خالد الرويشان يتحدث عن تصرفات حوثية لن يتخيّلَها حتى الشيطان:عارٌ علينا أن نصمت اللواء العرادة يطالب المجتمع الدول بإتخاذ تدابير عاجلة تجفف منابع الدعم الخارجي للمليشيات مليشيات الحوثي تحول مدارس صنعاء إلى معسكرات تدريب للطلاب حزب الإصلاح يلتقي بعيدروس الزبيدي مركز مكافحة الإرهاب الأمريكي يتحدث عن نقاط ضعف الحوثيين القابلة للاستغلال وحقيقة قدرتهم على تحديد هوية السفن وتعقبها وضربها سلاسل بشرية بمدينة مأرب تضامنا مع الشعب الفلسطيني ودعما لقطاع غزة - صور وزير الخارجية يستقبل الرحالة اليمني منير الدهمي بالرياض الضالع.. القوات المشتركة تدمر مرابض قناصه المليشيا وتحرز تقدما ميدانيا تفاصيل لقاء وزير الدفاع ومحافظ حضرموت باللجنة الأمنية بالمحافظة محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية
"فصل من رواية القوى والرمح والحب"
حوادث غريبة حدثت في عمارتنا منذ أن سكن فيها رجل غريب , والغريب أننا لم نشاهده يصعد شقته أو ينزل منها , أخبرني صاحب العمارة بأن الساكن الجديد استأجر الشقتين الأخيرتين مع سطح العمارة , ودفع الإيجار مقدما لخمس سنوات قادمة , تضايقت جدا بشأن سطح العمارة , كان المكان الوحيد الذي أستطيع فيه المراجعة بعيدا عن ضوضأة أخوتي.
بدأ سكان العمارة يتهامسون فيما بينهم في أنهم لم يروا الساكن الجديد في العمارة , رغم مرور ثلاثة أشهر من إقامته فيها. حتى أن البعض شكك بعدم وجوده في العمارة , إلا أن الأنوار التي تضأ كل مساء من الشقتين بدد شكوكهم.
ذات يوم تسربت إلى غرفتي رائحة غريبة تبعث على الاشمئزاز , كانت الساعة الثانية ليلاً ,خرجت من غرفتي وأنا أشعر بالغثيان , ووجدت أمي وإخوتي الصغار جالسين في صالة الغرفة , وأخبرتني أمي بأن الرائحة تأتي من خارج البيت.
فتحت باب شقتنا وتفاجأت أن سكان العمارة تجمهروا أمام شققهم , وقد وضع معظمهم المناديل على أنوفهم.
نزلت خالة حسنة وهي تسكن تحت شقة الغريب , لتخبرنا أن الرائحة تأتي من شقته , وساد الهرج والمرج في العمارة , حتى تدخل الحاج بونيف واستطاع يقنع الجميع قائلا " ليس من المعقول أن يأتي فجأة من شقة الغريب , ونحن خلال أقامته لم نشاهده ولا مرة واحدة " وذكر الجميع بأن هناك حوتا كبيراً لفظه البحر وهذه رائحة الجيفة.
ساد الهدوء فجأة في العمارة , فبدأ السكان يتراجعون إلى شققهم , نظرية الحاج لم تعجبني , نظرت إلى شقة الغريب , شعرت أن شخصاً ما كان يراقبنا.
لم أنم , بقيت طوال الليل مخنوقة بالرائحة , كانت الساعة الرابعة فجراً , لم أصلِّ بعد ,لكني قررت فجأة أن أعرف سبب أن يستأجر الغريب سطح العمارة كاملاً, خرجت من شقتي دون أن تحس بي أمي وإخوتي.
كان الظلام يهيمن على العمارة , صعدت السلم ببطء وحذر , وقفت أمام شقة الغريب , المكان هادئ جدا , وكان الضوء يتسرب خلسة من تحت الباب . فكرت أن أصعد إلى سطح العمارة , لم أتردد كثيرا , وجدت نفسي أصعد إلى السطح , وجدت بابه مفتوحا , ودفعته قليلا , ودخلت , ووقفت مرتعبة في مكاني . أحسست أن قدميّ مصلوبتان , وبقي فمي فاغرا لفترة طويلة , كان الأمر يدعو إلى الدهشة وإلى الخوف معاً , وجدت نفسي أمام غابة , لم يكن حلما وان بدء الأمر وكأنه حلما , أشجار عملاقة , وحيوانات كثيرة لا تجدها إلا في الغابة تركض هنا وهناك , شعرت فجأة وكأن جسمي يختلج في مكانه , لمحت خيال رجل , يقترب مني , تراجعت قليلا إلى الوراء , وقد كتمت أنفاسي , وركضت عائدة إلى شقتي , وشعرت كأنه يلاحقني , دسست نفسي في فراشي , ورحت أبكي خائفة.
لم أخبر أحداً من سكان العمارة , لن يصدقني أحد , فعلاقتي مع أغلبهم سيئة , فلزمت الصمت.
تم التخلص من جثة الحوت , لكن الرائحة مازالت تزعجنا , ضج سكان العمارة مرة أخرى من الرائحة , وزادت شكوكهم مرة ثانية نحو الساكن الغريب , حاولت أن ألمح للبعض بأنها رائحة زريبة لعله يربي حيوانات على السطح , ذهب اثنان من الرجال لشقة الغريب ولم يجدا شيئاً , وصعدا إلى السطح ووجدا باب السطح مغلقاً , قال احدهم بأنه مغلق بقفل كبير لم يرَ مثله في حياته , ففكرت أن أكتب شكوى لصاحب العمارة وللشرطة معا , وكتبت عشرات الرسائل ولم يبالِ بنا أحد.
اخبرني الطبيب بأنني أعاني من ضيق تنفس , عندما أخبرته عن الرائحة , طلب مني أن أغير السكن . كان من الصعب أن تحزم أغراضك وتبحث عن سكن جديد وبيئة جديدة , ولدت في هذه العمارة وسأموت فيها.
الرجل الغريب وحيواناته الجيفة هو من عليه أن يغادر العمارة.
حتى ذات يوم فاض بي الغضب , وبدأت الرائحة كأنها تتلبسني , كانت الساعة الثانية ليلا , أخدت قارورة الجاز من المطبخ وخرجت من الشقة , صعدت سطح العمارة بخفة , وكان الباب مغلقاً من الداخل , ورحت أسكب الجاز من تحته , ثم أشعلت الثقاب ورميته على الجاز , اشتعلت النار بسرعة فائقة وشعرت بالذعر وتعترث وسقطت على درجات السلم وتناثرت قطع زجاج القارورة , سمعت صوتاً أخافني , صوت رجل يتألم , ونهضت مسرعة , وجرحت قدمي بالزجاج , ورحت أركض مخلفة الدماء من جرحي.
دخلت شقتي , وغرفتي , واندسست في بفراشي .. وحاولت أن أنام.
في الصباح كان الجرح قد شفى تماما إلى درجة الدهشة , منذ ذلك اليوم اختفت الرائحة , وأخبرني صاحب العمارة بأن الساكن الغريب , قد غادر الشقتين والسطح , وأصبحت الشقة مهجورة لأكثر من سنة , لم يشعر أحد بالحريق , وكأنه لم يكن , لكني أصبحت أعيش في قلق دائم.
حتى صباح يوم السبت عادت أختي مرتعبة إلى البيت , وفي وجهها بلاهة عجيبة:
- أمي هناك ثور نائم في مدخل باب العمارة.
نظرت إلى أمي بدهشة, كنت في ذلك الوقت ألملم أغراضي للذهاب إلى الثانوية . ركضنا معا أنا وأمي وإخوتي , وجدنا سكان العمارة في دهشة كبيرة , سمعت احدهم يردد : " لمن هذا الثور .. ولمَ وضعه أمام الباب , لدينا أعمال , ومدارس و ..
كان الثور ضخماً بشكل لا يصدق , بجلد أسود لامع , وقرنين كبيرين , بدا أمامنا نائماً غير مبالي بجلبه السكان من حوله , لأول مرة أشاهد ثوراً , كنت اعرف شكل الثور من خلال التلفزيون أو من خلال المجلات العلمية , هاهو الآن أمامي نائم بسكون , كنت أعرف أن ما يثير الثور هو اللون الأحمر . لم أكن أرتديه وبالصدفة لا أحد في العمارة كان يرتديه في ذلك الوقت , كنت أفكر , وأخطو بحذر إلى الأمام .
حرك الثور رأسه , فأرتبك الجميع . وركض الأطفال والأمهات نحو الشقق , وبقي الرجال في أماكنهم بحذر وريبة .
سمعت أحدهم يعلق ساخرا : هل نحن في أسبانيا .
فجأة فتح الثور نصف عينيه , لعينيه وميض مخيف , بقي يحدق إلى الأمام نحو نقطه ما .. بتحد , تراجع سكان العمارة إلى الخلف , ثم راح جميعهم يحدقون نحو هذه النقطة التي أثارت الثور , كانت النقطة هي أنا , بقيت وحدي أمامه , صرخت أمي بي وطلبت مني أن أركض .
خانتني قدماي , أحست كأنها مكهربة في مكانها , وقف الثور , ونفض جسده , ثم أنزل رأسه قليلا إلى أسفل , وبعد نفخه الهواء من أنفه , وراح يحرك رأسه وقرنيه يمينا وشمالاً , وعيناه مصوبتان نحوي .
سمعت أحدهم يصيح بصوت متهتك : " سيهجم عليك .. اهربــ .... "
ركض الثور .. وركض الجميع .. والتف أحدهم حول الثور وركض نحو باب العمارة .. ثم صرخة : باب العمارة مغلق بقفل كبير.
وأمي تصرخ و تطلب مني الركض والركض , ارتعبت وارتعبت العمارة , أمي من شدة خوفها ركضت وأغلقت باب الشقة عليه , كنت مازلت واقفة . والثور يركض نحوي , وتزحلق الثور بسبب بلاط الأرضية , تشجعت وركضت إلى أعلى السلم , وبقي الثور واقفا في أسفله , وبدأ يصعد درجات السلم ببطء , وكان قرنه الأيسر يخدش الجدار كلما صعد ويصبني بالقشعريرة .
أخرجت قلمي من جيبي ورميته به , وأصبت رأسه , مما أغضبه وجعله يصعد السلم بسرعة أكثر . فركضت , ورحت أصيح وكنت أدق أبواب الشقق , ولم يفتح لي أحد , وجدت نفسي وحدي مع الثور في ممر الدور الخامس , تبولت من شدة الخوف , وشعرت بحرارة البول في ملابسي وأصابع قدمي . كان يقف أمامي ويبعد عني نحو ثلاثين متراُ .
" هل هي لحظة الموت " .. لا مكان للهروب , واستسلمت له .. كنت أنتظر الطعنة , تمنيتها طعنة مميتة من دون ألم , كتمت خوفي , وإن كان صدري يلهث ويلهث , أغمضت عيني , وفتحت ذراعي إلى آخرهما , وبدأ الثور يركض نحوي بقوة شديدة وفجأة تزحلق الثور وأخذ ت جثته الضخمة تدور حول نفسها نحوي , انتهزت الفرصة وركضت من أمامه لكنه جرحني بطرف قرنه وأصاب ساقي , سقطت متألمة, فتحت خالة حسنة باب شقتها وراحت تشير بيدها نحوي مرتعبة .
فرحت أركض متعرجة, ويركض الثور خلفي , وخالة حسنة تصيح وتحثني على الركض أكثر وأكثر , قذفت نفسي إلى الشقة , وأسرعت خالة حسنة بإغلاق الباب خلفي , والثور الغاضب راح يضرب الباب بقوة , حتى كاد يخلعه من مكانه .
سألتني خالة حسنة : ماذا يريد منك الثور .. ماذا عملتِ .
لم أجب , كانت ساقي تؤلمني , توقف الثور عن دك الباب , لعله يستريح , استراحة المحارب , نظرت من عدسة الباب , وجدته جالساً ومحدقاً نحو بابنا .
- ماذا سنفعل ؟!! كان صوت حسنة خائفاً.
وجلست أفكر , مازال عقلي يعمل , نظرت إلى البلكونة , وعنّت لي فكرة مجنونة , صحت :
- خالة حسنة , سوف نقتل هذا الثور اللعين .
بهتت حسنة :
- نقتله !!
وطلبت منها أن تجلب لي حبلا متينا قادراً على حملي , أسرعت إلى المطبخ , أحضرت لي حبلا , قمت أولا بربط الحبل على دولاب كبير في الصالة , ثم قمت بعقد الحبل حول خصري بقوة , كانت الخالة تراقبني بدهشة.
ابتسمت لها وأخبرتها بأننا سوف نشترك في قتله , شاهدتها ترتجف , ذهبت إلى البلكونة , ونظرت إلى الشارع , ثم تنفست , أخرجت سيجارة , ووضعتها بفمي دون أن أشعلها , ووجدت حسنة تبتسم لي , ثم صعدت على حافة البلكونة , ووقفت عليه .
صاحت خالة حسنة :
- ماذا تفعلين .. سوف تسقطين .
فصرخت بها : اخرسي .. انك توترينني .. إلا تشاهدين الحبل يمسك بي .. سوف نجعل الثور يسقط ويتحطم .
وصمت , وتسقط السيجارة من فمي , راقبتها وهي تسقط إلى الشارع , رفعت رأسي عاليا , أن التحديق نحو الأسفل يجعلني أرتعب .
فكرة الموت راودتني كثيراً.. لتكن هذه إحداها , طلبت منها أن تفتح الباب إلى آخره .
كان الثور جالسا .. وعندما شاهدني أمامه واقفة . انتصب فرحاً , ثم أخد يركض بقوة نحوي , وقبضتي تشتد كلما اقترب على الحبل , قفز الثور نحوي , رأيته وكأنه يطير , وقبل أن يصل إلي بثوان قليلة , قفزت إلى خارج البلكونه , فالتف الحبل بأحد قرنيه , وجعلني أدور حول نفسي بسرعة , وكاد الحبل يقطع خصري , وهوى الثور إلى أسفل الشارع , كان الأمر لا يصدق , لقد هزمت الثور والخوف .
فالتفت إلى أعلى , وجدت رجلاً أسود .. دون ملامح ينظر ألي من سطح العمارة , اعتقدت بأني أحلم , مسحت عيني من العرق ووجدته كأنه يبتسم لي واختفى بعد ذلك.
* * *
وصمتت مليكة طويلا , ثم راحت تحدق نحو الكرسي الفارغ الذي بجانبي .. وسألتها :
- ومن هو الرجل الأسود دون ملامح .
قالت من دون أن تلتفت إليّ : صاحب الغابة التي أحرقتها , وأحرقته .
صمتت قليلا وتابعت : إنه الآن يلازمني في كل مكان .
- يلازمك .
كان صوتها هادئاً ومخيفا : نعم .. إنه قريب منك .
نظرت بريبة نحو الكرسي الفارغ , وسألتها بشك :
- وماذا يفعل ؟!
قالت دون أن تنظر إلي : يراقبك .. ويبتسم .
تراجعت قليلا إلى الخلف مذعورا , وتعترث , ولملمت أوراقي , وغادرت مسرعاً من دون أن أتفوه بكلمة. وتذكرت الجنية التي كانت تتبعني حيثما أذهب قبل أن أغادر القرية وتختفي.