الثورة في مواجهة المؤامرة : مصر نموذجا يتكرر في بلاد الربيع
بقلم/ طارق عثمان
نشر منذ: 11 سنة و 11 شهراً و 14 يوماً
الجمعة 07 ديسمبر-كانون الأول 2012 01:39 م

( ومن ثم فإن أمريكا و حلفاءها ، لا يريدون حكومات تعبر عن إرادة الشعوب فلو حدث هذا فلن تفقد أمريكا سيطرتها على المنطقة بل ستطرد منها .... في مصر وتونس والدول المثيلة لها التي لا تُعَد مصدراً أساسياً للنفط توجد لها خطة يتم تطبيقها نمطياً ولا تحتاج عبقرية لفهمها؛ فإذا كان لديك ديكتاتوراً مفضلاً يواجه مشاكل فقف بجانبه حتى آخر مدى، ولكن عندما يستحيل الاستمرار في دعمه لأي سبب مثل أن يتوقف الجيش عن دعمه، فقم بإرساله إلى مكان ما، ثم أصدر تصريحات رنانة عن حبك للديمقراطية ثم حاول الإبقاء على النظام القديم ربما بأسماء جديدة، وقد حدث هذا مراراً وتكراراً، حدث مع سيموزا في نيكاراغوا ومع الشاه في إيران ومع ماركوس في الفليبين وديفيلييه في هاييتي، وزعيم كوريا الجنوبية ومابوتو في الكونغو وتشاوشيسكو مفضل الغرب في رومانيا وسوهارتو في إندونيسيا. إنه أمر نمطي تماماً وهذا بعينه ما يحدث في مصر حاليا )) ً.

كان هذا ما قاله نعوم تشومسكي قبل سنة تقريبا وهو كاتب وناشط سياسي وفيلسوف ومفكر أمريكي أختير كواحد من ثلاث شخصيات ثقافية موجودة على قيد الحياة.

تشومسكي لديه إطلاع واسع بخبايا السياسة الأمريكية ومنها في المنطقة العربية ، ولذلك فهو يشخص تماما ما حدث وخصوصا في الحالة المصرية حيث تخلت أمريكا عن أحد أفضل ديكتاتورييها عندما ظهر لها جليا أن الإبقاء عليه لم يعد ممكنا و بدأت تبحث عن ديكتاورية جديدة ، ولأن خيار المجلس العسكري سقط تحت تأثير الضغط الشعبي ثم سقط خيار تصعيد شخصيات من النظام القديم أو شخصيات قريبة من أمريكا عبر الإنتخابات ، فقد وجدت أمريكا نفسها مجبرة للتعامل مع مشروع غير موالي لها في المنطقة ولم يعد ممكنا القضاء عليه عبر النموذج الجزائري ، فكانت الخطة البديلة هي السماح بوصول الإخوان للسلطة طالما أن الشعوب العربية تميل بكل ثقلها نحو المشروع الاسلامي عموما ، لكنها كانت تضمر شيء آخر ، لم يعد ممكنا مجابهة هذا المشروع وهو يسري بين الناس فالقمع والحضر والسجون لم تجدي فتيلا فكانت الخطة تقضي بجعل سقوط المشروع و حملته مدويا ولن يتأتى ذلك إلا بتركهم يصعدون أولا ، ليس لأنها ترغب بصعودهم بل لأن محاربة جماعة وهي تتحرك بين أوساط الناس أمرا مستحيلا ولا سبيل للقضاء عليها إلا بإعطائها فرصة لتظهر للعلن وتصعد للسطح ثم الإجهاز عليها ،طبعا لن يكون هذا بالقمع ولكن بإسقاط مشروعها للحكم وتشويه أدائها وإفشال خططها وإعاقة سيرها ليكون السقوط شعبيا ، ولكي تتعافى من هذا السقوط فإنها ستحتاج لعقود إذ ستستمر الألة الإعلامية في تشويه التجربة والتخويف منها و اعتبارها حقبة سيئة وانتهت ويجب ألا تعود ، ومع هذا السقوط يسقط المشروع كاملا بل يسقط معه إيمان الناس بقدرتهم على بناء بلدانهم عبر قوى وطنية ديمقراطية بل سيتحسرون على أيام الديكتاتوريات وسيتقبلون ويستقبلون عودتها .

وهنا دعمت أمريكا قيام حلف غير مقدس بين المال الخليجي من جهة وفلول النظام و بعض أدعياء الليبرالية من جهة أخرى بغرض إسقاط هذا المشروع مستفيدة من ظروف كل بلد على حده كوجود أقليات دينية أو مذهبية أو غيرها .

وهذا الحلف الذي يتم رعايته وتمويله خليجيا كما قلنا لا يخدم الخطة الأمريكية فحسب بل يخدم الممالك الخليجية نفسها أيضا وهو أشبه ما يكو بما سمي قديما بالحلف المقدس الذي عقدته روسيا والنمسا و بروسيا والذي كان الباعث له هو الوقوف ضد الربيع الأوروبي بعد الثورة الفرنسية فقد تضامن الملوك الثلاثة لمنع وصول الثورات إلى أسوار قصورهم ونص اتفاقهم على ( تعاون الدول الموقعة عليه في مواجهة أي ثورات قد تقوم بإحدى دول الاتفاق)

لقد كانت صورة الباستيل وهو يسقط بيد الثوار تؤرق مضاجعهم ، فلعب الأمير النمساوي كلمنس مترنيش دورا ربما يقوم به الآن ضاحي خلفان ظاهريا فهو ينسج خيوط هذا الحلف الجديد بين المال الخليجي وبقايا فلول كل دولة على حدة ببعض أدعياء الليبرالية ، والهدف واحد كما كان سابقا حماية الممالك من تأثير الثورة ومن رياح الديمقراطية مضافا له حاليا حماية المصالح الأمريكية في المنطقة وأمن إسرائيل .

الفرق الوحيد هو أن التحالف غير المقدس يسعى إلى الإمساك بزمام المبادرة بإجهاض الثورة المصرية وغيرها من الثورات بما فيها الثورة اليمنية و السورية وإن بأدوات مختلفة هناك لكن المحصلة واحدة – لا مجال لقيام حكومات معبرة عن شعوبها .

طبعا نهاية الحلف القديم كانت هروب مترنيتش متخفيا ، وتنازل الإمبراطور فرديناند ملك النمسا عن عرشه . وحاليا الأمور بيد الله لكن استقراؤنا يقول ما يلخصه ثائر براغ دوتشك \" يمكنك أن تدوس الأزهار لكنك لن تؤخر الربيع\"

كما قلنا فالخطة إذا لا تقتضي إسقاط الإخوان كجماعة وكمشروع فحسب بل إسقاط تجربة الثورة والديمقراطية ، فضاحي الذي كان يهاجم الثورة المصرية ويستضيف حاليا كثير من رموز الحكم السابق ومنهم شفيق في مدينته أصبح يغرد ضد النظام الجديد ولم يعد يتكلم عن الاستقرار والأمن والسلام ونبذ العنف بل من تغريداته الأخيرة مهاجما مرسي \"طاغية يتمسك بالمظهر الديمقراطي فلا يستمع الا لصوت غروره وغطرسته ولا يحس كما نحس ولا يتألم كما نتألم\". ويقول \"سترون بعد هذه الفترة عناوين الصحف العربية: الاخوان ذهبوا مع الريح, والاخوان ضربهم الطوفان, وفلول الإخوان ليس لهم مكان\"

تخيلوا هذه تغريدات من يقرأها يظن أنها لناشط سياسي اسكندنافي وليس لرجل أمن في بلد عربي لا يعرف معنى ديمقراطية ولا انتخابات ولا برلمان ولا شيء من هذه المفردات ، ولكنه مضطر لتقمص هذا الدور المنافح عن الديمقراطية  لأن ذلك يأتي في سياق التحرك وفق الخطة الأمريكية البديلة لمكافحة قيام ديمقراطيات حقيقية وظهور قيادات معبرة عن شعوبها بما يؤثر على إستراتيجيتها في الشرق و التي تنفذ من خلال أدواتها الكثيرة و مستغلة حرص الشعوب على عدم إراقة الدماء مجددا وعدم تكرار تجربة الثورة الفرنسية وإنتاج روبسبير عربي يزيح الصدأ عن حديد المقاصل لفصل أجساد الفلول عن رؤوسهم المتآمرة .

ولكن مهما كبرت المؤامرات فإرادة الشعوب غلابة بإذن الله و توق شعوب الشرق لقيام نظام ديمقراطي تعددي عادل نزيه لم يعد خيارا بل فرض عين فرضته الشعوب على نفسها و ستسعى بكل قوتها لإنشائه بهذا الفصيل أو بذاك بهذه الوجوه أو بغيرها ..