الثقافة الإبليسية
بقلم/ ناجي الصادر
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 3 أيام
الثلاثاء 18 سبتمبر-أيلول 2012 05:43 م

يوم أن خلق الله سبحانه وتعالى الكون جعل لكل مخلوق مهمة ونظام يسير عليها (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) وكان من بين تلك المخلوقات الإنسان الذي خلقه الله لغاية عظيمة وهي الاستخلاف في الأرض قال تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) ولكن قد يقول قائل إن الغاية من خلق الإنسان هي العبادة لقوله تعالى(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، أقول له نعم فالغاية العظمى والأسمى هي العبادة ولكن العبادة هنا شملت الجن والإنس كما انه الذي (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ) اما الخلافة فهي عباده اختص الله بها بني ادم دون غيرهم قال صلى الله عليه وسلم "ان الدنيا حلوة خضرة وان الله مستخلفكم فيها فناظرٌ ماذا تفعلون" ، وقد بين الحق سبحانه في حوار راقي مع الملائكة ان هناك مشروعين خطيرين يهددان مشروع الخلافة وهما الفساد وسفك الدماء قال تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء)، فكان الجواب منه تعالى واتخاذ القرار في نهاية الحوار بينه سبحانه وبين الملائكة القرار الذي اتخذ على أساس العلم لا سواه قال تعالى (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) ولما كانت الغاية عظيمة والمقصد سامي كان لا بد لأدم عليه السلام من سلاح يتسلح به لتنفيذ هذه الغاية العظيمة فكان ذلك السلاح هو سلاح العلم قال تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا)، وقبل ذلك فقد كرم الله سبحانه وتعالى آدم ورفعه اليه بان نفخ فيه من روحه قال تعالى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)، وهنا بدأ المشروع الثالث الذي يقف في طريق الخلافة والاستخلاف وهي الثقافة الابليسية (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) ثقافة الطبقية والتمييز العنصري وهي الثقافة ذاتها او الدافع الذي كان وراء أول جريمة قتل على وجه الأرض بين ابني آدم هابيل وقابيل.

هنا نقف لنعرف الخلافة او الاستخلاف حسب مفهومي البسيط المتواضع وهو اقامة نظام يسير شؤون البشرية وفقاً لارادة الله سبحانه وتعالى، وهذا لا يتحقق الا بأمرين اولهما العلم (وَعَلَّمَ آدَمَ) وثانيهما القيم (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)، والقيم تأتي من الروح فكلما كانت الروح متصلة بأصلها تجلت القيم واتضحت فيما يعرف بالرقابة الذاتية، والعلم والقيم أمران افتقدتهما الأمة الإسلامية كأساس تبنى عليه نهضتها في العصر الحالي، ولذلك فقد يسأل سائل.. هل حققت الحضارة الغربية مفهوم الخلافة ؟

 والجواب من وجهة نظري انها لم تحقق هذا المفهوم لأنها حضارة مادية حولت الانسان إلى آله ولم يكن للروح فيها مكان ولذلك فالخلافة بمفهومها الحقيقي لن يحققها الا المسلمون، وذلك لن يكون الا عندما يحقق المسلمون شرطي الخلافة او الاستخلاف وهما العلم والقيم فالمسلم الذي يحمل الثقافة الابليسية (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) والمسلم الذي يعتمد فعل ابّني آدم في تعامله لن يحققوا هذه الغاية العظيمة، انما يحققها المسلمون الذين يأخذون العلم بشقيه التطبيقي كالطب والهندسة والكيمياء والفلك وماسواها من العلوم والعلم الشرعي الحاث على القيم والتعاضد ويحققون بين هذه العلوم مبدأ التكامل لا التضاد، من اجل ان تتجلى الحقائق الإيمانية وتطمئن القلوب بالايمان فتتصل الروح بخالقها وتأخذ مكانها وتسود البشرية قيم الخير والحب والتسامح لا ثقافة الطبقية والفساد وسفك الدماء.

هاني غيلان عبد القادرإيران والفيلم المسيئ
هاني غيلان عبد القادر
مشاهدة المزيد