القاعدة والحكومة... سباق كسر العظم
بقلم/ أحمد الزرقة
نشر منذ: 16 سنة و شهر و 18 يوماً
الأربعاء 08 أكتوبر-تشرين الأول 2008 11:12 م

كشفت العملية الارهابية التي تعرض لها مبنى السفارة الامريكية في صنعاء صباح الاربعاء الفائت إغلاق الطريق أمام أي تسويات قادمة بين أجهزة الامن اليمنية وتنظيم القاعدة في اليمن ، بعد سلسلة من الاتهامات المتبادلة بين الطرفين أخرها التهديد باستهداف غالب القمش رئيس جهاز الامن السياسي ،وهو الجهاز الذى عني خلال الفترة الماضية بالتنسيق والمتابعة لاعضاء التنظيم الذين انخرطوا في حوارات فكرية مع القاضي حمود الهتار ،وتم التوصل معهم لتسويات معينه عبر اتباعهم إجراءات امنية معينة من ضمن التمام أو تسجيل تواجدهم كل فترة وأخرى لدى الجهات الامنية ، وتوفير مرتبات واعانات شهرية أو وظائف لهم .
زيارة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح للشقيقة الكبرى بعد أربعة أيام من محاولة تفجير السفارة تعد زيارة أمنية بإمتياز خاصة لجهة الامراء والمسؤلين السعوديين الذين حضروا المباحثات وجلهم يحملون صفات أمنية وعسكرية واستخباراتية ،كما أن الوفد اليمني تضمن عدد من المسئولين الامنيين ممن لهم علاقة بملف الارهاب ،وهذا يعني أن هناك قصورا في التعاون الامني وتحديدا في ما يخص ملف القاعدة وتبادل معلومات عن الشبكات الارهابية ، وهو ما عبر عنه بمرارة وزير الخارجية اليمني الدكتور أبو بكر القربي بعد عملية التفجير عندما قال أن هناك نقص في إمداد اليمن بالمعلومات الاستخباراتية المتعلقة بنشاط الجماعات الارهابية من قبل بعض الاجهزة الامنية العربية.
هناك رأي يقول أن هناك دوائر استخباراتية عربية وغربية كانت على علم بحدوث عملية نوعية مرتقبه للقاعدة في اليمن ،وقد يأتي تحذير مسئول إسرائيلي كبير لمواطني بلاده من السفر لليمن كونها بلد غير أمن وهناك احتمال تعرضهم لاعمال إرهابية ،غرابة هذا التحذير كونه يأتي من مسؤل اسرائيلي لا يرتبط باليمن باي علاقات من أي نوع كان،وربما يكون تسريبا لمعلومة تداولتها اجهزة الاستخبارات الغربية،المؤشر الثاني هو استمرار حظر بلدان غربية كفرنسا مثلا سفر رعاياها لليمن.
عملية السفارة الامريكية تعد واحدة من أكبر العمليات التي قام بها تنظيم القاعدة في اليمن من حيث عدد الافراد المشاركين فيها ،وعدد الضحايا الذين سقطوا إثر العملية، وهي عملية دعائية إلى حد كبير هدفت لايصال رسالة مفادها أن التنظيم يمتلك القدرة على الوصول الى واحدة من أكثر المناطق المحمية أمنيا والواقعة تحت السيطرة المباشرة والكاملة لقوات الامن أكثر من أي منطقة أخرى،ولعل لجوء التنظيم لاستخدام تقنية تعتمد التمويه حيث إرتدى المهاجمون الزي الخاص بقوات الامن المركزي المكلفة بحراسة السفارة الامريكية ، واستخدام السيارات المفخخة والافراد المفخخين ، وهي تقنيات تدل على وجود تنسيق عالي المستوى مع تنظيم القاعدة السعودي ،الذي تعهد بيان صحفي صادر عن ماقيل انه تنظيم قاعدة الجهاد بأن يقوم بتنسيق جهوده مع القاعدة السعودية التي تمتلك المال والخبرات ،قبل حوالي أربعة أشهر تقريبا بثت قناة العربية تسجيلا صوتيا لزعيم تنظيم القاعدة في السعودية يدعو فيه أنصاره بالتوجه لليمن بعد كثرة الضربات التي تعرض لها التنظيم في المملكة ،ولان أمكانية التحرك في اليمن أسهل بكثير ،وبالتالي استخدام الاراضي اليمنية كقاعدة للانطلاق وتخطيط عمليات نوعية ضد أعداء القاعدة.
وكشفت العمليات الارهابية الاخيرة سواء في مأرب أو في سيوون وتريم وغيرها من مشاركة عناصر سعودية في تلك العمليات إضافة لقيام اليمن بتسليم عدد من المطلوبين السعوديين للسلطات السعودية في قضايا تتعلق بالارهاب.
كما أن استخدام سيارات ذات موديلات حديثة يشيع استخدامها في الأوساط الامنية والعسكرية يدل على توفر امكانات مالية لم تكن متوفرة للتنظيم خلال الفترة الماضية من عمر التنظيم في اليمن.
إن تحديد تاريخ السابع عشر من رمضان الذي يصادف ذكرى غزوة بدر لم يأتي اعتباطا بل كان اختياره لما له من دلالة دينية وتاريخية،وتزامن العملية في شهر رمضان يعكس وعيا كبيرا بحدوث نوع من الاسترخاء في الاوساط الامنية ،وانخفاض درجة الجاهزية الامنية.
بالتأكيد العملية لم تحقق الهدف الرئيس لتنفيذها وهو اقتحام السفارة أو إصابة مواطنين امريكيين ،فكل الضحايا هم يمنينون باستثناء مواطنة هندية كانت متواجدة في مكان الحادث ،إلا إذا كان المقصود هو قتل أكبر عدد من الجنود اليمنيين الذين هدد التنظيم في بلاغ له منتصف اغسطس الماضي باستهداف عناصر دوريات جهاز الأمن السياسي والبحث الجنائي،" لإضعاف العمليات ضد المجاهدين والعمل لضمان استمراريتها ولضرب مفصل هام جداً تعتمد علية الأنظمة ومن يقف ورائها في حرب الإسلام والمسلمين خاصة ان تضاريس اليمن توفر قواعد شبة مستقرة للمجاهدين وتتيح العمل والتخطيط لمثل هذه العمليات."
حيث تأتي هذه العملية بعد العملية التي إستهدفت إدارة الامن في مدينة سيئون شرق اليمن في منتصف يوليو الماضي ، بسيارة مفخخة نجم عنها مقتل سبعة من جنود الامن ومنفذ العملية ، وهي العملية الاولى للجيل الثاني من تنظيم القاعدة الذي استهدفت مبنى حكومي ، منذ العملية التي استهدفت احد مقرات الامن السياسي في صنعاء عام 20004م.
وذلك يعني أن تنظيم القاعدة لم يعد يفرق بين استهداف المؤسسات الامنية اليمنية ورجال الامن اليمنيين أوالرعايا والمصالح الاجنبية في اليمن.
على المستوى الميداني لم تحقق العملية أهدافا استراتيجية كان مخططي العملية يرجونها ،والتي منها على سبيل المثال قتل أو إصابة أمريكيين ،أو توتير العلاقات اليمنية الامريكية ودفع الجانب الامريكي لزيادة الضغط على اليمن وإلقاء اللوم على الحكومة اليمنية والرئيس صالح ،فالرد الامريكي كان أقل حدة من عمليات أخرى عبر فيها عن موقف حاد تجاه الحكومة اليمنية ،بل على العكس طلب الامريكان خلال اتصال وزيرة الخارجية الامريكية بالرئيس صالح زيادة التعاون الامني بين الجانبين ،وأشادة بموقف الامن اليمني في صد الهجوم وإفشال العملية،التي لم ينجح منفذوها في إيصالها الى سور السفارة ،حيث تركزت الاشتباكات على بعد امتار من البوابة الخارجية للسفارة ضمن نطاق الحاجز الامني .
وإعلان الاجهزة الامنية إعتقال ستة أشخاص كانوا قد بثوا تهديدات لعدد من السفارات العربية والاجنبية مطالبين اياها بتسليم مبالغ مالية من تلك الدول من أجل عدم استهدافها مستخدمين إسم تنظيم الجهاد الاسلامي ،وهو التنظيم الذي نسبت
إليه وسائل الاعلام مسئولية تفجير محيط السفارة الامريكية،وهذا يعني أن هناك أطرافا تسعى للاستفادة من تحمل مسؤلية الحادث سعيا لتحقيق مكاسب مادية ،وهذا الاسلوب غير معهود في تاريخ نشاط تنظيم القاعدة وتبنيه للعمليات فهو تنظيم له مصادره الخاصة التي تمول أنشطته وتحركات أعضائه عبر قنوات محلية وأقليمية.
العملية التي استبسل فيها أفراد الامن المركزي المكلفين بحماية السفارة ،كشفت أيضا بطء الاستجابة في عملية المساندة من قبل قوات الامن العام أو الفصائل العسكرية الاخرى حيث تأخر وصول التعزيز والمساندة لاكثر من نصف ساعة من إنفجار السيارات المفخخة .
ويثير عدم كشف الاجهزة الامنية نتائج تحقيقاتها الاولية عن التحقيقات إستفهامات عدة حول هوية مفجري السفارة وجنسياتهم والمناطق التي ينتمون إليها جغرافياً،ومعلومات تتعلق بالتخطيط للعملية والاعداد والترتيب وهل تمت تلك المراحل داخل العاصمة التي يفترض أن مستويات الأمن فيها عالية مع قيام الاجهزة الامنية فيها بحملات تفتيش وتقاط أمنية متعددة ،وحملة لمنع حمل السلاح داخل داخل المدن .
هناك عمل فكري عميق ومدروس تقوم به القاعدة في اليمن لاستقطاب أعضاء جدد للتنظيم لديهم استعداد للتضحية بأنفسهم ،وبالضروة ليسوا من الملتزمين دينيا ،وغالبا مايأتون من الاحياء الهامشية وسط العاصمة وأطرافها ،من أسر فتتها الفقر وطحنتها المعيشة الغالية ،وغياب الوجه الانساني للدولة في التعامل مع المواطنين في نقاط التماس الاولى (قسم الشرطة – المستشفى – النيابة العامة ...الخ)،هناك مناطق في أمانة العاصمة تحديدا عرفت بكونها فقاسات لشباب القاعدة ،وهي مناطق مزدحمة بالسكان ،وتحنوي على كميات كبيرة من الفقراء والعاطلين عن العاملين والمحبطين والفاشلين دراسيا والمتفككين أسريا،فهل هناك استراتيجية وطنية لاستيعاب هذه المناطق تحاول الحكومة الفوز في أي معركة استقطاب قي تلك المناطق وتحبط المخططات الرامية لتحويل الاف الشباب الى عبوات ناسفة وجاهزة للانفجار في اي مكان وزمان ودونما هدف حقيقي غير سفك دماء الابرياء ممن لاذنب لهم.
Alzorqa11@hotmail.com