قبل أن يصير الحاكم صنماَ يُعبد
بقلم/ رشاد الشرعبي
نشر منذ: 15 سنة و 9 أشهر و 15 يوماً
الثلاثاء 10 فبراير-شباط 2009 05:01 م

في الطريق من العاصمة إلى تعز وأنت تبحث عما يشغل وقتك ستضطر للإلتفات يمنةً ويسرة لرؤية ماحولك مما صنعته يد الخالق عزوجل أو ما شيدته أو خربته يد الإنسان, ولن تتجاوز شعارات إنتخابية صُفعت على الجدران بطلاء لا ينمحي إلا بفعل فاعل أو بمرور سنوات طوال.

الأسبوع الماضي لفتت إنتباهي عبارة من بقايا الحملات الإنتخابية السابقة وأضطررت لتدوينها والتفكير في محتواها طويلاً وما ترتكز عليه من فلسفة سياسية وثقافة حاكمة وخطاب إعلامي مفروض علينا بقوة المال والسلاح وفهلوة (فرق تسد).

"المؤتمر ضحى وهذا الواقع, فبادر لإنتخابه ليتم نجاحه", هذه العبارة إحدى تلك الشعارات الإنتخابية وتحمل مدلولات تعكس عقلية الحاكم وثقافته وتفكيره وما يستند إليه في حكمه للبلاد لأكثر من 3 عقود مضت.

فهي ثقافة وعقلية وتفكير (الحاكم) المرتكزة على الإعتقاد بتملك (الفرد أو الأسرة أو الحزب) للوطن والشعب, وأن أي عمل يقوم به سواءاً كان إيجابياً حقيقةً أو زعماً وإدعاءاً وهو الغالب, مجرد منة وصدقة يقدمها لشعب وجد لخدمته وشلته, على عكس ما كان المفترض أن يكون, وذلك دينياً بإعتبارنا شعب مسلم أو إنسانياً كمواطنين في دولة صادقت على الكثير من المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ولديها دستور وجد لتأكيد ذلك.

الحكم الإمامي البائد كانت ثقافته وعقليته كذلك تستند إلى وهم بالحق الإلهي إنطلاقاً من النسب والسلالة كذريعة لإحتكار السلطة والمال وحتى العلم, وبسبب ذلك وصل الشعب إلى مرحلة لا تُحتمل تصدر فيها ثالوث (الفقر والجهل والمرض), فتنادى الأحرار لإنتشال الشعب والوطن وعملوا لعقود وحتى مابعد ثورة 1962م للقضاء على (صنم الإمامة) وماترتكز عليه من وهم بالحق الإلهي والذي منحت نفسها بموجبه شرعية الإحتكار تلك.

لم تستمر تلك الصحوة طويلاً, فلم تمر سوى سنوات قليلة حتى تربع نظام شبيه بالإمامة, لكنه يعتمر قُبعة الجمهورية ويتدثر بغطاء الثورة, فتمكن من البقاء 30 عاماً بإستخدامه لوسائل مختلفة وإستغلاله لأمور متنوعة بعضها مشروعة وأخرى غير مشروعة, ومجملها تدفع بالوطن (ثقافة وممارسة) للتراجع إلى نقطة الصفر وهو ما ثار لأجله أحرار اليمن في الماضي القريب, حيث عمل على ترسيخ ثقافة الإمتلاك ويعتقد أنه مُنح الحق بالحكم بمبررات مختلفة, ليعود بنا إلى حالة أسوأ مما كان عليه الوضع في عهد الإمامة.

وبالعودة لما بدأنا به, وبالمقارنة بينه ومانسب إلى الفاروق (رضي الله عنه) بأنه قال "والله لو تعثرت بغلة في العراق لسألني الله: لِمَ لم تصلح لها الطريق يا عمر؟", نجد الفرق واضحاً بين من يرى أحقيته في البقاء بالسلطة لأنه ضحى - حسب زعمه- وبين من يستشعر المسئولية الملقاة على عاتقه وواجبه تجاه الرعية وخوفه من حساب الله لعدم وفائه بماحمل من مسئولية وواجبات.

فالفاروق يرى في نفسه خادماً للرعية الذين تولى أمرهم, ليس فقط من بني البشر المسلمين أواليهود والنصارى وغيرهم, ولكن حتى الحيوانات, ولم يستند في سلطته إلى تضحياته الحقيقية – وليست المزعومة لكن الفاروق أستشعر مسئوليته وواجبه كحاكم تجاه الرعية, فقد غضب لرؤية اليهودي عجوزاً متسولاً بعد أن كان شاباً ملتزماً بدفع الجزية, ويقلقه تعثر بغلة في العراق, غير ماعرف عنه من عدل وتلمس أحوال الرعية ليلاً وتوزيع الطعام على فقراءهم لينام مطمئناً تحت شجرة دون جيوش وحرس خاص ومرافقين شخصيين.

هنا الأمر صار مختلفاً, ففي بلادنا لم يكتف حكامنا بإدعاء التملك للوطن بثرواته ومواطنيه ولم تتوقف حملات المنَ والأذى حقاً وباطلاً, ولم يكفوا عن محاولاتهم لترسيخ هذه الثقافة شعبياً للتسليم بحقهم في الحكم حتى يشاء الله, لكنهم ايضاً ليسوا مستعدين- حتى من باب المزايدة ولزوم الحملات الإنتخابية- أن يقولوا للشعب: إمنحنا الحق في حكمك لست سنوات لنقوم بخدمتك.

ولم يعد محصوراً فقط بالقيادة في صنعاء (فرداً او أسرة أو حزباً), فالمسئول الأول لأكبر محافظة يمنية من حيث عدد السكان ورؤوس الأموال والمتعلمين والمبدعين و..و..إلخ, وصل به الحال إلى أن يبرر شرعية توريث مقعده البرلماني لنجله الذي لم يبلغ السن القانونية بأنها دائرته الإنتخابية وهو (غارم فيها) يقصد (خسران عليها), رغم أنه قبل أن يمثلها في البرلمان عام 1997م بطريقته المشهورة لم يكن يمتلك حتى 1% مما يمتلكه اليوم وأقاربه من أرصدة وسيارات وعقارات وشركات مقاولات.

ولذلك فقد صار الوطن أكثر من أي وقت مضى بحاجة للفتة حقيقية من كل الغيورين والأحرار والقوى الفاعلة (مدنية, حزبية, مثقفين, قبائل) للوقوف في وجه الطغيان الحديث و(الصنم الحاكم) الذي يريد أن يُعبد بدلاً عن الخالق, فهو المعصوم عن الخطأ, والمقدس أمام أي محاسبة, والمالك للشعب والوطن والوحيد المستحق لإحتكار السلطة والمال وحب الوطن والحرص عليه.