الإنتخابات الرئاسية أسخف مما ينبغي
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 12 يوماً
السبت 11 فبراير-شباط 2012 04:32 م

بعيداً عن الهوجة الإعلامية التابعة لتنظيم الإصلاح وجميع كوادره من الكتاب في الصحافة وعلى المواقع الاجتماعية وفي القنوات الفضائية سواء كانت حزبية أو حكومية وايضا بعيدا عن مقالات الفرقة الأولى التي تفرغ بعض الكتبة في الفترة الأخيرة للتنظير السلبي والسطحي للقضية الجنوبية، أقول بعيدا عن كل ذلك نحتاج إلى لحظة تأمل وتصالح مع عقولنا بعد أن حاول الإعلام الجديد فيما بعد الثورة الاستهانة بإمكانيات الشعب اليمني ومقدرته على وزن الأمور وإعادة صياغتها بشكل منطقي ومعقول.

فالإصلاح يصدر الفتاوى الدينية ومن فوق المنابر بأن هذه الانتخابات واجبة شرعا وأن من يتخلف عنها ما هو إلا بلطجي من بلاطجة علي صالح وهذا ما ورد على لسان عبدالله صعتر في أحد خطبه في يوم الجمعة، ثم توالت التفسيرات والتبريرات بان هذه الانتخابات هي إنهاء دستوري ضروري لحكم علي صالح وبداية عهد سياسي جديد، وأن كان هذا الكلام حقيقي، فهو ولا شك ليس كل الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع.

والمشهد الذي يجب أن يعرفه الجميع وتٌستشعر سخافته هو أنه لا يمكن إطلاقا تزكية شخص واحد كمرشح وحيد لرئاسة دولة ثم تسمى هذه التزكية بانتخابات رئاسية وأن يساق الشعب كله كالقطيع إلى الذهاب لانتخابه وتصرف الملايين في حملة إعلامية لمرشح واحد وأنه لا بد أن تنتخبه هو فقط لأنه لا يوجد أحدا سواه، والأسخف من هذا الأمر هو أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية_ باستثناء دول الخليج التي لا تفهم حتى الآن ما هي الجدوى الفعلية من أية انتخابات تحدث في العالم_ تدعم هذا التصرف الذي هو نسخة طبق الأصل عن أية تمثيلية ديكتاتورية يمكن أن يمارسها أي حاكم مستبد يريد أن يعيد انتخاب نفسه من جديد.

 ولأن إعلام الإصلاح صورة سيئة جدا عن إعلام المؤتمر الشعبي العام فأنا أجزم ومنذ اللحظة بأنه سيتم تصوير هذه الانتخابات بأنها الأكثر مشاركة والأكثر ديمقراطية على الإطلاق.

ألمسألة الأهم والأكثر دقة ليست في هذه الانتخابات الطريفة بطرافة القائمين عليها والمنظرين لها، المسألة هي عدم اقتناع أطياف كثيرة ومؤثرة في الساحة اليمنية بها، فشيء لن تتأثر نتيجته بأي موقف سواء كان هذا الموقف مؤيدا أو رافضا لها هو شيء لا يستحق الاهتمام أو المتابعة.

ولكن ما تأثير الحركات السياسية التي تنوي مقاطعة هذه الانتخابات على قضاياها الملحة ولماذا يصر الإصلاح على التزييف الغير أخلاقي والمهين منذ الآن وما هي مصلحته في فرض انتخابات هزيلة كالتي ستحدث في الأيام المقبلة.

-الجنوبيون يدركون تماما بأن المشاركة في هذه الانتخابات _ وبغض النظر عن طريقة أداءها_ هي اعتراف بسلطة صنعاء عليهم، لذا فمقاطعتها تعني معاملة سلطة صنعاء بالمثل، فان كانت صنعاء لا تريد أن تعترف وحتى اللحظة بالقضية الجنوبية فمن باب أولى أن لا يعترف الجنوبيون بأية عملية سياسية قادمة من هناك، وأن عمليات الاستفزاز التي يقوم بها تنظيم الإصلاح من ترحيل مشاركين في مسيرات من مناطق أخرى إلى المدن الجنوبية والاعتداءات المتكررة على الجنوبيين هي حتما تعطي صورة واضحة عن كيفية تعامل الإصلاحيين مع الجنوبيين وأن تصرفاتهم هذه وأعني تنظيم الإصلاح تأتي ضمن سياق الفتاوى التي أخرجت الجنوبيين عن الدين لتستبيح كل شيء فيهم دون أن يرف لهم رمش، وكل التهم جاهزة ومعلبة ليتم إلصاقها بالداعين إلى مقاطعة انتخاباتهم. وفي نظري أن القضية الجنوبية على المحك وأنها الآن في وضع اختبار حقيقي حيث أن هذه الانتخابات ستظهر إلى أي مدى قد تململ الجنوبيون من هذه الوحدة.

-الحوثيين أيضا غير مقتنعين بهذه الانتخابات ويرون أنها تمثيلية بائسة وبها هدر مالي كبير ودون أية فائدة مما يعني بأنه هنالك مناطق كبيرة في صعدة ستكون خارج هذه الانتخابات، إلا أن مشكلة الحوثيين هي عدم إفصاحهم وحتى اللحظة عن أهدافهم السياسية، وخاصة أن مهاجمة الآخرين والقوى الإستبكارية لا تعتبر مشروعا يمكن البناء عليه.

لا أحد يستطيع أن ينكر الحضور القوي والمؤثر للقضية الجنوبية وللحركة الحوثية، كما يعلم الجميع بان ما تبقى من اللقاء المشترك لا يمثل ولو جز يسير من الوطن وان الدفع الهستيري نحو انتخابات محسومة سلفا يدل بأن وراء الأكمة ما وراءها.

كل الدلائل تشير إلى سوء نوايا تنظيم الإصلاح، وأنه ينوي فعلا أن يضع يده على الوطن وعلى هذه الثورة وأن يعيد إنتاج ذات النظام القبلي والعسكري السابق ولكن هذه المرة بعمامة دينية تصبغ عليه الشرعية السماوية لتصبح تفاهات الأمور مقدمة على إستراتيجيات الوطن وحريته وكرامته ونموه.