تعز والرياشية كأنموذج لدولة العصابة
بقلم/ رشاد الشرعبي
نشر منذ: 15 سنة و 5 أشهر و 14 يوماً
السبت 13 يونيو-حزيران 2009 11:28 م

أكثر من 6 أشهر مضت على وقوع جريمة إقتحام مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا وقتل أحد أطبائه (درهم القدسي), وخلالها تعاملت أجهزة الدولة مع الجريمة بالتقصير وبصورة سلبية وصلت حد إتهام وزير الداخلية للمطالبين بضبط الجناة بالمناطقية والغوغاء.

كان المحتجون يطالبون بأن تقوم أجهزة الدولة المختصة بماهو واجب عليها القيام به, وتحركوا في فعالياتهم المختلفة كمنظمات يمنمة (نقابة الأطباء, هيئة التدريس, المنشئات الطبية الخاصة, وغيرها) وأقارب المجني عليه, ورفعوا مطالب واضحة ومحددة تتركز في ضبط الجناة وتقديمهم بين يدي العدالة, وبالتأكيد لم يكن من بين مطالبهم شيء يتعلق بهدم منازل أو إتلاف ممتلكات للجناة أو أسرهم, وأيضاً لم يطالب أحداً منهم بأخذ رهائن من الأقارب. 

حينها وقف وزير الداخلية في البرلمان يخاطب ممثلي الشعب – كما يفترض- متذمراً من المعتصمين لأسابيع أمام مجلسي النواب والوزراء, معتبراً أنهم مجرد غوغاء ومناطقيين, في حين أنهم ينتمون لمناطق مختلفة من الجمهورية اليمنية ويتحركون ويعتصمون كمنظمات مدنية يمنية وكأقارب للقتيل, ولم يقل أياً منهم أو يرفع لافتة تحصر القضية في تعز كمحافظة ينتمي لها القتيل, حتى النواب الذين تحدثوا تحت قبة المجلس كانوا من مختلف مناطق اليمن.

لكن قبل أسبوعين ظهرت العين الحمراء للدولة في منطقة (الرياشية) بمحافظة البيضاء مسقط رأس المتهمين بقتل الطبيب القدسي, وأقدمت على جريمتها كعصابة وقاطع طريق لا تحتكم لدستور أو قانون أو قضاء أو شرع إسلامي أو حتى مواثيق دولية, بعد أسابيع على حادثة الحصبة بالعاصمة صنعاء وظهور (قانون الغاب) وشقيقه (قانون القوة) كحاكمان أساسيان للبلاد.

ليست الفاجعة فقط في إحتكام الدولة لثقافة وعقلية العصابات و عادات قبلية سيئة, دون إعتبار للدستور والقانون والشرع الإسلامي, وأتحدى أكبر فقيه قانوني أن يثبت شرعية هدم منازل الجناة وأسرهم وإتلاف الممتلكات وأخذ الأقارب رهائن, لكن الأخطر أن يتم ذلك بناءاً على توجيهات للرجل الأول في الدولة بشأن ضبط المتهمين وبعد مرور أشهر من الصمت والتقصير وأثناء تواجده في محافظة القتيل (تعز).

المتهم الرئيسي بمقتل الطبيب القدسي تعرف أجهزة الدولة الأمنية موقع وجوده أكثر من غيرها, حيث يتوارى عن العدالة, لكن تأبى العقلية الحاكمة التي تدير البلاد بالأزمات وإشعال الحرائق والفتن (القبلية والمناطقية والمذهبية والطائفية والسياسية), إلا أن تضع القضية في صورة غير وطنية, حيث تقدمها كمشكلة مناطقية وقبلية بين أبناء محافظتي تعز والبيضاء.

هذه السياسات غير الوطنية للنظام الحاكم والإجراءات المخالفة للدستور والقوانين والشرع الإسلامي ليست سوى مثال بسيط وطازج لها, حيث لا تقتصر هذه السياسات والمارسات عند ماكان يُطرح – ولازال – منذ ولادة اللقاء المشترك وعبر خطابات مسئولي الدولة والإعلام العام بشأن إسلام الإشتراكي وكفر الإصلاح وتحالفهما بعد تقاتلهما, أو نكأ جراحات وصراعات ماقبل الوحدة مابين محافظات (الضالع, لحج, أبين, شبوة), بل أكثر وأخطر من ذلك.

ففي الأيام القليلة الماضية وتزامناً مع تواجد رئيس الدولة في محافظة تعز, كانت صحيفة الجمهورية الصادرة عن مؤسسة عامة تمول من خزينة الشعب تعمل على نبش ملفات صراعات السبعينات والثمانينات من القرن العشرين وسرد حوادث الإقتتال في مناطق شرعب وخصصت لذلك ملفاً وُزع كملحق بالصحيفة وهو مالا تبادر به لأجل قضايا التنمية أو لتعزيز ثقافة الحوار والتسامح ونبذ العنف والتطرف.

بمجرد إعلان الوحدة اليمنية وذوبان شطري الوطن في إطار دولة واحدة (الجمهورية اليمنية) كان من أولويات المرحلة التي تلت 22 مايو 1990م, إغلاق تلك الملفات ودفن تلك الصراعات ورفعت القيادة الموحدة شعار (الوحدة تجب ماقبلها), وكان يفترض أن يستمر ذلك لمافيه مصلحة الوطن والشعب, لكن تأتي رياح المصالح الشخصية بما لا تشتهيه سفن المصلحة العليا ومتطلبات الوطنية والواجب الديني والإنساني.

وليس جديداً القول أن سياسة نبش ملفات الصراعات القديمة مشكلة خطيرة سواءاً كانت في إطار شرعب أو أي مناطق أخرى شهدت تلك الصراعات – وما أكثرها- أو مابين محافظات كأبين والضالع أو محاولات إشعال فتن جديدة بين الإصلاحيين والإشتراكيين أو بين أحدهما والقوميين أو بين الجماعات الدينية أو بين القبائل والمناطق والأسر والعشائر على إمتداد الوطن اليمني, لكنه دليل واضح وجلي على عقلية وثقافة النظام الحاكم التي أودت بنا إلى مانحن فيه وأكثر من ذلك لولا رحمة الله وحكمة الكثير من شرفاء وخيري الوطن.

فقبل سنوات كان محافظ تعز (وزير الخدمة المدنية حينها) يحاول إرهابي بسبب كتاباتي عنه من خلال الإيعاز لأحد موظفيه بإبلاغي برسالة تهديد مبطنة على ذمة قضية ضمن تلك الصراعات السياسية وقعت قبل ولادتي بـ3 سنوات وكان قريباً لي متهماً فيها, وهاهو اليوم بحكم منصبه الحالي يمارس ذات الدور بإشعال الحرائق وإيقاظ الفتن ونبش الملفات, وقد لا تكون قضية مقتل مدير مديرية خدير بعيدةً عن ذلك.

إن من يسعى للبقاء وإحكام السيطرة ويتشبث بالكرسي ويستخدم الوسائل حتى المنبوذة منها لتزوير إرادة الناس في الإنتخابات, ليس بعيداً عليه اللجوء لوسائل قذرة وإتباع سياسات غير وطنية وإشعال الحرائق وإيقاظ الفتن حتى لو كان ذلك في مسقط راسه (شرعب) وبين أهله وأقاربه, فهو بذلك يؤكد مدى إلتزامه وولائه للثقافة والعقلية الحاكمة للوطن عموماً.

 لكن تبقى ثقتنا بالله وبوعي أبناء شعبنا وحكمة الكثيرين فيه بأنها ستهزم مخططاتهم وستُجهض مشروعاتهم وستُعجل بنهاياتهم وستجعل صباح وطننا المشرق قريباً بإذن الله.

Rashadali888@gmail.com