حكام المسلمين على ثلاثة أقسام
بقلم/ د.عائض القرني
نشر منذ: 13 سنة و 5 أيام
الأربعاء 16 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 05:23 م

 حكام المسلمين الآن على ثلاثة أقسام من حيث شرعية حكمهم؛ فالقسم الأول: من أعلن أن دولته إسلامية وأنه يحكم بالشريعة وبايعه أهل الحل والعقد على ذلك، فهذا تلزم طاعته في طاعة الله ويحرم الخروج عليه ما لم يظهر كفرا بواحا عليه برهان ساطع، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، ولو حصلت منه ذنوب ومظالم، لكنه يحكم في الجملة بالإسلام ويحترم شعائر الدين، والمصالح من وجوده أكثر من المفاسد. والقسم الثاني: من أتى عن طريق الديمقراطية والانتخاب وصناديق الاقتراع، بلا غش ولا تزوير، فبينه وبين شعبه عقد اجتماعي وسياسي اتفقت عليه كل الأطراف من الحاكم والشعب فعليهم التقيّد بهذا الاتفاق، لأنه كعقد الشراكة في شركة أو مؤسسة وله مدة معينة ينتهي هذا العقد بانتهائها، فإذا تقيد هذا الرئيس بهذا العقد الاجتماعي السياسي وجب الوفاء له حتى تنتهي مدته، وإذا خالف وجب الإنكار عليه بالطرق المشروعة التي تؤدي إلى إزالته.

والقسم الثالث من الرؤساء، وهم الذين أخذوا السلطة بالقوة بانقلاب أو استيلاء مسلح وقت استقلال الدولة، فهذا ليس بينه وبين شعبه عقد اجتماعي ولا سياسي، وإنما ينظر العلماء والعقلاء للمصالح والمفاسد من بقائه أو إزالته، فإن ألغى الشريعة في الدولة الإسلامية وحارب الإسلام وانتهك الحقوق وصادر كرامة الناس وحريتهم وجب جهاده بما يُستطاع عليه، لأنه كالصائل المغتصب وهو ظالم جبار ليس له طاعة، لأنه بدأ عمله بمعصية وظلم وقهر وألحق الضرر بشعبه زيادة على محاربته للإسلام، الذي هو دين الشعب.

والواجب على علماء الإسلام الآن أن يجتمعوا فيحددوا المعاني الشرعية ذات العلاقة بين الحاكم والمحكوم، كالبيعة والخروج والبغي ونحو ذلك، وتحرير هذه المصطلحات وتطبيقها على الدول الإسلامية لأني سمعت وشاهدت فقهاء في بعض الدول العربية يرون أن لرئيس الجمهورية بيعة شرعية في أعناق الشعب، وهو أصلا لم يأت ببيعة، وإنما اغتصب السلطة على ظهر دبابة، ولم يحكم بالشريعة ولم يفعّل حتى العقد الاجتماعي السياسي الذي يفعله حكام الغرب مع شعوبهم بما يسمى الديمقراطية، فلم يأخذ بالإسلام على طريقة عمر بن الخطاب في البيعة، ولم يأخذ بالديمقراطية على طريقة رؤساء أوروبا عن طريق صناديق الاقتراع النزيهة، بل أخذها على طريقة تشاوشيسكو ولينين وستالين وفرانكو وغيرهم من الديكتاتوريين والطغاة في العالم، فلما رأى أن شعبه ثاروا عليه، استنجد بالفقهاء وصاح وهو في طوفان الثورة: (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين)، وادّعى أنه حاكم شرعي للشعب، وصدقه هؤلاء الفقهاء ونادوا باحترام بيعته وعدم الخروج عليه، وإنما البيعة لحاكم في دولة إسلامية تحكم بالشريعة وترفع راية الإسلام وتعلن أن دستور الدولة هو الكتاب والسنة ويبايع الحاكم عند توليه أهل الحل والعقد من العلماء والعقلاء والأعيان، وينوبون في البيعة عن بقية الشعب، فهذا حاكم مسلم تجب طاعته ما لم يخل بشرط البيعة وهو عدم مصادمة الدين أو ظهور كفر منه أو ناقض من نواقض الإسلام، والمنتظر من هيئة كبار العلماء في السعودية والأزهر الشريف بمصر واتحاد علماء المسلمين وغيرها من المؤسسات الشرعية أن تبين هذه المعاني والمصطلحات للشعوب ولا تسكت وقت الحاجة للبيان، فيتولى الفتيا مفكرون وكتّاب وساسة، لأن الجو خلا لهم بعد أن ترك العلماء الساحة لكل ناعق، وإذا عجز الحكام العرب عن الحكم بالشريعة، وأخذ البيعة الشرعية ورفع راية الإسلام والعمل بالكتاب والسنة، فأهون الضررين أن يفعلوا الديمقراطية في شعوبهم ويكون الحكم بينهم صناديق الاقتراع الصادقة، وليست صناديق كاذبة خاطئة مزورة، فإن نهاية هذه العملية المغشوشة وضع الحاكم في قفص حديدي أو فراره بجلده من بلاده أو ذبحه كما تُذبح الشاة، فليختر كل حاكم المصير الذي يتمناه بنفسه بالمصالحة مع شعبه؛ إما ببيعة شرعية ملزمة أو بعقد سياسي اجتماعي مع شعبه ينص على فترة محددة بعد انتخاب وتصويت نزيه، وإذا لم يُعمل بأحد هذين الأسلوبين فإن العواقب سوف تكون وخيمة بل كارثية، وما حصل في تونس ومصر وليبيا ويحصل الآن في سوريا واليمن إلا نتيجة لهذا الغبش في التصور وعدم الاتفاق بين الحاكم والمحكوم على أحد الأسلوبين المعمول بهما في العالم؛ إما حكم شرعي ببيعة شرعية وإما ديمقراطية بالتوافق والتراضي من الطرفين، أما الحكم الهرقلي القيصري الكسروي، فقد وُضع في مزبلة التاريخ وداسته الشعوب بأقدامها، وقد ذم الله الطاغية الجبار السفّاك فرعون حيث قال لشعبه: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)، فكانت عاقبته أن انتهى غريقا، ورؤساء العرب غير الشرعيين انتهوا إلى هذه النهاية، فانظر لهم ما بين طريد وسجين وغريق وحريق وخنيق وشنيق، وما بين وزفير وشهيق، وأصبح الواحد منهم بيد الشاب كالحمامة بيد الصياد تقول: قيق، قيق. فيقول الصياد: غدا وأنتِ في القدر سليق.