دقت ساعة الهيكلة
بقلم/ مصطفى راجح
نشر منذ: 11 سنة و 7 أشهر و 15 يوماً
الجمعة 10 أغسطس-آب 2012 10:13 م

كانت قرارات الرئيس الرصين ذو النفس الطويل عبد ربه منصور هادي الاثنين الماضي ، أهم بكثير من اجتماع لجنة الحوار الذي تزامن انعقاده الأول في نفس اليوم ، بل وأهم من تشكيل لجنة الحوار نفسها .

فهذه القرارات التي مست الجانبين العسكري والمالي تمثل خطوة تأخرت كثيراً ، وهي تأخذ أهميتها من العنوان العريض المتعلق بضرورة إستعادة مؤسسات الدولة ، وانتظامها ضمن القرار السيادي الذي تمثله السلطة الشرعية القائمة في اليمن الآن والمتمثلة أساساً بسلطة الرئيس المفوض من قبل الارادة الشعبية وتساعده الحكومة وبقية مؤسسات الدولة ،.

ومن هنا كانت هيكلة الجيش المهمة الرئيسية حتى لا ينعقد مؤتمر الحوار الوطني في ظل بقاء نفس الهيمنة السابقة للتسوية ، والأهم من ذلك أن هذه الهيكلة المنصوص عليها في اتفاق التسوية والآلية المكملة له ، لا تأخذ أهميتها فقط من التسوية بل باعتبارها هدفاً لنضالات اليمنيين في كل مراحل تاريخهم الحديث من وثيقة النعمان والزبيري اواخر الخمسينات الى ثورة الحمدي على مراكز النفوذ في الجيش مروراً باتفاقية الوحدة ووثيقة العهد والاتفاق ، وصولاً الى الثورة الشعبية 2011 ، إذ بقي التطلع الى إعادة بناء الجيش والأمن على أسس وطنية حديثة وتجاوز الواقع الذي جعلها أداة بيد مراكز قوى شخصية وعائلية وذات طابع قبلي ومناطقي ، نقول بقي هذا التطلع هدفا أساسيا في كل المراحل ، وشرطاً لا مجال للقفز عليه وإهماله في برنامج بناء الدولة الوطنية الحديثة ، دولة لكل اليمنيين ، تحكمها معايير المواطنة والقانون ، لا معايير القرابة العائلية والعصبية القبلية والانتماءات المناطقية والمذهبية والولائية.

لقد مثلت قرارات الرئيس المصلحة العامة لكل اليمنيين ، ومن يتذمر منها أو يحاول عرقلتها يقدم نفسه بشكل مفضوح كصاحب مصلحة في بقاء الانقسام في مؤسسات الدولة وهي مصلحة تقف على النقيض من مصلحة الشعب اليمني الذي يترقب باهتمام وأمل كبيرين خطوات الرئيس وقراراته لاستعادة مؤسسات الدولة وانتظامها ضمن أدوات الدولة لتكون ضمن المعطيات الضامنة لإنجاح المرحلة الانتقالية واستكمال نقل السلطة ورعاية الحوار الوطني لانجاز الدستور الجديد وخارطة المستقبل بمشاركة كل المكونات الفاعلة في الساحة اليمنية .

لا كلام عن حوار ناجح طالما بقيت معطيات ما قبل التسوية كما هي ، لأنها تصبح مراكز قوى معيقة للسلطة الجديدة واليمن عموماً ، وقرارات الرئيس هي الخطوة الأهم للتمهيد لإنجاح الحوار الوطني وتحقيق احد اهداف الثورة المتعلق بإعادة بناء المؤسستين العسكرية والأمنية على أسس وطنية وبمعايير فنية حديثة .

وفي السياق ننتظر قرارات تستكمل ما بدأه الرئيس في المجالين العسكري الأمني والمجال المالي ، وثالثهما الذي يمثل صورة اليمن في الخارج أمام دول العالم ومؤسساته الدولية وهو المجال الدبلوماسي ، وسوف تكون خيبة الأمل كبيرة لو صحت التكهنات عن قوائم المرشحين التي تتضمن شخصيات متورطة في سفك دماء شباب اليمن في ساحات الثورة طوال العام الماضي.

الدبلوماسية اليمنية لا تحتاج عاملا جديدا لتشويه صورة اليمن والتشويش على مواقفها الإقليمية والدولية ، ففي هيكلها الآن ما يكفي لهذا التشويش ، وهو وضع يؤدي الى تشويه صورة اليمن ، ويثير الاستغراب في الداخل من السكوت على هذا الوضع الذي يستدعي اجراءات عاجلة من قبل القيادة السياسية التي من صلاحيتها وحدها تحديد الخطوط العامة للسياسة الخارجية ومواقف اليمن من القضايا والأحداث المختلفة .

 الموقف من نظام الأسد والمذابح المريعة التي غرق فيها ، بالنسبة لابو بكر القربي وجمال السلال " سفير سابق في طهران " ليست عمل روتيني تعود فيه الخارجية الى القيادة السياسية وتعكس موقفها ؛ بل تحدي أخلاقي وقيمي ، إذ يواجها" التحدي بالتحدي "ما زالا حتى الآن ، وإن على شاكلة معاداة شعب عربي يتعرض للإبادة ، ومساندة نظام لم يعد له سوى شرعية المذابح الجماعية .

الرجلان حسبا على نظام الرئيس السابق ، ولم يستوعبا حتى الآن أنهما موظفان عموميان يفترض بهما ان يعكسا مواقف القيادة السياسية لليمن وليس رغبات وتوجهات الرئيس السابق .

لا حاجة للدخول في التفاصيل فقد تكفلت بها صفحة وزارة الخارجية ، وكان آخر فصولها تعمد فرملة دفع بقية الاشتراك الذي لا يتجاوز آلاف الدولارات ، حتى لا يقع موقف اليمن في المحظور ، والمحظور هنا بنظر السلال والقربي ليس الا التصويت مع الإجماع الدولي الذي عبر عنه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول ما يتعرض له الشعب السوري ، والمطالبة بنقل السلطة ، وتقديم المتورطين في ارتكاب المذابح الجماعية والجرائم ضد الانسانية الى العدالة .

المدهش أن موظفا في بعثة اليمن هو الاخ وائل الهمداني استفزه الاحتيال والتلاعب الذي اطلع عليه وتحرك ضميره مقترحا ان يقدم الفارق من مستحقاته حتى لا تمنع اليمن من التصويت حول قرار هام كهذا بسبب روتيني ويمكن تلافيه ، ومع ذلك لم يتمكن اليمني بحق من ذلك لأن المساألة ليست المانع البسيط وانما ارادة القائمين على الدبلوماسية اليمنية اللذين يخلطون بين مواقفهم العدوانية إزاء ثورات الربيع العربي ووظيفتهم ، ولا يرون انفسهم الا في صف المتشبثين بالسلطة حتى ولو كان ذلك يعني مصلحة نفر أو عدة أنفار ضداً على بلد كامل وحياة شعب .

نفهم حالة السعار التي تنتاب ايران الملالي الجعفرية من انهيار نظام الأسد ، ولا نستوعب كل هذا الاحتيال والحذر والخوف من قبل السلال والقربي من انضمام اليمن الى اغلبية البشرية ودولها ومندوبيها المتبرأين من البربرية الأسدية في دمشق والرافضين لإستمرارية حرب الإبادة ضد الشعب العربي السوري .