هناك وحدة .. فأين النظام الاتحادي ؟!
بقلم/ توكل كرمان
نشر منذ: 15 سنة و 4 أشهر و يومين
الأحد 26 يوليو-تموز 2009 04:40 م
الوحدة لا تتأتى بفعل الشطارة في ضم مساحات جديدة إلى الدولة عبر الحراب وسنابك الخيل ، الوحدة ليست أكثر من توافق طوعي على إدارة مشتركة تحفظ للمتحدين حقهم في الشراكة على أساس من العدالة والإنصاف والمواطنة المتساوية.

هناك وحدة فأين هو النظام الاتحادي ؟ ، هذا السؤال كان يجب ان يطرح قبل تسعة عشر عاما ، ولانزال في حاجة ماسة للإجابة الشافية عليه .

استغرب لما لم يتم تسمية الجمهورية الوليدة ليلة 22 مايو بجمهورية اليمن الاتحادية..للتذكير الدائم بالوحدة من جهة وبحقوق المتحدين المتساوية والمتكافئة من جهة أخرى !

الحديث عن وحدة بدون نظام اتحادي هو تجسيد لمنطق الوحدة المقدسة لذاتها بدون استحقاقات الشراكة ، وهو قبول لمنطق الغلبة و إعلاء لسياسة الضم والإلحاق المواتية دوماً للأقوى ساعداً والأكبر مكراً وتنصلا عن العهود والمواثيق . 

الإصلاح السياسي لن يتأتى أبدأ إذا كان الداعون إليه محكومون بقناعات مسبقة تم تكوينها تبعا لشحن دعائي تقليدي يرفض الاصلاح ويعادي التغيير .

لن يخطوا دعاة التغيير سنتمترا واحدا في اتجاه الإصلاح ماداموا يقيمون مشاريعهم وهم محكومون بوهم أن أنظمة الحكم الغربية غير صالحة للاستنساخ والمحاكاة هنا ، وأن نظمهم الخلاقة التي جعلتهم ينفذون من أقطار السماوات والأرض ستكون وبالا على العباد والبلاد إن أخذنا بها هنا !

إن كثيراً من القائلين بأن الفدرالية خطر على وحدة الأمة وأن الحكم المحلي أكثر أمانا للبلاد والعباد، لايقيمون ذلك بناء على دراسة موضوعية مقارنة بين النظامين وقفت على المميزات واستبانت السلبيات ، إنها الحساسية المفرطة من مصطلح " الفيدرالية " بعد أن تعرض لعقود من الهجوم من طرف واحد دون أن يجد من ينافح عنه ، وبقليل من التأمل سيدرك الرافضون هذا الأمر، سيدركون تماما ان ما يفعلوه هو استجابة غير واعية لثقافة تقليدية ترفض الجديد وتتخذ المواقف المضادة منه ، فقط لأنه جديد.

إن الذين يخوفوننا من الفدرالية لأنها مقسمة للأوطان يتناسون أن البلاد تعيش فدرالية وكنفدرالية لكن خارج القانون، الا اذا كانوا يريدون أن يقنعوننا أننا في ظل دولة السيادة فيها للقانون المركزي الواحد من أعالي سنحان حتى وادي حضرموت.

كنا سنتفهم رفضكم لو ان الحسم في البلاد لسيادة القانون بدلا عن رؤوس الثيران وبنادق التحكيم ، ولقلنا انه الخوف من الجديد غير المجرب والخشية على زوال النعمة المعاشة !

ايها الأعزاء .. الأعراف والأسلاف هي التي تحكم وهي صاحبة الأمر والغلبة ولكل أعرافه ولكل أسلافه، يحدث هذا في كل محافظات الشمال عدا تلك المغلوبة على أمرها ، في حين أن القانون يجد طريقه الى المستضعفين في المحافظات الجنوبية واخواتها في تعز والحديدة واب .

نحن أمام دولة بنظامين على الأقل ، ومايحدث في صعدة اكبر بكثير من فدرالية ،وماهو حاصل في صنعاء وحجة وعمران ومارب والجوف يحكي عن فدرالية كاملة الصلاحيات .. السيادة فيها للاعراف والحكم فيها للمشايخ والاعيان يتوارثونه كابراً عن كابر، فاين هي الدولة الواحدة ذات القانون الواحد التي تخافون عليها من الفدرالية المقسمة للأوطان!

الرفض للفدرالية في أشده يتجلى في رفض البرلمانات المحلية ، ليسمح لي الرافضون للبرلمانات المحلية بالقول ان رفضهم هذا يتصادم مع جل معايير الرشد المجربة والمتعارف عليها في الادارة الحديثة .

دعونا من مسميات "المحلية" و"الفدرالية" فالعبرة في الصلاحيات ، دعونا نسال .. هل الحكم المحلي الذي تريدونه يفضي إلى "حكومات محلية" منتخبة غير قابلة للعزل من قبل "الحاكم المركزي" ؟

وهل الحكم المحلي الذي تريدونه يضمن مشاركة عادلة ومتساوية للوحدات المحلية في السلطة المركزية ادارة وتشريعا ؟

إن أي حكم محلي بغير "برلمانات محلية منتخبة " يعني فقط أننا خلقنا رؤساء مصغرين غير قابلين للحساب ، وأتينا بمسؤولين لكن دون مساءلة!

"إدارة الإقليم أو الحكومة المحلية " من سيراقب أداءها ، من هي الجهة التي ستقر الموازنة المحلية ؟ ومن سيقر الحساب الختامي؟ ، ومن سيسائلها عن الاخفاق في تنفيذ خطط التنمية والموازنات السنوية وعدم الكفاءة والفشل ؟

"مجلس النواب الوطني" يقوم بتلك الوظائف تجاه الحكومة المركزية، في حين أن "البرلمانات المحلية" تمارس نفس الوظائف تجاه الادارات أو الحكومات المحلية.

أيها السادة .. إنكم تقترحون أن تكون الإدارة المحلية سواء أكان المحافظ او حكومة الإقليم هي من تخطط وتنفذ وتراقب وتقيم وتحاسب ، هي من تمارس صلاحيات التنفيد ومن يمارس صلاحيات المساءلة عن الفشل في التنفيذ، وهذا أمر لا يستقيم ..! معايير الرشد تقول أنه لا يصح ان تنفذ وان تراقب في آن ، ولا يصح ان تتحمل المسؤوليات وأن لاتطالك المساءلة !

ايها السادة .. لا محيص من برلمانات محلية منتخبة تقوم بدورها في مساءلة المسؤولين المحليين على الفشل وتسحب الثقة منهم على عدم الكفاءة ، ضعوا ذلك في مبادرتكم للإصلاح حتى لاتكون مثار سخرية وتندر لمجافاتها للمنطق والمعقولية.

علينا أن نقول بثقة أن العالم المتمدن لم يعرف غير الفدرالية والنظام الاتحادي كآلية أكثر نجاحا لحفظ وحدة الأوطان وحفظ حقوق الأطراف المتحدين ، ولضمان شراكة المواطنين العادلة في السلطة الاتحادية وفي إدارتهم الذاتية لشؤونهم المحلية ، إذ لاشراكة مجتمعية واسعة في إدارة الثروة والتنمية والقرار بغير النظم والآليات الفدرالية المتعارف عليها .

وإن لم يكن الحكم المحلي ترجمة عربية لـ " الحكم الفدرالي" ، مع التطابق التام في الصلاحيات والآليات ، فهو كذبة كبرى تقال وتجد لها أذان صاغية لدى أنظمتنا المستبدة لتلهينا عن استحقاقات المشاركة القادمة عبر الفدرالية والانظمة الاتحادية المجربة فقط في بلاد العم سام ومن اهتدى بهديهم من الإخوة في تركيا وباكستان والهند وماليزيا واندنوسيا .