الجنوبُ العربي .. هويَّةٌ ؟ أم إدمانٌ على التبعيَّة ؟
بقلم/ نبيل العطفي
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 11 يوماً
الخميس 05 يناير-كانون الثاني 2012 04:41 م

ترى إلى أي جنسية ينتمي أصحاب الجنوبِ العربي ؟ ومن أي أصلٍ ينحدرون ؟ أمِن قحطانٍ هم ؟ أم مِن عدنان ؟ أعِراقيونَ هم ؟ أم شاميون ؟ أم قُرَشيون ؟ أم أنهم ليسو عرباً ؟ فلم يذكر التاريخ ، لا قبل الميلاد ولا بعده ، هوية أو جنسية تسمى الجنوب العربي.

ثُم ، هل الوصول إلى الاستقلال والحصول على دولة مستقلة ، يتطلّب منّا أن نتخلّى عن هَويتِنا اليَمنية التي شرّفنا اللهُ بِها ؟ ألم نكن دولة يعترفُ العالمُ أجمع باستِقلاليتِها وسيادتِها ، مع احتِفاظنا بهويتنا اليمنية ؟؟؟

أنا لا أجدُ تفسيراً لهذا الشطط ، إلاّ أنّه يعبِّرُ عن العجز والإفلاس السياسي ، الذي تُعاني منه بعضَ القيادات الجنوبية التي تصدَّرت لقِيادة الحراك الجنوبي ، خلال الأربعة الأعوام الماضية ، وهي نفس القيادات التي تصدَّرت أو شاركت في قيادة اليمن الجنوبي منذ عام 67م ، ومع ذلك ، لم تتعلم حتى ( أ ، ب ) من أبجديات السياسة وفنونها .

حيث عمدت منذ أن استلمت مقاليد الدولة في اليمن الجنوبي بعد خروج الإنجليز ، على البحث عن وصي جديد يحل محل الإنجليز ، لتسلِّمَه زمام قيادة الشعب اليمني الجنوبي ، فمن هذه القيادات من أراد أن يسلم رقابنا الى التنين الصيني ، ومنهم من أراد تسليمنا إلى الدب الروسي .

وبعد صراعات وتصفيات ومجازر ، انتصر أتباع الدب الروسي ، وسلَّمونا إلى الروس ، دون قيد أو شرط ، بل دون سبب يضطرُّهم لفعل ذلك ، سوى العجز والإفلاس السياسي الذي يعانونه ، وحب التصدر للأمور دون أن يكونوا أهلاً لتلك الصدارة ، وإقصاء من هم أحقُّ بهذه المكانة العظيمة .

حيث عشنا أكثر من عشرين عاماً ، نستشير الروس في كل شاردة وواردة ، من أمور الدنيا والدين ، فتنكرنا لديننا ، ولإخواننا العرب والمسلمين ، وقتل بعضُنا بعضاً تحت شعارات ومسميات ، ما أنزل الله بها من سلطان ، فهذا رجعي وهذا إمبريالي وهذا كهنوت وهذا مرتزق وهذا زمرة وهذا طغمة ، وغيرها الكثير ، وأُمِمَت مُمتَلكات أناسٍ ، ووزعت لغير أهلها ، وحورب التجار والمفكرون والسياسيون وكل من يحمل فكراً غير الفكر الإشتراكي .

وعندما سقط الدب الروسي ، برصاصات البروسترويكا الغربية ، التي أطلقها عليه جورباتشوف ، طالَعتنَا هذه القيادات ، بتوجه لطالما دغدغت به عواطفنا ، ومنّت بتحقيقه نفوسنا ، وجعلتنا نحلمُ به ليلاً ونهارا ً ، وهو تحقيق الهدف الأسما من أهداف ثورة 14 أكتوبر 63م ، بإعادة توحيد شطري اليمن ، فاستبشرنا خيراً بهذا التوجه ، وظننا أن قيادتنا تخلَّصت من عقدة التبعية والعجز السياسي ، وبدأت تتغير لتكون قيادة صاحبة قرار .

وبعد توقيع الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية ، والشعب الجنوبي لم يهنئ بعدُ بفرحة إعادة الوحدة بين شطري اليمن ، ولم يلتقط أنفاسه من جرَّاء حروب الرفاق الطاحنة خلال الحقب الماضية ، إذ به يفاجأ بأزمة ما قبل حرب صيف 94م ، وإذ بقيادتنا الحكيمة قد سلمت مقاليد الأمور لعلي صالح ، واتخذت منهُ وصياً جديداً على شعب الجنوب ، كما هي عادتُها ، وعادت إلينا تندب حظها ، وتتهم شريكَ الوحدةِ بخيانة العهد ، وعندما سألهم الناس في الداخل والخارج ، وكيف سلَّمتم زمام الأمور لهذا الثُعلُبان الطاغية بهذه السهولة ؟ قالوا ( نحن على نياتنا ) .

ومع علمهم بعدم التكافؤ في المواجهة العسكرية ، إلاّ أنهم وبتبعية جديدة ووصي جديد ، ذهبوا إليه بعد توقيع وثيقة العهد والاتفاق ، حيث نصحهم بترك هذه الوثيقة ووعدهم بالدعم والمساندة إن هم أصرّوا على موقفهم ( وهو ذاته من أوحى إليهم اليوم بتقسيم الجنوب إلى سلطنات من خلال فكرة الجنوب العربي ) ، فحققوا باتِّباعِهم لتلك النصيحة الخبيثة ، ما كان يخطط له طاغية اليمن ، وهو تفجير الحرب ، والسيطرة على البلاد شمالاً وجنوباً .

هذا التصرف الصبياني ، من قبل هذه القيادات ، في تسليم مصير أبناء الجنوب ، كل فترة لجهة جديدة ووصي جديد ، جعل الشعب يتخلى عن هذه القيادات ، ويرفض المشاركة في حرب 94م ، ويتمسك بالوحدة ، لعلمه بأنها الخطوة الوحيدة المضيئة في تاريخ هذه القيادة ، المملوئ بالمآسي والجراحات . 

لكن الطاغية علي صالح لم يستوعب كرمَ وسخاءَ ووحدويةَ أبناء الجنوب ، حين امتنعوا عن المشاركة في الحرب وتمسَّكوا بالوحدة ، بل ظن الطاغية المغرور ، أن أبناء الجنوب لم يقاتلوا ، خوفاً وجبناً ، وأنه انتصر بقوة الساعد والسلاح ، فاعتبر الجنوبَ أرضاً وإنساناً ، غنيمة حرب ، كما هو الحال في تعامله مع الشمال ، منذ أن وصل إلى كرسي الحكم .

وعندما استمر هذا الطاغية في ممارسة الإقصاء والتهميش والإنفصالية الواضحة ، ضد أبناء الجنوب من عسكريين ومدنيين ، ووصل الشعب الجنوبي إلى مرحلة لا تطاق ، عندها قرر الجنوبيون الأحرار الخروج إلى الشارع في نضال حضاري سلمي ، لانتزاع حقوقهم ممن اغتصبها ، وليطالبوا بالوحدة الحقيقية التي ضحوا من أجلها بالغالي والنفيس ، والتي ألغاها الطاغية وحوَّلها إلى ملكية شخصية له ولعائلته .

وإذ بتلك القيادات التي كانت سبباً رئيساً ، في وصول الشعب الجنوبي إلى ما وصل إليه من الشقاء والبؤس ، تعود لتتصدر الموقف من جديد ، ولتحرف بخيبتها المعتادة ، دفَّةَ الحراك الجنوبي عن رسالته السلمية الناجحة ، وتحوّلها إلى دعوات انفصالية ، مملوأة بالحقد والكراهية لأبناء المحافضات الشمالية ، ولتشحنَ نفوس الشباب بعداوة الوحدة ، وبالعنصرية المناطقية المقيتة ، وكأنها تريد أن تمسح النقطة الوحيدة المضيئة في تاريخها . 

وما زالت هذه القيادات تعيش بنفس ثقافة التبعية ، والبحث عن كفيل يقوم عنها بالواجب الذي لم تستطع بإفلاسها السياسي أن تقوم به ، وإلاّ ماذا نقول ، حين يصرح الرجل الأول في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً ، بأنه ينتمي إلى الجنوب العربي ، أي أنه شارك في حكم بلد لأكثر من 30 عاما وبلغ من الكبر عتيّاً ، دون أن يعرف هوية البلد الذي عاش فيه وحَكَمَه ، وكأن الشعب الجنوبي أصبح حقل تجارب ، يمارسون عليه جهلهم وخيبتهم .

فتارة يوهمون الناس كذباً بأن ملف الدولة الجنوبية جاهز في الأمم المتحدة ، وتارة يقولون بكل سذاجة ، أن علي صالح سيسلَّمَهم الجنوب نكايةً بخصومه ، وكأن الجنوب حقيبة في يد ذلك الطاغية ، وتارة يتواصلون مع الحوثيين ويرسلون وفداً إلى إيران لتكون الوصيّ الجديد علينا ، وتارة يأمرون الناس برفع عَلَم القذافي الأخضر ،وتارة علم القاعدة الأسود ، وتارة العلم الإمريكي ، وتارة العلم السعودي .

لذلك فقد نفض الشعب اليمني الجنوبي يده اليوم ، من هذه القيادات العاجزة ، وقرر أن يشارك مع إخوانه في المحافظات الشمالية ، اللحاق بالشعوب العربية وربيعها الجديد ، الذي كانت بدايته من جنوب اليمن في 2007م ، لولا تدخل هذه القيادات المفلسة . هذا الربيع وهذه الثورة العظيمة ، التي أصبح أبناء الجنوب يشعرون أنها ستعيد لهم كرامتهم ، ليكونوا شركاء حقيقيون في اليمن الجديد والدولة المدنية ، على قاعدة المواطنة المتساوية ، والشراكة في الثروة والسلطة ، ولكي يعود للوحدة ألقها ، لتقود نحو وحدة عربية إسلامية عظيمة ، بدأت ملامحها تظهر في الأفق ، بالنماذج العربية التي سبقتنا في إنجاز ثورتها ، وبدأت تتذوق طعم الحرية والإنتخابات الشفافة والنزيهة.