ماذا يجب تحقيقه بعد الثورة
بقلم/ رائد محمد سيف
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 25 يوماً
الأحد 26 فبراير-شباط 2012 07:52 م

أنجز من الثورة رحيل الرئيس ،وأخذنا الحرية. وبقي علينا الكثير، وذلك أن نحسن استثمار الحرية، وأن نبني دولة قوية، لها دستور يعبر عن شعبها، وهيبة تفرض الأمن على أراضيها، ولها نظام سياسي يضمن التدافع السلمي العادل بين مختلف فئات المجتمع، ولها رسالة في الارتقاء بالإنسان في معارج الإنسانية، ولن يكون ذلك في هذه المرحلة البرزخية التي نعيش فيها حتى يعرف كل منا سُلَّم الأولويات في هذه الثورة، فيقدم العام على الشخصي، والدائم على الفاني، ويعمل مع الآخرين مترفعًا عن النِّسب من القبيلة والمكان، إلى تسامي الوطنية .

إن فشل الثوار في تحقيق ذلك هو تصديق لمقولة الطغاة أن الدكتاتورية أصلح لنا، وأننا غير قادرين على سياسة شؤوننا، وحكم أنفسنا، (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد). بل على تصديق مقولة أخرى أننا لا نستغني عن المستبدين، وأن تركهم لنا يساوي الفوضى وغياب الدولة.

إن فشلنا في تحقيق ذلك هو خيانة للشهداء الذين شاركونا في هذه الثورة ولم يكن يخطر على بالهم حين ارتفعوا إلى بارئهم إلا الأحلام الوردية في الحرية والسعادة ورغد العيش والنظام والنظافة والأمن والسلام.

إن أولئك الشهداء قد أرخصوا حياتهم الدنيا وآثرونا بها، ففشلُنا يعني أننا لا نستحق هذه التضحية الكبيرة، أن يعرِّض المرء نفسه للموت في سبيل قيم يؤمن بها، وفداءً لقوم يعيش بينهم.

قد جاوزت الثورة المرحلة السهلة التي هي استجابةٌ لغرائز الغضب والانتقام وقتال المعتدي، وهي غرائز يشارك فيها الإنسان غيره، وبقيت المرحلة الصعبة، مرحلة بناء المجتمع، فينتفع الجميع ومعهم أجيال المستقبل، ومرحلة الخصائص الإنسانية في التفكير والتخطيط والبناء، وفي العمل بالأخلاق الإنسانية التي منها الحلم والرفق والإيثار والحوار.

أن يكون لنا شجاعة القتال لا يلازم بالضرورة أن يكون لنا شجاعة البناء، وشجاعة ضبط النفس عند الاختلاف، وقوة الزهد في الوجاهة، وصلابة التعفف عن المال العام، وجلادة مقارعة أهواء النفس، ونزغات الغضب.

ماذا أنجز من الثورة؟

أنجز الكثير، ولله الحمد، وليس رحيل الرئيس بالقليل، وانهزام جبروته، وخُرور صروحه، وهوان كبريائه، وعودة البلاد إلى أهلها، ليس ذلك بالقليل، ولكننا الآن في منزلة بين المنزلتين، أزلنا ولما ننشئ، ومحونا ولما نثبت، فهل سنحافظ على ما رجع إلينا فلا يُختطَف ولا يختلس منا؟ والطامعون فيه ممن سكروا بشهوات الاستعلاء والأثرة ونهب المال العام، ومن القوى العالمية التي تملأ كل فراغ، وتنتهب كل متروك، وتتحين كل فرصة - كثيرون، ولا يعوزهم الاحتيال، ولا يفترون عن المسابقة، ولا يتأخرون عن الوثوب، عند بدُوّ الثغرة، وغفلة الحرس، ونومة الرعاة.

وأما المهزومون ممن ناصروا الراحل فهم لا ينتظرون ساعات الشماتة، بل لا همَّ لهم، ولا عمل لهم، إلا أن يصلوا بنا بالكيد والمكر، والنقب والحفر، والنفخ والنفث، إلى ساعة تتعالى فيها ضحكاتهم الشامتة، يشاركهم فيها حاسدون تمنوا هزيمتنا، فلما انتصرنا نفَسوا علينا أن تؤول هذه البلاد إلينا، بثرواتها واتساعها وتجانس أهلها!

فلا تصدِّقوا -أيها الثوار- ظن كل أولئك، ولا تحققوا أملهم، ولا تخيبوا رجاء دمعات سالت في جمعة الكرامة وفي محرقة ساحة الحرية بتعز وفي قرى نهم وأرحب وغيرها الكثير، تذكرًا لماضي الآلام، وتطلعًا لغد الأحلام!

sraeed@gmail.com