الشعب هو الرقم الأصعب بين الأرقام فاحذروا تجاوزه
بقلم/ د.طارق عبدالله الحروي
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 17 يوماً
السبت 07 يوليو-تموز 2012 05:52 م

- من نافلة القول إن اليمن دولة وشعبا سوف تعيش في الفترة القادمة واحدة من أدق مراحل العمل الوطني قاطبة في ضوء مسارات خارطة الطريق الجديدة اللازمة لإرساء مداميك الدولة المدنية البحرية الحديثة المنشودة، سواء أكان ذلك بحلتها الحالية التي تمثلها المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة المحددة بـ(2.5 سنة) أو أكان ذلك بحلتها المرغوبة والأكثر ضرورة وإلحاحا التي سوف يمثلها البرنامج التنفيذي الوطني للثلاثين عاما القادمة(كما أشرت إلى أهم معالمها الرئيسة في مقالتي المنشورة بعنوان قراءة في البعد الاستراتيجي اليمن وإمكانية التحول إلى دولة بحرية عظيمة) و(ردا على الأربعين سؤالا مصيريا: نحن بحاجة ماسة إلى تبني مشروع برنامج وطني طموح جدا في مؤتمر الحوار) على سبيل المثال لا الحصر اللازم لقيامها كما أشرنا إليه في مقالات سابقة، والتي هي في أدق ترجمة لها تحديد وتدقيق لطبيعة وموقع الشعب ومصالحه الوطنية العليا من كافة الخيارات المتاحة.

- بمعنى أخر هل سوف نحسم أمورنا بالوقوف في جبهة الشعب ومصالحه العليا كي نبدأ في تسديد ما علينا من ديون هائلة أم لا (وليبلع الرافض والمزايد ماء البحر كما يقول المثل الدارج) ؟ أما لماذا ؟ نرد على ذلك بالقول لأنها تعد الفرصة الذهبية الوحيدة المتاحة أمامنا لتجسيد أعلى مستويات الانتماء والولاء لليمن دولة وشعبا وأرضا وتاريخا وطموحا وليس أقل من ذلك، والتي سوف توفر لليمن إمكانية الانتقال الأمن إلى مصاف الدولة المدنية البحرية الحديثة وولوج مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة كما أشرنا إليها في مقالات سابقة.

- وضمن هذا السياق كان لزاما علينا الخوض في جزئية الرقم الأصعب في تاريخ اليمن المعاصر (السهل الممتنع)، الذي يمثله العامل الشعبي، والذي إن كانت قد ظهرت أبرز معالمه الرئيسة في العديد من المحطات الرئيسة في تاريخ اليمن المعاصر، ليس في قلب الأوضاع رأسا على عقب لصالح هذا الطرف أو ذاك سلبا كان أم إيجابا فحسب، لا بل وأن يصبح محور الارتكاز الأساسي في ديناميات الصراع المزمن والمصيري الذي تخوض فصوله عناصر التيار التحديثي التحرري والتيار التقليدي المحافظ والمتطرف منذ مطلع عقد الستينيات، فإنه لم يبلغ حد الذروة كمارد عملاق مازال يحث الخطى للنهوض على قدميه من سبات عميق جدا ومن ثم السعي وراء محاولة استعادة عافيته وبدأ حركته الطبيعية ليستلم زمام أموره بنفسه بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالات ومعاني إلا في إرهاصات العام الماضي والحالي إذا ما صح لنا القول ذلك، وهنا يكمن بيت القصيد من تناول هذا الموضوع من خلال هذا العنوان تحديدا لكل صاحب بصر وبصيرة ورؤية ثاقبة، فإما أن نساعد شعبنا ليستكمل وقفته ويستعيد عافيته أو نقطع عليه الطريق ليعود إلى وضعه السابق محطما مجروحا بائسا يائسا!!!

- وتأسيسا على ما تقدم يجدر لنا القول بهذا الشأن أنه على الرغم من أن قيادة التيار التحديثي التحرري التي كان يقف على رأسها الرئيس الشهيد إبراهيم ألحمدي رحمة الله عليه كانت قريبة من عموم الشعب بكل أطيافه وتياراته وشرائحه بحكم طبيعة ومستوى ومن ثم حجم المهمة الشاقة التي وضعها الرئيس على كاهله أثناء توليه مهمة تشخيص الواقع المراد علاجه لقناعاته أن صحة التشخيص كان نصف العلاج، إلا أنها في نفس الوقت لم يتسنى لها أن تترجم مجمل هذا الأمر من مجرد عواطف جياشة ونوايا صادقة متبادلة أو لنقل تضعه في مكانه الطبيعي الصحيح الذي يجعله أكثر فاعلية وحيوية واقتدار في تقرير مصيره من خلال قرارات سياسية واقتصادية وتنموية ضخمة تجسد حقيقة أن الشعب هو الوسيلة والغاية والهدف ليس هذا فحسب، لا بل وحقيقة أن المتغير الشعبي كان ومازال هو الرقم الأصعب بين الأرقام الحاكمة للمعادلة الداخلية.

- أما عن السبب الرئيسي الكامن وراء ذلك فليس اعتبارات كامنة في شخص الرئيس وطاقم إدارته وإنما ضيق الوقت ومحدودية فترة حكمه، سيما أن الجزء الأكبر والمهم من هذه الفترة قضاها الرئيس في تشخيص الواقع بنفسه واضعا الجزء الأكبر والمهم من عبأ هذا الأمر على كاهله ، كي يتسنى له- استنادا- لما رأته عينيه ولامسته يديه وعايشه بنفسه من رسم أهم المعالم الرئيسة لخارطة الطريق الجديدة المنشودة اللازمة لانتقال اليمن الأمن إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة المنشودة.

- وعندما حان الوقت أمامها لترجمة نواياها وتوجهاتها إلى قرارات تنموية وسياسية لها شأنها في تمكين الشعب من إدارة شئونه وتقرير، مصيره بعد أعدت إدارة الرئيس ألحمدي نفسها نسبيا لخوض غمار هذا الأمر من أوسع أبوابه سواء في اتجاه تمكين الشعب بقواه الوطنية التي كان من المفروض أن تنضوي تحت مظلة الكيان السياسي- الحزبي الجديد (المؤتمر الشعبي العام) من خوض المواجهة بنفسه ضد القوى التقليدية المحلية والإقليمية والخارجية أو في اتجاه استلامه لزمام نفسه في قيادة وإدارة مهام التنمية في البلاد في المرحلة القادمة، كانت زمام الأمور قد خرجت من أياديها بالفعل في ضوء دوران عجلة السيناريو ألأممي- الإقليمي- المحلي لتصفية النظام الوطني رموزا وفكر ومشروعا التي حالت دون ذلك بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معاني ودلالات كما أشرنا إليها في مقالات سابقة.

- أما الفترة الواقعة بين عامي (1978-1989م) فقد جاءت امتداد لحالة الاختلال الحادة الحاصلة في كفة المعادلة الداخلية الحاكمة للبلاد لصالح التيار التقليدي وشركائه بالمقارنة بالتيار التحديثي التحرري وحلفائه بنسبة (3 :1) جراء نجاحه في إسقاط النظام الوطني وإخراج الحركة الناصرية من المعادلة الداخلية ومن ثم تقويض وتجميد وصولا إلى إصابة مشروع حركة التغيير الوطني بتشوهات خلقية التي صاغت بعض أهم معالمه الرئيسة إدارة الرئيس ألحمدي وتولت ترجمته على أرض الواقع بقدر المستطاع وإبقائه حيا بيننا قدر الإمكان إدارة الرئيس الصالح ممثلة التيار التحديثي التحرري بالرغم من كل الصعوبات والعراقيل الجمة للبيئتين الداخلية والخارجية.

- والتي كانت- في المجمل النهائي- تعد مؤشرا مهما وواضحا عن خروج الشعب قبل أن يصبح رقما مهما له شأنه بصورة شبه تامة من أتون قواعد اللعبة السياسية الحاكمة للبلاد ليس هذا فحسب، لا بل- أيضا- ومؤشر له شأنه في دخول كلا التيارين مضمار للسباق الماراثوني ذي الطابع المصيري في اتجاه تثبيت مواطئ أقدامهما وبناء قدراتهما الذاتية، استعدادا منهما لخوض المعركة الفاصلة والحاسمة؛ سواء في اتجاه محاولة التيار التقليدي ترجمة المعادلة الداخلية وفقا النسبة المشار إليها أعلاه على أرض الواقع وهو ما فشل فيها لدرجة كبيرة، بسبب ما أبداه التيار التحديثي من قدرة في استعادة توازنه والوقوف على قدميه في ضوء الدور المحوري الذي لعبه العراق بهذا الشأن، باعتباره القوة الإقليمية الوحيدة الحاضنة للتيار التحديثي التحرري في المنطقة العربية أو في اتجاه سعي التيار التقليدي وراء بناء قدراته على كافة المستويات (السياسية، الحزبية، الاجتماعية، الشعبية، الاقتصادية، العسكرية، الأمنية،...) التي كانت تميل في أرض الواقع لصالح التيار التحديثي التحرري بحكم انضواء معظم رجال نظام الرئيس ألحمدي والتيارات الوطنية والقومية، ومن ثم القدرات التي امتلكتها تحت مظلته.

- إلا أن نجاح التيار التحديثي التحرري في توقيع اتفاقية عدن عام 1989م، مثل القشة التي قسمت ظهر البعير كما يقول المثل الدارج، كي تنتقل على إثرها العلاقة بين التيارين فجاءه إلى مرحلة الصدام والصراع الدامي النسبي بدون أية مقدمات مهمة تذكر، أما عن السبب الجوهري- برأينا- الكامن وراء ذلك أنها كانت بمثابة خارطة الطريق الجديدة التي رسمتها أنامل وعقول وسواعد عناصر التيار التحديثي في شطري اليمن على مدار عشرة سنوات ونيف، والكفيلة باستعادة الشعب اليمني مكانته المرموقة في المعادلة الداخلية الحاكمة للبلاد (ولو بصورة نسبية) من خلال استعادة التيار التحديثي التحرري توازنه المفقود ولو بصورة نسبية- أيضا.

- منذ أن تمكن التيار التقليدي من فرض هيمنته على مقاليد الأمور في البلاد في غفلة من الزمن عام 1978م، سيما أن هذا الأمر كانت أهم معالمه الرئيسة بارزة في رجحان كفة التيار التحديثي بنسبة (نصف + ربع النصف مقابل ثلاثة أرباع النصف)، مما يعني تغليب لأولويات المصلحة الوطنية العليا واجتثاث للمصالح الإقليمية والمحلية غير المشروعة من جذورها، وهو الأمر الذي بدأ في ترجيح وجود إمكانية نحو ترجمة حضور الشعب كرقم صعب في المعادلة الداخلية من خلال تبني قرارات سياسية وتنموية ذات طابع إستراتيجي لها شأنها في تسلم الشعب لزمام شئونه بنفسه بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معاني ودلالات بهذا الشأن ولو كان ذلك بصورة نسبية.

- ومن هذا المنطلق انتقل التيار التقليدي الذي أصبح ممثلا بـ(حزب التجمع اليمني للإصلاح) خطوتين واسعتين إلى الأمام، في ضوء ما استطاع إحداثه من خروق خطيرة في مسار التيار التحديثي التحرري التي حددتها خارطة الطريق الجديدة، ابتدأ من تقليص خياراته إلى أدنى حد ممكن من خلال دفعه إلى تبني خيار تجاوز اتفاقية عدن (القاضي بتدرجية العملية الوحدوية) وتوحيد البلاد بصورة اندماجية، ومرورا بما لعبه من أدوار خطيرة جدا في شق صفوف التيار التحديثي عموديا وأفقيا التي بلغت حد الذروة في أعقاب الانتخابات النيابية للعام 1993م التي تم فيها إزاحة الحزب الاشتراكي إلى المرتبة الثالثة وتبوء حزب الإصلاح للمرتبة الثانية، وصولا إلى إيقاف وتجميد أية خطوة حقيقية في اتجاه بلورة القضايا المصيرية المستحقة كقضية الحدود، واحترام حقوق الجوار وسيادة اليمن على أراضيها، وحقوق الرعايا اليمنيين في بلدان الخليج....الخ.

- وانتهاء بتقويض أخر وأهم محاولة تبناها التيار التحديثي لترميم الجدار المتشقق بين شريكي المنجز الوحدوي؛ ممثلة بوثيقة العهد والاتفاق التي كادت أن تعييد كافة الأمور إلى نصابها فيما لو كتب لها البقاء؛ من خلال إزاحة الحزب الاشتراكي بصورة نهائية من المعادلة الداخلية في أعقاب انتهاء حرب صيف 1994م، بصورة أفضت إلى استعادة التيار التقليدي لتوازنه شبه الكامل على أرض الواقع من خلال هيمنته على الجزء الأكبر والمهم من مقاليد السلطة على إثر رجحان كفته بنسبة (ثلاثة أرباع مقابل ربع).

- على الرغم من حدوث اقتراب بين التيار التحديثي ومعظم جماهير الأمة إثر بدأ إرهاصات إعداد وتوقيع وثيقة العهد والاتفاق، ثم خوض غمار إرهاصات حرب الدفاع عن الوحدة، إلا أن التيار التقليدي كان له بالمرصاد من خلال ما حققه من نجاحات في إيقاف وتجميد مسار مشروع حركة التغيير الوطني ليس هذا فحسب، لا بل وإضعافه وتشويهه إلى حد كبير من خلال خروق خطيرة طالت اليمن دولة وشعبا أفضت إلى تهيج الشعب وابتعاده عنها، بعد ان نجحت في تأسيس جداران عازلة بين قيادات التيار التحديثي وأنصاره وصولا إلى جماهير الأمة، كي يصبح بين ليلة وضحاها (التيار التقليدي) الأذن التي تسمع بها والعين التي ترى بها...الخ، ضمن إطار إستراتيجية متكاملة الأبعاد معدة لمثل هذا الغرض يقف ورائها أطراف محلية وإقليمية ودولية غطت المرحلة بين عامي (1994- 2006م)، كانت تهدف بحد ذاتها إلى استكمال بناء قدراتها الذاتية وحشد قواها ورص صفوفها وبناء التحالفات.

- في مقابل تقويض قدرات التيار التحديثي وشق صفوفه وفك تحالفاته وإضعاف أواصر علاقاته بقواعده وأنصاره ومن ثم جماهير الأمة، تمهيدا لخوض الجولة الأخيرة بينهما لاستلام مقاليد السلطة ولكن هذه المرة بدون قطرة دم وعلى طبق من ذهب من خلال كسب ثقة معظم قطاعات الشعب عبر الصندوق الانتخابي، وقبل هذا وذاك فإن الهدف الأهم غير المعلن كان (ومازال وسوف يظل) كسب ثقة الشعب، باعتباره الرقم الأصعب القادر على ترجيح كفة الميزان المتأرجحة بينهما سلبا أو إيجابا، على خلفية أن طرفا الصراع قد امتلكا قدرات ذاتية متقاربة نسبيا (عسكرية، مليشيات غير نظامية، سياسية، حزبية، اقتصادية، مالية، اجتماعية،...)، تحول دون إقدامهما على تبني خيار المواجهة المسلحة المباشرة، لمناهضة المعطيات الظرفية للبيئتين الداخلية والخارجية له.

- سيما في ضوء القفزة النوعية التي حققها التيار التحديثي في تأسيس وحدات عسكرية نوعية بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة غير المباشرة مع عناصر التيار الوطني المعتدل في السعودية، والتي حاولت إيقاف وتائره نموه المتصاعدة ومن ثم إدخاله في خضم حرب ضروس خاسرة في شمال الشمال تمسك بزمامها إلى حد كبير قيادات التيار التقليدي، وصولا إلى ما أنجزه في غفلة من الزمن من خطوات مهمة في بناء بعض أهم مداميك الدولة المدنية الحديثة ولو بصورة نسبية، لذلك لم يكن باقي أمام التيار التقليدي كخطوة استباقية خوفا من الحسابات غير المنظورة إلا المراهنة في حسم إرهاصات هذه الجولة من الصراع على العامل الشعبي القادر من خلاله على تسلم زمام الأمور في البلاد.

- وهذا ما اتضحت بعض أهم معالمه الرئيسة في إرهاصات الانتخابات الرئاسية والمحلية للعام 2006م، سيما عندما قرر الرئيس السابق عدم الترشيح، وما لهذا القرار من تداعيات وأثار على مخططاتهم برمتها، التي سوف تنقلب رأسا على عقب، على خلفية أن المادة الدعائية التي ارتكز عليها المخطط من الأساس كان يتمحور حول شخص الرئيس نفسه الذي تم النيل منه على كافة المستويات من خلال تحميله كافة التبعات ومن ثم المسئولية عن مجمل الأزمات الطاحنة التي أدخلوا البلد فيها،سيما في حال تنامي إلى مداركنا إن البديل عنه كان نجله العميد الركن أحمد الصالح المعروف بانتمائه إلى جيل جديد من المجددين الذين يؤمنون حق الإيمان بسيادة النظام والقانون والقيم والثقافة المدنية وتغليب لغة العلم والمعرفة في تشييد صرح الدولة المنشودة..الخ، وهو الأمر الذي يفسر أمامنا السر الكامن وراء الدور الذي لعبته قيادات التيار التقليدي من أجل رجوعه عن هذا القرار الذي كان كفيل بإنهاء مرحلة برمتها!!

- وعند هذا المنعطف برز العامل الشعبي (التي نقصد بها هنا الفئة الصامتة والمحايدة التي تمثل الجزء الأكبر والمهم من الشعب) فجاءه وبدون مقدمات تذكر مترفعة فوق كل آلامها وأوجاعها وأحزانها ومخاوفها كي تحسم نتائج الانتخابات بفوز ساحق لمرشح الأمة وتيارها التحديثي الرئيس الصالح بنسبة 77.17%، في رسالة منها واضحة المعالم لشخص الرئيس الصالح، لها مدلولاتها ومعانيها بهذا الشأن؛ مفادها أنها بالرغم من كل ذلك تقدر كل التقدير ما قدمه لليمن دولة وشعبا وأنها يعرف حقيقة ما يكنه لها في قلبه من حب وتفاني وطموح وأنه كان بوسعه تقديم الكثير لولا هيمنة التيار التقليدي على مقاليد السلطة في البلاد، فما كان منها إلا خرجت (جماهير الأمة) عن صمتها حاملة رمز التيار التحديثي الرئيس الصالح على أكتافها وأعناقها إلى كرسي السلطة، كي تتيح له الفرصة الذهبية التي انتظرها بتفويض كامل منها ليكمل ما بدأه كي ترتاح نفسه وتقر عينيه قبل أن يغادرها من موقع المسئولية الأولى الذي أحاطت به منذ أكثر من عقدين من الزمن.

- والتي تنحت جانبا منذ انتهاء حرب صيف 1994م تاركة القوى السياسية الناشطة بتكتلاتها المعروفة التي تدعي تمثيلها للشعب ومصالحه العليا تخوض غمار هذه التجربة الممسوخة لوحدها التي لم تكن تعنيها بحكم انحرافها عن مسارها الحقيقي الذي يجسد المصلحة الوطنية العليا والثوابت الوطنية، سيما أن هذا الأمر تؤكده الدلائل التاريخية من واقع سجلات العملية الانتخابية بشقها النيابي بدوراتها الثلاثة 1993م و1997م و2003م أن مجموع نسبة المرشحين من المستقلين بالمقارنة بمرشحي الأحزاب هي 74% : 26% على سبيل المثال لا الحصر،.

- في تطور أذهل كافة المراقبين لا بل وصعق التيار التقليدي وقلب كافة حساباتهم غير المشروعة رأسا على عقب، في ضوء ما تؤشره شدة الهجمة الشرسة المضادة التي شنها التيار التقليدي بدون هوادة على كافة المستويات لمنع الرئيس وتياره التحديثي الوطني المعتدل من تحقيق أية خطوة لها شأنها في ترجمة تعهداته إزاء أبناء شعبه وإفشاله أمامهم، والتي بلغت حد الذروة في إرهاصات الحرب السادسة في شمال الشمال عام 2009م بكل أبعادها وتجلياتها التي كادت تؤخذ اليمن وتيارها التحديثي الوطني المعتدل على حين غرة جراء الضربات المتتالية الموجعة التي أثخنت الجسد من كل حدب وصوب.

- إلا أن الطاولة انقلبت فجاءه على رأس عناصر التيار التقليدي وشركائه جراء فشلها الذريع في حسم هذه الجولة لصالحها على الرغم من توفر المعطيات الظرفية في البيئتين الداخلية والخارجية، بصورة رفعت من طبيعة ومستوى ومن ثم حجم رصيد التيار الوطني المعتدل في كلا من اليمن والسعودية الذي استطاع أن يحسم نتائج المعركة لصالحه ليس هذا فحسب، لا بل والسعي بقوة وراء محاولة الانتقال بانسيابية ومرونة عالية إلى المرحلة الثانية لترجمة هذا الانتصار على أرض الواقع ضمن إطار إستراتيجية وطنية بأبعادها الإقليمية والدولية بدأت إرهاصاتها منذ نهاية عقد التسعينيات ترمى لنقل اليمن بشكل أمن إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون، وهذا ما اتضحت معالمه الرئيسة في العام 2010م.

- إلا أن إرهاصات مطلع العام 2011م التي كان محور ارتكازها الأساسي- هذا إن لم نقل الوحيد- هو الشعب الرقم الأصعب بين كافة الأرقام وليس دون ذلك، إن كانت قد مثلت بمقدماتها ونتائجها كارثة وضعت اليمن والتيار التحديثي منها- بوجه خاص- فكرا ومشروعا وأفرادا في مهب الريح الصفراء بين ليلة وضحاها وقلبت موازين القوة بدون مقدمات تذكر لصالح التيار التقليدي الذي كان يعيش أدق وأخر أيام حياته نجح في توظيفها إلى أقصى حد ممكن فاستعاد توازنه المفقود بحركة واحدة وكشف عن كل أوراقه وكشر عن أنيابه ورمي بكل ثقله في أتون أخر معركة سوف تحدد مصيره فكاد في غضون شهرين أن يمسك بزمام الأمور كلها بكلتا يديه بعدما حققه من نجاحات مهمة نسبية بهذا الشأن مثلت في مجملها ضربات قاتلة كادت تحسم الصراع برمته لصالحه.

- لولا تلك اللحظة التاريخية والاستثنائية جدا في تاريخ اليمن المعاصر التي دخل فيها الجزء الأكبر والمهم من أبناء الشعب اليمني فجاءه بتاريخ 25/3/2011م أتون المعركة المحتدمة رحاها في تراجيديا قل نظيرها في تاريخ المنطقة العربية بحسب المصادر من خلال الزحف المليوني في ميدان السبعين وميادين المحافظات واستمر لأشهر عديدة وكلما دعت الحاجة، كي تنقلب بموجبها كافة موازين المعركة بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية رأسا على عقب وبكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالات ومعاني لها شأنها.

- وفي الختام فأن فحوى الرسالة التي أردت أن أبعثها إلى المعنيين بأمر هذه الأمة داخل السلطة وخارجها قد أصبح واضحا وضوح قرص الشمس في كبد السماء، سيما ونحن نقف في مفترق طرق هو الأكثر خطورة إذا ما صح لنا القول ذلك، لندع ولو لمرة واحدة في حياتنا الحسابات الرقمية التي لا تنم عن قدرة بفهم حقيقة طبيعة ومستوى ومن ثم حجم مسار الأحداث الرئيسة في البيئتين الداخلية والخارجية جراء طبيعة وحجم المصالح الخاصة التي تحكمنا، كي يتسنى لنا الانتقال بمرونة وانسيابية عالية إلى الحسابات التي بحجم اليمن دولة وشعبا واستحقاقاتها علينا، كي تستطيع أن تستكمل شروط نهوضها وتقف على قدميها منتصبة وتستعيد توازنها وعافيتها بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة، كي تتمكن من استعادة قدرتها على الحركة الطبيعية التي قدرها الله تعالي جل في علاه وتتولي زمام إدارة أمرها وشئونها بنفسها بدون أوصياء، عندها سوف نكون قد أوفينا لها أرضا وشعبا وتاريخا وطموحا!!!!

والله ولي التوفيق