تعز «السعيد».. ورأس المال الوطني
بقلم/ رياض الأحمدي
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 16 يوماً
الثلاثاء 08 مايو 2012 05:00 م

عندما تُذكر تعز، تتبادر إلى الذهن مجموعة من العناوين والأسماء.. قلب اليمن، وثروة اليمن الأغلى المتمثلة بالإنسان.. الثقافة والعلم، الثورة، الحياة المدنية، بيت هائل سعيد، الفن والإبداع، وغيرها من العناوين والمفردات التي ربطت تعز بالذهن اليمني اليومي.

أما عندما تقلب الصور الذهنية لتعز باحثاً عن شيء تستطيع الإمساك به والتعامل معه، فأول ما يقف أمامك هو "بيت هائل سعيد"، ذلك البيت التجاري الوطني العملاق الذي يتكرر اسمه كثيراً كلما ذكر الناس الرأسمال الوطني والعمل الخيري والنزاهة والنجاح، أكثر من أي مجموعة تجارية أخرى، بل وبما لا يقارن..

*ذات يوم، كنت أعد رجال تعز في الوضع الذي أوصل نظام علي عبدالله صالح اليمن إليه، وكيف تم تحييد تعز وإقصاء رجالها من مواقع القرار المدني والعسكري، وبعثرتهم في شتى الحياة، إلى الدرجة التي لم تعد هناك أسماء سياسية أو ثقافية واجتماعية بالثقل الذي انتجته تعز سابقاً، كبيت النعمان، وعبدالفتاح اسماعيل، سلطان الصريمي.. حتى أن آخر اسم سياسي وعسكري، تذكر إلى جوار اسمه مدينة تعز، هو عبدالله عبدالعالم..

تسربت دقائق بأسماء تعز، ولم أستذكر بيت هائل سعيد أنعم، إذ لست متخصصاً بالجانب الاقتصادي بقدر ما أبحث ضمن سياق سياسي، ولأن "السعيد" نوع من الأسماء الذي يربطك باليمن أولاً، بالإضافة إلى أنهم كأفراد أسرة قائدة وناجحة، رغم تأثيرهم الذي لا يُحد ولا يُنافس، يحاولون التعايش بسلامة بين عملهم الناجح وأساسهم النظيف، وبين نظام الفساد العائلي المتخلف الذي فرض نفسه على غفلة من الزمن، وأكثر ما يرجى من التعايش معه هو الخروج بأقل الخسائر..

والأكيد أن مجموعة هائل سعيد أنعم وشركاه واجهت حروباً شرسة طوال العقود الماضية، من قبل نظام علي عبدالله صالح أو شخوص مقربين منه، لدوافع سياسية ومناطقية ونفسية، ليس أقلها وضع سقف لتعز واليمنيين بشكل عام، ودعم منافسين غير شرفاء، ولا آخرها عدم الانسجام النفسي لنظام فاسد مع مجموعة ناجحة.. ولا يخفى على الكثيرين كيف أن المؤسسة الاقتصادية اليمنية التابعة لوزارة الدفاع، والتي كانت تستخدم عصا الدولة ويتقاسم أرباحها صالح وقليلون معه.. كانت هذه المؤسسة تقود عراقيل جمة لضرب بيت هائل سعيد، خصوصاً في عهد محمد الكحلاني الذي استمر حتى العام 2010 تقريباً..

* كثيراً ما سمع الناس عن "السعيد" وشهدوا أعمالها الخيرية والوطنية والتعليمية، لكن الأمر كان أكثر أهمية عندما وصلت إلى مناطق في محافظة صعدة وما جاورها.. لقد وجدت السعيد كأحد أبرز معالم الجمهورية التي وصلت المناطق التي كان المشروع الإمامي يعتبرها حصنه المنيع، مهما حكمت الجمهورية، ثقافياً ومذهبياً على الأقل.. تلك المناطق التي وصفها الكاتب فتحي أبوالنصر بـ"الهضبة الزيدية"، إذ يرتبط اسم المرحوم هائل سعيد أنعم هناك بالجانب الجمهوري والعمل الخيري الوطني.. حتى أن أول التفاف حركي مسلح حول بدر الدين الحوثي بطابع علني ومتحدي، في العام1991 تقريبا.. وقد حدث باحتلال مسجد "سني" من الأعمال الخيرية لمؤسسة السعيد في رازح، حيث اجتمع مشائخ وزعماء الهادوية يومها واحتلوا المسجد ووقعوا وثيقة تؤيد الإعدام لكل مواطن من قبائلهم اعتنق "الوهابية" -حد وصفهم-، وخرج على مذهب الآباء والأجداد، أي خرج عن النظام الزيدي الذي يفرضونه هم، وتلك قصة طويلة تدخلت فيها الدولة والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رحمه الله.. والشاهد هنا "السعيد" وأعمالها الخيرية في المناطق الحساسة، بالرغم أن "السعيد" حسب ما أكد لي الأهالي، لا تشترط مذهباً ولا تدعم فكراً بعينه، بقدر ما تدعم بناء مسجد يرفع فيه اسم الله.

 

تلك صورة من زاوية محلية.. أما خارج الوطن وخصوصاً في دول أفريقيا فالأمر أهم وأوسع، يجعلك تنظر إلى بيت هائل سعيد أنعم من زوايا عميقة تجتمع فيها الإنسانية والخيرية والإسلامية والعربية والوطنية.. حتى أنني شعرت أن قشعريرة لفت جلد الدكتور محمد القعاري وهو يقص لنا ما رآه ذات يوم في تنزانيا ودول أفريقية من مناطق لا معالم فيها للعرب والمسلمين غير معالم "السعيد" من مدارس وجوامع وغيرها.. ونحن كيمنيين نلامس بمشاعرنا السماء عندما نرى شيئاً جميلاً نذكر إلى جانبه في الخارج.. ولو كان ذلك وأنت على متن طائرة تطوف أجواء العالم رافعة علم البلد العظيم التليد الذي حيل بينه وبين حضارته، ولم يبق من مجده إلا حنين في الضلوع ونقشٌ على حجر..

*سل من تشاء عن من بالإمكان أن يكون من أحرص الناس على تعز، وسل من تشاء عن أعرف الناس في تعز وأكثرهم قدرة على التأثير، وسل عن أحسن الناس تاريخاً وسمعةً ونقاءً ونجاحاً... لن يخرج بيت السعيد عن ذلك.. ولا أظن أن أحداً من المزايدين يمكن أن يدعي ما ينقضه.. فهم ليسوا رأس المال التجاري الأكبر بالضرورة بقدر ما إنهم رأس المال الأخلاقي والوطني العظيم الذي قد لا يكون هناك من ينافسهم به..

وحينما أصدر رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي القرار الجمهوري التاريخي بتعيين الأستاذ شوقي أحمد هائل محافظاً لمحافظة تعز، وجدت تعز انشغلت كلها مع المرحلة الجديدة أمام إداري يدير المجموعة الأولى المؤثرة في تعز.. ولعل وما يميز هذا القرار الجمهوري، عن غيره هو أنه يُعلم الناس كيف أن بإمكان القائد أن يتخذ قراراً يغير من وضع المعادلة جذرياً ولن يكون بإمكان البلاد إلا النجاح.. بالإضافة إلى أن هذا القرار وضع عن كاهل قيادة اليمن الجديد أحد أهم الملفات التي شهدت الثورة وما رافقها من أزمة كثاني أهم عنوان إلى جانب العاصمة مركز النظام السياسي..

ليس هناك من طريق لتعز إلا أن تنجح بالمحافظ "الشاب" شوقي هائل؛ والشاب هذه ترسخت عندما سمعتها من رئيس وزراء دولة الثورة محمد سالم باسندوة ونحن في مهرجان جوائز مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة.. لقد جعلني الرجل القدير جداً باسندوة أعيد التحديق في شوقي وملامحه، إلى جانب ما أفكر به منذ أسابيع حول القرار الرئاسي السليم الذي أغلق تعز على قوى الظلام، ووجه تعز الأبش بشوقي، وما يمكن إن يحدث في المستقبل... أعدت التحديق في ملامح وعوامل شوقي وعهده ووجدت تعز الإنسان والثورة والجمال والشباب، وزاد من ثقتي أن كنت أنظر في وجوه عبد الجبار هائل سعيد وعلي محمد سعيد وهما يستمعان إلى كلمة رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة.. بإمكانك أن تقرأ أسراراً من خلال طريق الاستماع والابتسامة يفهمها من يعلم اليمن وتاريخه ومجتمعه جيداً..

وجه باسندوة تقرأ عليه سِفر اليمن الخالد، ومكنسته التي أتى بها من صنعاء إلى تعز لينظف شوارعها، لها ما لها من المعاني والدلالات في التاريخ، حتى كأنها عصا موسى تلقف ما يضعه المخربون، الذين في قلوبهم مرضٌ يجعلهم غير قادرين على الالتحام بالركب اليمني السائر إلى الأمام بثقة وأمان.. ذلك اليمن الذي أفرزته ثورة التغيير الشعبية العظيمة، وبيت هائل سعيد أنعم يدركون ما لا يدركه الكثيرون عن هذا اليمن، وهم من أكثر من يعرف ما الذي فعلته هذه الثورة لتحيي أحلاماً عظيمة في قلوب اليمنيين وتفتح أبواباً أغلقها العائليون.. وكان الجواب المختصر على السائل الذي اتصل بي بعد يوم من وصولي إلى تعز، سائلاً: كيف تعز؟.. قلت مباشرة: إنها تعز السعيد؛ وعليك أن تتصور التفاصيل.