المبادرة الخليجية: أهم ضحايا تفجير النهدين
بقلم/ د: زكي شمسان
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 20 يوماً
السبت 11 يونيو-حزيران 2011 07:59 م

ليلة "جمعة الوفاء لتعز" بتوقيت " ساحة الحرية" إتصلت به. وبعد الأسئلة الروتينية التي تتصدر أي محادثة تلفونية سألته مازحاً : هل أستعدتم ساحة الحرية؟ أجابني بثقة لم أفهمها: غداً سنستعيدها. قضيت بقية ليلتي على الفيسبوك والتويتر حتى الفجر. أفقت من نومي متأخراً على خبرين مهميْن على وسائل الأنباء: شباب الثورة في تعز يستعيدون ساحة الحرية ؛ إصابة صالح ومجموعة من كبار المسئولين في هجوم على مسجد النهدين في القصر الرئاسي.

لم أفرح طويلاً بالخبر الأول فبعد لحظات بلغني خبر ثالث لا يقل خطورة(بالنسبة لي على الأقل): "بشير" اخترقت مقدمة رأسه رصاصة أدخلته في غيبوبة.

و"بشير" بالطبع هو واحد من العشرات الذين سقطوا ويسقطون بآلة القتل اليومية في سائر مدن اليمن؛ لكن يحتاج الأمر أحياناً أن يسقط قريبٌ أو صديق لأحدنا لنتوقف عن التعامل مع الشهداء والجرحى بوصفهم أرقاماً في عداد ماكينة الموت.

وفقاً للتقويم الخاص بميدان السبعين: كانت الجمعة "جمعة الأمان" وبعيداً عن الإسم الخالي من الدلالات والغريب على قاموس الحياة اليمنية في العقود الأخيرة؛ كان صالح عاجزاً في"جمعة الأمان" عن تأمين سلامته الشخصية ناهيك عن منح الأمان للآخرين. وأياً تكن حقيقة ماحدث وأياً يكن موقفنا الأخلاقي منه ؛ فإن حادث جامع النهدين قد أدَّى إلى إذابة جانب من الجمود السياسي الذي علق فيه المشهد اليمني منتقلاً به إلى مربع سياسي جديد.

أربعة أشهر من المراوحة السياسية لم يفلح في حلحلتها ما تيَّسر من الفعل الثوري المتاح(أو لِنَقُل الغير متاح) لملايين الغاضبين المقيَّدين بالتكتيك السياسي "الوسواسي" لأحزاب اللقاء المشترك الذي أفلحت مقارباته الدفاعية الحذرة في تمكين صالح من استعادة المبادرة الهجومية بعد أن كان محشوراً في زاوية الخوف من السقوط.

وبعد أن كان صالح يؤرقه زحف الحشود الغاضبة الى قصره؛ باتت الساحات تترقب زحف صالح إليها؛ وبعد أن كان الكثير يردِّد مع عمر بن أبي ربيعة : ليت هنداً أنجزتنا ما تعدْ\ وشفت أنفسنا مما نجِدْ \ وأستبدت مرةً واحدةَ \ إنما العاجز من لا يستبدْ. أصبح شباب الساحات يقضون أيامهم ولياليهم "في انتظار البرابرة".

مؤخراً عوَّدنا المشترك على الصمت حين يكون الجميع في انتظار ردة فعل منه. لكن لطالما أثبتت المتغيرات أنه يكفي أن يطفو الزياني على السطح أو عبارة "نقل السلطة بشكل سلمي" ليخرج قادة اللقاء المشترك من صمتهم وغيبوبتهم السياسية.

وفيما بدا لكثيرين أن انفجار جامع النهدين حوَّل صالح إلى جثة سياسية(أياً كانت حالته السريرية) ؛ وليس بعيداً عنه في غرفة مجاورة في جناح العناية المركزة في ذات المستشفي الذي يرقد فيه صالح: تتمدد جثة أخرى متحللة تُدعى: المبادرة الخليجية. فإن ذلك لا يمنع المتحدث بإسم المشترك من الخروج علينا بتصريحٍ كهذا : نحن مستعدون للبدء بتنفيذ المبادرة الخليجية إذا اعترف المؤتمر الحاكم والقوى الدولية بانتقال سلطات الرئيس صالح إلى نائبه.!

ألا تتفقون معي أن العودة للتعاطي مع نفس الأدوات والمقاربات السياسية التي أثبتت فشلها في الماضي قد يقود الوضع السياسي إلى مراوحة سياسية جديدة؟!

من الصعب أن نفهم جمود المشترك السياسي وتخليه عن المبادرة(لا أقصد المبادرة الخليجية بالطبع ) دون أن نأخذ في الإعتبار النفوذ السعودي في اليمن. فحين تكون السعودية هي المرجعية لطرفيّ النزال (هذا باعتبار أن المشترك نجح في تقديم نفسه كطرف بديل عن شباب الثورة) فلا يمكن حلحلة الأوضاع مالم تقرر السعودية ذلك.

و حين يلبس الفريقان المتباريان نفس الفانيلة التي يغلب عليها اللون الأحمر؛ ويرتدي حكم الساحة "العقال والغترة السعودية" ؛ و يعود الفريقان بين الشوطين ليستمعا لتعليمات نفس المدرب ) السعودي أيضاً ( : فلا عجب أن تمتد المباراة إلى ما شاء الله دونما منتصر؛في الوقت الذي تحصد فيه ضربات الشمس وضربات الترجيح الطائشة الضحايا تلو الضحايا من الجماهير المتحمسة المركونة على الدرجات.

عناصر المعادلة السياسية تبدو كالتالي: صالح ينتظر من السعودية تقديم ضمانات مالية وقضائية تحميه من الملاحقة هو ومن عمل معه. المشترك ينتظر من السعودية مبادرة تضمن انتقال السلطة إليه ولو بشكل جزئي. و السعودية يهمها تفريغ الثورة من الثورة ؛ واستبدال صالح المنتهي الصلاحية بصالح جديد يسلمها قياد اليمن لثلاثين سنة جديدة؛ كما يهمها حماية صالح من الملاحقة القضائية حمايةً لمصالحها. هكذا تولد ما يُعرف بالمبادرة الخليجية؛وهكذا تستمر في فرض نفسها على الجماهير في الساحات؛ وهكذا تتجمد الساحات ويسقط المزيد من الشهداء دون أن يعبأ بهم صالح أو المشترك أو السعودية.

ومادام بلاطجة صالح سيحظون بحصانة قضائية تغفر لهم ماتقدم وما تأخر من جرائمهم؛فلماذا يتوقفون عن قتل المتظاهرين والأبرياء في تعز وبقية المدن اليمنية؟

ظلت اليمن مديرية سعودية غير معلنة لعدة عقود؛ و أي ثورة لا تعيد لليمن سيادتها واستقلاليتها المسلوبة ولا تقفز على الديوان الملكي السعودي وهي ماضية نحو أهدافها: هي مجرد انقلاب شكلي يسخر من تطلعات كل الشهداء و دمائهم التي اريقت على مذبحها.