برمجة عقولنا للتعايش مع الاختلاف
بقلم/ ا. أحمد علي الكوماني
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 17 يوماً
الإثنين 05 مارس - آذار 2012 12:07 م

الناظر إلى حالة اليمن اليوم وهو يشاهد الاختلاف المتسع بين الجماعات الإسلامية , وبين الأحزاب, والتكتلات السياسية الغير متحزبة واختلاف الأفراد في ما بينهم, يجعله مشفقا عليها من هذه الخلافات المتسعة التي لم نكلف أنفسنا محاولة فهمها والتعايش معها حتى لا تقود البلاد إلى الفتنة والهاوية.

ولو رسمنا خارطة عقولنا الذهنية وتعلمنا من هيكلة أجسامنا العجيبة وقدرتها على التعايش في ما بينها رغم اختلافها الفسيولوجي المورفلوجي في تحقيق هدفها وهو إبقاء النفس في ذالك الجسم لتستمر فيه الحياة, لاستطعنا ان نتعايش مع الاختلافات التي بيننا.

الأستاذ الدكتور عبدالله الغذامي أستاذ النقد الأدبي في جامعة الملك سعود يتحدث في كتابه الجميل \"الموقف من الحداثة \" طبيعة الحياة هي الاختلاف, وهذه قاعدة تحكم كل موجود سواء كان ماديا أو عقليا, بدءا من تضاريس الأرض إلى حروف الأبجدية.

والاختلاف تنوع وتباين ولكنه أيضا إمكانية تعايش ودون هذا الإمكانية يستحل عليه الوجود, فلولا قبول (النون) بالتعايش مع الصوتين (عين ) و(ميم ) لما أمكننا إنشاء كلمة نعم:

- فالاختلاف إذا ضرورة وجود

- والتعايش ضرورة بقاء.

1- إذا كانت الجبال والرمال قادرة على التعايش مع أنها تتمايز بالاختلاف, فما بال العقول أو بعضها تقصر عما بلغت الجبال لماذا لا تتعايش مع اختلافها.

2- سأقول إذا لو صارت عقولنا مثل جبالنا لأمكننا عندئذ ان نرسم خارطة لثقافاتنا. (1)

ما أجمل الاختلاف عندما يكون شرط وجود, والأجمل منه هو تقبل هذا الوجود والتعايش معه بكل مقوماته وكياناته مهما بلغ مد وجزر ذالك الاختلاف.

فالاختلاف رحمة وشرط ثابت حتى قيام الساعة, فلا يوجد شخصين على وجه الأرض يتشابهان في بصمة العين أو الإبهام ولكن قد يتشابهان في لون العينين وعدد الأصابع, مثل أفكارنا وتوجهاتنا تماما قد نتشابه وقد نختلف, فسبحان من اوجد هذا الاختلاف.

هذه هي تركيبة الإنسان الجسمية العجيبة وكذالك الطبيعة من حوله , قد يوجد فيها صفات متشابهه وقد يوجد فيها صفات غير متشابهه وتختلف اختلاف جذري عن غيرها, فعندما استطاعت تركيبة الإنسان العجيبة التعايش مع بعضها رغم الاختلاف الفسيولوجي والبيولوجي استمرت فيه الحياة, واستطاع التعايش مع الطبيعة من حوله مثلها تماما, عندما استطاعت ان تتعايش مع بعضهما البعض رغم الاختلاف التركيبي للتضاريس وبالتالي تكونت من حولهم طبيعة خلابة تسحر العقول وتريحها من المشادة والمنازعة.

وكذالك العقول والفكر ومستوى التفكير, فهي تختلف في مستوى تفكيرها واستيعابها وفهمها ودرجة عطائها وبرمجتها الذاتية, فقد يتفق اثنان أو جماعة في فكرة وقد يختلفان في فكرة أخرى وعند الاتفاق لا يوجد أي إشكاليات والمشكلة تكمن عند وجود الاختلاف.

والسؤال هُنا؟ هل نستطيع نحن بنو البشر ان نتعايش مع هذا الاختلاف كما استطاع الجسم والطبيعة من حوله التعايش رغم الاختلاف فيما بينهما؟

المراقب إلى حالة اليمن اليوم المزرية يدرك كم نحن بحاجة إلى برمجة عقولنا لتستطيع التعايش مع الاختلافات المتجذرة في الساحة اليمنية بين المذاهب والأطياف السياسية والأحزاب المختلفة من جانب وبين الإفراد والقبيلة والمناطقية من جانب أخر.

فعند النظر إلى الإسلام نجد فيه ما اتفقت عليه المذاهب والطوائف والجماعات الإسلامية مثل اتفاقهم على العقيدة في توحيد العبادة لله وحده لا شريك له ومحمد رسول الله وإقامة الصلاة وإتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا, وتعايشوا مع هذا الاتفاق وتماشوا معه, وفي الوقت نفسه اختلفوا في الفرعيات ولكنهم لم يستطيعوا ان يتعايشوا مع تلك الاختلافات التي زادت جيل بعد جيل حتى وصلت إلى درجة المعاداة المذهبية التي سببت حروب في بعض المناطق, ولا يخفى على احد الصراع الحاد بين السنة والشيعة.

مشكلتنا اليوم في البلاد العربية عامة واليمنية خاصة هي عدم قدرتنا الفعلية للتعايش مع هذه الاختلافات فكل حزب له فكر ومنهج يختلف عن الحزب الأخر وكذالك الجماعات الإسلامية (الإخوان المسلمين, السنة, الحوثيين- الشيعة, القاعدة ). الجميع تعايشوا على ما يتفقون عليه في توحيد العقيدة وحب الوطن, إلا أنهم لم يستطيعوا ان يتعايشوا مع الاختلافات المحتدمة بينهم في سياستهم الداخلية في قيادة الوطن وبالتالي نشأت بينهم العداوة والبغضاء وصب كل منهما غضبه على الأخر, ناهيك عن السب والتكفير والتشويه الإعلامي الممارس منهما ضد بعضهما البعض. وبالتالي هم يفرغوا طاقاتهم في المنازعات والانتقام الأمر الذي جعل اليمن في حالة يرثى له من الخراب والدمار والتدهور الصحي و التعليمي والاقتصادي والثقافي .... الخ.

فكم أتمنى وجود شركة أدوية عالمية تنتج حبوب تسميها \"حبوب التعايش\" لعل السياسيين وعلماء الجماعات الإسلامية يتناولوها ويتداوون بها لعلها تزيل الأحقاد والضغائن التي عمت قلوبهم, ويتفاهموا مع بعضهم البعض في إصلاح البلاد.

* أحمد علي الكوماني

جامعة الملك سعود – الرياض- السعودية