فيذهب الى المستثمر.. .

 الى معلمهم هذه الحرفة وإلا سوف يكون العقاب شديدا و ينظرون الى ما تبقى لهم منها وكأنها كنوز قارون فجزء للسجائر التى علم بعضهم الزمن تناولها والجزء اليسير لبعض لأطمعه وان كانوا لا يكترثون لهذا كثيرا فالبعض قد تعود على البحث فى أكوام القمامة على مايسد جوعه.. فأين أسر هؤلاء الأطفال وأين مجتمعهم .

 نعم للأسف مطعم الباعة الصغار قي الشوارع و المتسولين ليسوا بأيتام بلا اب او ام فلا يكون لهم ملجأ سوى هذا الرصيف ولكن هناك من له الاثنان معا ويكونون أشد قسوة عليه من رصيف الطريق الذى يحتضنه فى الليل وحجر الشارع الذي يستند عليه و أشد برودة من برد الشتاء نعم لسان حالهم يقول حضن الرصيف أدفي وأحن من حضن الأم وبرد الشتاء اشد رحمة.

مع الأسف يقوم بعض الاباء بإرسال ابنه الى الميكانيكي وهو فى سن فد لا تتعدى العاشرة وأقل وطبعا لا يسلم من الاهانات والشتائم تارة والضرب والركل تارة أخرى والحرق أحيانا بحجه التعليم والتعليم فى الصغر كالنقش على الحجر. والأسباب كثيرة ومختلفة فالبعض أصبح لا يقوى على تحمل تكاليف المدرسة بل تكاليف المعيشة البسيطة لهذا الطفل فدفعة عن رغبة او إجبار ليواجه مصيره مبكرا والبعض الأخر تملكه الطمع فأصبح كالذئب الذي يأكل أولاده.

 فأين القانون الرادع للحد من هذه الظاهرة المرضية الاجتماعية والاقتصادية وهى جريمة في حق هؤلاء الأطفال في الحاضر والمستقبل.

 فعندما ينمو العود الأخضر وينضج العقل و يتغير الحال, عندما تختفي البراءة من عيني هذا الطفل و قلبه وتزرع ذكريات الزمن مكانهما القسوة والعدوان و الرغبة في الانتقام من المجتمع بأسرة.

وفى رأى الشخصي فإن أسباب هذه الظاهرة تنحصر فى ثلاثة اتجاهات السبب الأول منها رئيسي والآخران مترتبان عليه وهم الاسرة وأصدقاء السوء والجهل.

 فالأسرة هى الأرض التى تزرع فيها النبته وتتبع حالها فان كانت التربة طيبه صلحت الزراعة وان كانت سيئة تصبح النبتة أسوأ حالا وقد أثبت الطب النفسي أن الأسرة المفككة الفقيرة التى تنشب فيها نيران الخلافات والتى قد تكون فيها زوج أم أحيانا أو زوجه اب أحيانا أخرى أوقد يكون الاب والام متواجدان معا ولكن كلا منهما يتأهب الفرصة التى تسنح له بشن المعركة على الأخر كل هذا له أبلغ الأثر فى نفوس هؤلاء الأطفال الذين يفضلون الموت على أن يشبوا فى هذا المكان الذى هو أشبه عندهم بجحيم الآخرة فيهرعون الى الشارع الذى يصبح ملاذهم ومفرهم الوحيد ليلتقطهم من يتحكم فى مصيرهم بعد ذلك .أما أصدقاء السوء فلهم اليد العليا والأولى فى كل كارثة فحينما تغفل الأسرة عن طفلها وتحرمه من العطف والحنان فإنه يبحث عمن يستأنس به ويشاركه عذابه فتمد ايه أيادى رفاق السوء الذين أصبحوا بمثابة المدرسة المعلمة لكل الحرف السوداء التى تدمر كل ماتجده ومن أهم الأسباب أيضا التى تؤدى وتتسبب فى حدوث تلك الظاهرة جهل الاباء فحقا هى كارثه بمفردها فحينما ينتشر الجهل بين الأباء وينجبون الطفل تلو الآخر لا يفكرون فى مستقبلهم ومصيرهم الذى ينتظرهم ولا يضعون فى حسبانهم أن هؤلاء الأطفال يريدون الطعام والشراب يريدون التعليم والتربية يريدون الحنان والرحمة والعطف منهم و ليس من أحد غيرهم يريدون أبسط حقوقهم وهى معاملتهم كأدميين ميزهم الله كباقي الآدميين على وجه البسيطة.

فهل يمكن لنقابة الصحفيين اليمنيين وللصحف اليمنية بشقيها ان تتبني حملة موحدة تقف من خلالها على الاسباب الحقيقة لهذة الظاهرة وذلك عن طريق اجراء تحقيقات ميدانية مع مجموعة من هؤلاء الصبية وانا على يقين انها ستتوصل الى نتائج مذهلة.

وهل يمكن للاجهزة الامنية فتح هذا الملف والوقوف في وجة من يتاجرون بأطفالنا وبمستقبل هذا الوطن وبمن يسعون جاهدين الى كسب المال محولين أحلام اطفالنا في مستقبل بهيج الى كوابيس.

* كاتب وصحفي يمني