عندما يصاب السفير الأمريكي بالدكاك
بقلم/ د. محمد أمين الكمالي
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 30 يوماً
الأحد 25 ديسمبر-كانون الأول 2011 04:12 م

مساكين هم أعضاء البعثات الدبلوماسية وعملاء الوكالات الاستخباراتية في اليمن فمتابعة الأوضاع فيها غاية في الصعوبة حيث يصعب حصر أو توصيف التطورات المتلاحقة للازمات السياسية وكذلك يصعب عليهم توقع ما يحدث في اليمن فهو لا يخضع للمنطق السليم في تطوره وكذلك فان البنية السياسية لليمن وقواعد ومصطلحات الممارسة السياسية فيها يعجز حتى بعض أبناء اليمن المتابعين لأوضاعه عن فهمها بسهولة.

لذلك يصعب علي أي مراقب غربي أو عربي أن يفهم الوضع باليمن ويبدوا أنهم يجب أن يخضعوا لكورس تدريبي للأعراف القبلية لفهم المشاكل السياسية في اليمن وينصح أيضا بتناول القات معه لتفهم الاضطراب والتغير السريع للمواقف عند السياسيين اليمنيين تبعا لتغيرات المزاج مع القات ففي الصباح يكون متلهفا للوصول للظهيرة والحصول علي القات ليكون بعد الظهر أكثر تقبلا لأي مبادرة أو طرح وعند الظهيرة إلي العصر يكون مسهب في الكلام مع شرح مفصل لموقفه مع نشوة القات, ومع اقتراب المغرب ودخوله في الساعة السليمانية يصير أكثر قدرة علي الإنصات وتقبل أراء الآخرين, منتقلا بعد ذلك إلي حالة من الضيق والتململ مع المساء تتحول إلي نزق بعد القات وتشكك وريبه مع إفراز الأدرينالين ليترجم الخوف برفضه لأي طرح يقض مضجعه فلا يستطيع النوم وهو يحلل الأبعاد المأسوية له وبعد منام صعب يصحوا مرهقا وقد بداء بالتخلص من أثار اليوم السابق ليعلن انه لم يرفض ذلك الطرح من الأساس وقد تتجلي احدي تأثيرات القات بإعلان مفاجئ لبدء معركة تحت تأثير حماسة زائدة ليتراجع بعدها بسرعة مرجحا التعقل والارتكان للعرف القبلي لحل المسألة .

ولذلك أكاد اجزم أن احدي وسائل معاقبة الدبلوماسيين الغربيين أو أعضاء الوكالات الاستخبارية هي العمل في اليمن لان من يأتي إليها لا يستطيع فهمها ومن يفهمها يحتاج إلي دورة تأهيل نفسي بعد كل ما سيمر به.

واحدى الاوضاع السياسية الخاصة باليمن هي "الدكاك السياسي" ,, فالدكاك او الرازم وهو حالة يعرفها جيدا محترفي تناول القات بشكل يومي عند انقطاعه فجأة أو ما يسمى علميا "بمتلازمة الانسحاب" وهذه الحالة لها صور كثيرة ومظاهر شتى كان يرى الشخص نفسه وهو في حالة أشبه باليقظة في المنام وهناك خطر داهم يحيق به ولا يستطيع الفرار أو انه يستمر في السقوط دون أن يستطيع التوقف أو الاستيقاظ حيث تتوهم انك في حالة صحو ومن أشكالها أيضا انك تستيقظ لتطلب النجدة وبعد أن تتحرك وتقترب من الخلاص تجد نفسك لازلت في مكانك وكلما تحركت أو ذهبت بعيدا تكتشف في لحظات الإفاقة المتتالية والمتداخلة من حالات النوم والصحو الوهمية انك ملازما لمكانك أشبه ما يكون بأفلام الرعب الهوليودية .

واليمن واليمنيين كلما ابتهجوا بأنهم أفاقوا وان زمن الصحو قد أتى وانطلقت أقدامهم تبحث عن الملجاء والمخرج وجدوا أنفسهم أنهم لم يبرحوا مكانهم في حالة السبات المركب والمضاعف الذي يستلزم أكثر من إفاقة وأكثر من صحو من كوابيسنا التي نعيشها داخل أحلامنا .

وفي ظل المرحلة الحرجة التي نعيشها ودستور المبادرة الخليجية المفصل علي مقاس النائب الذي يحظى بإجماع سياسي – وليس ثوري – من كل القوى المحسوبة موالية أو معارضة لا يخرق هذا الإجماع سوى بعض أعضاء حزبه من الأسرة الحاكمة,,فانه وفي حال لا سامح الله أتى زائر السماء ليسترد الأمانة كونه من البشر وليس هناك من يضمن الأعمار إلا الله وذلك الضمان خارج ضمانات وصلاحيات الدول الغربية أو الجوار الخليجي فان الفراغ الذي سيخلفه في بلد لا دستور له وليس فيه مجلس منتخب يستطيع أن يدعي تمثيل الشعب ولإيجاد شخص يرضى عنه الفرقاء السياسيون – ليس الثوار – ويحظى بثقتهم وله اتصالاته وكلمة مسموعة عند الجميع ويستطيع أن يفرض رؤيته عليهم وقد تكون وطائة الضغوط عليه اقل من النائب وعنده القدرة على التحرك كيف يشاء بأمان دون الخوف عليه سيكون هذا الشخص المؤهل ليكمل مسيرة المرحلة الانتقالية كما تصورها الآلية والمبادرة .

هذا الشخص الذي اكاد اجزم انه يتناول القات من طريقة تعامله مع السياسة في اليمن ومدى قراءته للإطراف السياسية ومع خبرته الهوليودية في التعامل مع الدكاك هو السفير الأمريكي جيرالد فايرستاين فبعيدا عن الدعوات التي يطلقها الثوار لطرده او اعتذاره عن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها عن مسيرة الحياة اللاسلمية بنظره نظرا لان أجساد الشهداء المشاركين فيها مسلحة برصاصات القتلة التي بداخلها ,,ورغبة الثوار في مجرد اعتذار علي اعتبار أن دية الكرام الاعتذار.

فان هذا الشخص يجب أن ينتقل من ممارسة الحكم في شبه الظل ومن وراء الستار المكشوف والشفاف إلي العلن مباشرة ويصبح البديل عن النائب في كل ما نصت عليه الآلية التنفيذية وليشكل مجلس لحكمه من سفراء دول الخليج يكون السعودي رئيس لهذا المجلس هذا إذا لم يعتبروا طريقة حكمهم لبلادنا مجرد عمل قذر يتركوه للحثالة من أتباعهم ويكتفون بالإشراف عليه فقط ,,عندها سنستطيع أن نطالبهم بتحمل مسئولياتهم كاملة وربما تمادينا قليلا وثرنا عليهم فنكون قد ثرنا علي من يحكمنا ويتحكم فينا حقيقة و قد نصل إلي حل أو نخرج إلي طريق بعيدا عن الدوائر المغلقة التي يريدون أن نظل عالقين فيها .