دولة النقاط والحواجز 2
بقلم/ احمد طلان الحارثي
نشر منذ: 15 سنة و 7 أشهر و 9 أيام
السبت 18 إبريل-نيسان 2009 09:39 م

الحلقة الثانية: حكومة النهب العام والأيدي الرخيصة

كنت أعتقد أن ليس لدينا دولة ، وهذا الاعتقاد جعلني أكتب مقال سابق تحت عنوان ((وطن بلا دولة)) ولكن مع مرور الزمن تبيّن أنه يتوجب عليّ أن أصحح هذا الاعتقاد وأن أتيقّن بأن هناك دولة - شئت أم أبيت - ((واسترشاداً بمقولة الدكتور طارق السويدان التي يؤكد فيها على ضرورة أن يستخدم الإنسان عقله وأن لا يصادر تفكيره لحساب تفكير الآخرين وتنفيذ كل ما يطرحونه بدون أي عناء في التفكير)) وبما أن العقل في الإسلام مناط التكليف ومصدر الفكر السليم فقد أدركت أهمية إعمال العقل والتفكير فوجدت أن لدينا دولة ، ولكنها ليست دولة النظام والقانون التي يطمح في وجودها كل مواطن يمني ، ويعلق عليها آمالاً كبيرة نحو تحقيق مزيد من التطور في حياة الناس ، بل هي دولة ضعيفة في أداء واجباتها تجاه الوطن والمواطن قياساً بما تحصل عليه من الحقوق من كليهما.

وعلى هذا الأساس كان اختيارنا لهذا الموضوع تحت الاسم الافتراضي ((دولة النقاط والحواجز)) وسنقدم ما يمكن اعتبارها أدلة لإثبات هذا الاسم على دولة بلادنا الحالية وذلك من خلال استعراض عدد من الشواهد التي تمارس على صعيد الواقع وعلى حلقات متتالية إن شاء الله ، ...

وهذه الحلقة الثانية تحت عنوان : ((حكومة النهب العام والأيدي الرخيصة)) لأن دولة النقاط والحواجز - بالتأكيد - ستنتج حكومات (حواجزية) تشكل الوجه الآخر لهذه الدولة مع بعض الفوارق والسمات التي قد يتميز بها بعض أشخاص هذه الحكومات ولو حتى من الناحية الشكلية ، وللإنصاف فإن شخصية رئيس الحكومة الحالية قد بداء بداية قوية عند إعلانه الحرب على المتنفذين اعتقادا منه أنه رئيس حكومة في دولة نظام وقانون فقال مقولته المشهورة ((نؤكد يا فخامة الرئيس أننا نريد لهذه الحكومة أن تعمل بشكل مؤسسي واضح وبدون تدخلات المتنفذين وسنكون مسؤلين ومحاسبين أمامكم عن أي تقصير)) إلاّ أنه بهذا التصريح الناري قد تجاوز الخطوط الحمراء واقتحم الباب مهاجماً لمن أراد أن يتزلّف بين يديه بمثل هذه المقولة لأن دولة النقاط والحواجز تقوم أساساً على إدارة المتنفذين بعيداً عن النظام والقانون ، وحتى نبين للقراء الكرام ولدولة رئيس الوزراء نفسه خطاء اعتقاده بوجود دولة نظام وقانون وذلك من خلال ما تعرض له نفسه من نقاط وحواجز عند ما كان يريد الوصول إلى قاعة المكان المخصص لإقامة احتفالية حكومية كان هو الداعي والراعي لها ، لكن المتنفذين كانوا له بالمرصاد وخصصوا له شخصاً عادياً ليقف أمامه شامخاً قويا في نقطة (حواجزية) قوية منعته من دخول القاعة تماماً ، ولكنه تحلى بشجاعة نادرة فغادر المكان مسرعاً إلى البيت ولكن ليس لتقديم الاستقالة - كما فعل المرحوم فرج بن غانم - ولكن لينتظر من دولة النقاط والحواجز من يقوم بزيارته وإبلاغه بأن كبير المتنفذين يأسف لما حصل ويرجوه العودة السريعة إلى مزاولة عمله ، فكان ذلك بكل سهولة ويسر .. وهنا تساؤل !! هل لا زال على ما كان عليه ومتمسكاً برفض تدخل المتنفذين في شؤون حكومته أم أن هذه المقولة اصطدمت بالنقاط والحواجز وطارت في الهواء الطلق لتحلق على رؤوس الأشهاد معلنة التراجع بل الهدنة التامة مع من سمّاهم المتنفذين ؟؟؟ ..

وعوداً على بدء فإن الحكومة (الحواجزية) قد أعلنت في برنامجها وكلمة رئيسها كثير من الأماني والتطلعات التي اعتقد المواطن أنها ستغير في مجرى حياته خطوات إلى الأمام نحو تحسين مستوى معيشته حيث قال( ستكون أولوياتنا المطلقة يا فخامة الرئيس وكما تحدثتم هي مكافحة الفساد ومكافحة البطالة من خلال تشجيع الاستثمار ...) ولكن على مدى عشرون شهراً لم نجد أي أثر يذكر لمثل هذه المعاني الكلامية التي تشبع بها الشعب على صفحات الجرائد والأخبار المتلفزة ...الخ ، وهاهو رئيس الحكومة (الحواجزبة) يدعو المستثمرين ويرغبهم من خلال سرد أسماء الأماكن والمواصفات الجاذبة للاستثمار ، إلاّ أنه من المؤسف جداً أن يضع رئيس الحكومة (الحواجزية) من ضمن هذه المميزات الاستثمارية ((أن هناك أيادي عاملة رخيصة)) فأين المشاريع العملاقة التي وردت ضمن برنامج الحكومة التي كان من المفترض لها أن تستوعب أعداداً كبيرة من العاطلين عن العمل ، والتي كان يجب عليها أن تساهم في توفير الكثير من فرص العمل لكي تقضي على البطالة التي قالت الحكومة أنها ستقضي عليها حسب برنامجها الذي نالت بموجبه ثقة مجلس النواب .

إن المتتبع لما يجري في واقع التنفيذ لسياسات الحكومات (الحواجزية) سيدرك مدى الغش والتحايل الذي يمارس على صعيد الواقع وسيدرك أن هذه الحكومات جميعها قد دأبت على السير في هذا الاتجاه منذ ما يزيد على عقد من الزمان تحت قيادة المؤتمر الشعبي العام ، هذه السياسات التي قادت وتقود البلاد إلى نفق مظلم لا يمكن الخروج منه في ظل تكريس سياسة الهيمنة والنهب المنظم لثروات البلاد ، مع استمرار حالة الحرمان لعامة الشعب التي طالت الملايين من الفقراء والمحتاجين ، في ظل إسراف كبير وتبذير لا يطاق من قبل حكومات النهب الشعبي العام التي توالت على كرسي الحكم ، ولنضرب مثالاً بسيطاً لمثل لهذا الحرمان من خلال تشريع النهب المنظم للمال العام وإغداق موائد المسؤولين على حساب السواد الأعظم من الناس ، حيث أصدرت الحكومة (الحواجزية) مؤخراً ما أسمته ((نظام المزايا والحوافز الخاص باللجنة العليا للمناقصات والمزايدات)) والذي حدد الحافز الشهري لكل من أعضاء هذه اللجنة مبلغ مقطوع وقدره (مليون ريال يمني) أكرر مليون ريال مع سيارة لكل منهم بالإضافة إلى بدل علاج في الخارج مبلغ وقدره (خمسة آلاف دولار أمريكي) زائداً أربع تذاكر سفر لمرة واحدة في السنة.. وبالعودة إلى هيكل الأجور والمرتبات نجد أن أعلى مرتب في دولة النقاط والحواجز هو مرتب رئيس الجمهورية والمحدد بمبلغ وقدره (مائتان وستون ألف ريال260000 فقط) أما راتب الوزير فهو (مائة وأربعون ألف ريال 140000 فقط) فما ذا عسى أن يقوم به أعضاء لجنة المناقصات مقابل هذه المبالغ الباهظة في حين نجد أن مخصصات مناضلي الثورة اليمنية لا تزيد عن ألفين ريال في الشهر وكذلك ما يسمى بالضمان الاجتماعي لمواجهة تكاليف العيش لأسرة فقيرة (ألف وثمانمائة ريال في الحد الأقصى) ..

يا دولة رئيس الحكومة (الحواجزية) إن اليمن بلاد الإيمان والحكمة لا تعرف الأيدي الرخيصة ولم تعرفها إلاّ في ظل حكومات (حواجزية) مهمتها صنع الأيدي الناهبة والمتفيّدة لأرزاق الشعب والسطو على مقدرات الوطن .. وهذه الأيدي فعلاً هي ((أيدي رخيصة)) لأنها تمتد بالعبث في أموال الأمة وتسخرها لخدمة مصالح المتنفذين الذين تبرأت منهم أنت في أول خطاب لك على منصة الوزارة ، واليوم تعود إلينا مطأطئ الرأس حاملاً لرايات الهزيمة والانكسار أمام (ضابط صغير) وضع أمامك الحواجز والمعوقات ، ثم تنسب الرُّخص إلى شعب حكومة بلد ينتج النفط وبكميات تجارية مغرية لو أنها استثمرت تحت أيدي أمينة مخلصة لشعبها ووطنها وتحب له الخير والتقدم والازدهار .

يا دولة رئيس الحكومة (الحواجزية) إن من تحدثت إليهم ـ كمستثمرين ـ جاؤا من بلد حكومة تنتمي إلى دولة النظام والقانون ، ويعلمون كيف يستثمرون مقدرات وطنهم حتى أصبحتم تنظرون إليهم كمنقذين لكم من سياسة التدمير الاقتصادي التي تديرها حكومات دولة النقاط والحواجز ، فالأولى بكم أن تسلكوا مسالك الدول التي رفضت السير في طريق الفوضاء والعبث بثروات البلاد حتى توجدوا أيدي عالمة قوية عزيزة معتزة بوطنها وثرواتها ، وأرجو أن يكون لكم قدوة في ما فعله الدكتور فرج بن غانم رحمه الله ، حتى تدخلوا التاريخ من أوسع أبوابه !! .