تعز .. جاء يكحلها عماها
بقلم/ رشاد الشرعبي
نشر منذ: 15 سنة و 7 أشهر و 13 يوماً
الثلاثاء 14 إبريل-نيسان 2009 07:02 ص

الشهر الماضي كنت في زيارة خاطفة لأسرتي بمدينة تعز, ومع ركوبي سيارة التاكسي بإتجاه المنزل, كان على السائق تنبيهي بأنه إذا كانت غربتي عن تعز طويلة, فإن طاريء قد لحقها وهو نقل أسواق القات إلى مركزي عصيفرة.

إلى هنا والأمر يبدو طبيعياً, مادام ضمن عملية التنظيم المفترضة والتخفيف من حالة العبث والفوضى التي تخيم على مدينة كانت حاضرة اليمن خلال نصف قرن مضى, لكن السائق كان يقصد تنبيهي إلى أن منطقة سوق (المقوات) تلك لم تعد كما كانت, فقد أزدادت إزدحاماً ومن الصعوبة الوصول إليها, وبالتالي الأمر يستدعي إيجاراً أكثر وصبراً ووقتاً أكبر.

 وخلال إتصالاتي الأخيرة بأفراد أسرتي الذين يقطنون في الحي القريب من السوق, كانوا يتحدثون إلي من المنزل وحولهم ضجيج بشري كأنهم في سوق, فلاهم يسمعوني جيداً ولا أنا أسمعهم وسبب ذلك نقل أسواق المدينة كلها وحشرها في سوق واحد كان المنزل بجواره وصار في وسطه.

الأسبوع الماضي قرأت تصريحات لمحافظ تعز يتفاخر بخطوة هدفت لتنظيم المدينة والحد من الآثار السلبية (سياحياً وأمنياً ومرورياً) كانت تسببها الأسواق المتعددة وتبتلعها شوارع متباعدة ومختلفة, لكن المحافظ وقيادة المحافظة, لم يهتموا كثيراً بالآثار السلبية التي ستترتب على حشر كل تلك الأسواق في سوق واحد.

لم يعد الأمر مقتصراً على الإختناق والإزدحام المروري (مركبات وموالعة ومقاوتة), ولكن آثار سلبية كثيرة ترتبت على ذلك النقل, فعشرات من الأسر المجاورة لسوق عصيفرة, كانت تعاني منه بصور مختلفة, لكن الآن لم تعد عشرات, بل صارت مئات وآلاف الأسر لحق ويلحق بها الأذى بسبب توسع السوق حتى مصنع الأصنج للبسكويت.

 صارت النساء, خاصة طالبات المدارس والجامعات, القادمات من الأحياء الأبعد من السوق وهن يقصدن وسط المدينة وأطرافها الشرقية والغربية عرضة للزحام والإختناق المروري والتحرش والعنف اللفظي والجسدي, وزاد الأمر سوءاً أن الباصات ووسائل المواصلات بَعُدت أكثر بسبب إزدحام السوق وتجاوز مساحته الحالية 10 أضعاف المساحة السابقة له.

 قبل عام تقريباً تداولت الصحف صرخة رئيس لجنة الخدمات بمحلي تعز (شوقي أحمد هائل) مما تعانيه المدينة, فتألمنا لألمه وأحزننا ماأحزنه, وبإعتقادنا أنه والمحافظ وقيادة المحافظة أجتهدوا للبحث عن حل لتلك الفوضى والعبث, كان يفترض فيه أن لا يترتب عليه فوضى وعبث وإزدحام في بقعة أخرى من المدينة ويلحق الأذى وتطول المعاناة بسببه الآلاف من السكان الآخرين.

 لكن ما لم نكن نتصوره أن حلولاً (عوراء) ستًنهك مدينة تعز وسكانها فوق ماتعانيه وإياهم من ظلم وتهميش وإنهاك وإنتهاكات.

ليس جيداً أن يجتهد مسئولو تعز من أجل تزيينها وتجميلها (فيكحلونها) بقلع أو خدش إحدى عيونها, فتصبح عوراء أو عمياء, والحل كان إما بمنع بيع القات في مدينة تعز عموماً, بمافيها عصيفرة, وهذا حل مستحيل بالتأكيد, أو بناء أسواق مخصصة لبيع القات – كحال العاصمة صنعاء- في مناطق متفرقة من المدينة, وإلزام القائمين عليها والبائعين فيها بعدم تجاوزها إلى الشوارع والأزقة المحيطة بها.

• فِصح اليهود وجمعية الإصلاح

كعهدنا بها, تأبى جمعية الإصلاح الإجتماعي الخيرية إلا ان تظل كبيرة وسباقة وعنواناً للخير ورمزاً للتنمية الإجتماعية, لتغطي بسحابات خيرها ومشاريعها كل أرجاء الوطن اليمني وتمد أياديها الحانية للمحتاجين من أبنائه ومواطنيه والمقيمين فيه بغض النظر عن إنتماءاتهم وأعراقهم وألوانهم وجنسياتهم ومذاهبهم وأديانهم.

 في الأسبوع الماضي كانت الجمعية حاضرة في محافظة عمران بين المواطنين اليمنيين من ذوي الديانة اليهودية تقدم لهم كسوة العيد (عيد الفِصح) وتعلن كفالتها لأيتام (ماشا النهاري) الذي قتلته الأفكار البعيدة عن إسلامنا المتسامح, وأزهق روحه تعصب أعمى يتعارض مع قوله تعالى (لا إكراه في الدين).

حينما كان الزميل \ محمود طه يصور لي الفرحة – كلاماً قبل أن أراه صوراً فوتوغرافية- والتي ارتسمت على وجوه من حصلوا على كسوة الجمعية, كنت مضطراً للعودة بمخيلتي إلى مابين سطور التاريخ الإسلامي الناصع, لترتسم أمامي لوحة مضيئة فيه, حيث قصة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- حينما وجد عجوزاً يهودياً يتسول في أحياء وأزقة المدينة.

 لقد رفض أمير المؤمنين أن تكون تلك حال أحد مواطني الدولة الإسلامية, بإعتبار أنه كان في شبابه مواطناً ملتزماً بواجباته تجاه تلك الدولة (يدفع الجزية), فكيف يُهمل وقد صار عجوزاً ولا يجد رعايةً وضماناً إجتماعياً منها, فأمر الفاروق بإعتماد مرتب لليهودي العجوز كحق له على الدولة, فهل يعي المتعصبون مغزى ومقصد الفاروق وهو أشهر الحُكام عدلاً في موقفه التاريخي ذاك؟