الشعب هو الذي قبل بأن تزييف إرادته
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 18 سنة و شهرين
الأحد 24 سبتمبر-أيلول 2006 02:14 ص

" مأرب برس - خاص "

حتى أنه من الظلم الآن أن نقف نتذمر ونرفض هذه النتائج المهجنة ، بل من السخف إطلاقا أن نتفرغ لكتابة المقالات اللغوية ونتفنن في هجاء الحزب الحاكم وقيادته الأثرية ، فهذه مرحلة انتهت عندما كنا نعتقد أننا نخاطب شعب يفقه ولو شيء بسيط من حقوقه ، شعب مل الفقر والجهل والمرض .

" مأرب برس - خاص "

حتى أنه من الظلم الآن أن نقف نتذمر ونرفض هذه النتائج المهجنة ، بل من السخف إطلاقا أن نتفرغ لكتابة المقالات اللغوية ونتفنن في هجاء الحزب الحاكم وقيادته الأثرية ، فهذه مرحلة انتهت عندما كنا نعتقد أننا نخاطب شعب يفقه ولو شيء بسيط من حقوقه ، شعب مل الفقر والجهل والمرض .

ظاهريا ولأول وهلة قد يلاحظ المراقب الزخم الكبير من قبل المواطنين نحو الإقبال على صناديق الاقتراع سواء كانوا رجالا أو نساءً ، ومن يشهد هذا المنظر حتما سيحكم بوعي الشعب وتقديره لحق التصويت وحرية اختيار من يراه مناسبا لنفسه ولأجياله ولوطنه .

هذه الصورة المثالية ستهتز مرات عدة حين نعرف أن كل هذا الزخم أفرز ذات النتيجة القابعة على صدرونا منذ 28عام وذات القيادة الفارغة من كل شيء إلا من ثقافة التدمير الممنهج لكل جميل في بلادنا .

إذا نحن كنا نبحث عن نسبة تحفظ ماء الوجه ولا نبحث عن فوز كنا نمني النفس به ، بل نرى أن طموحات المعارضة كانت عالية مقارنة بالمعطيات التي تمتلكها وبالمجتمع التي تسبح في داخله ، والنتيجة الحالية ورغم أني توقعتها جدا إلا أنها هزتني كثيرا وجعلتني أحاول إعادة المفاهيم نحو قراءة المجتمع اليمني وكيفية فك أحجيته من جديد ، فلا أحد يستطيع أن يزور إرادة شعب مهما أمتلك من قوة إلا في حال كون هذا الشعب راضي بهذا التزوير ومساهم به وبشكل أساسي .

لذا لابد من رجعة ومراجعة ، ولا بد من إعادة النظر من جديد وبشكل مغاير ومختلف عما كان مستخدم في الماضي ، فالأساليب التي تفشل مرة واحدة من الصعب توقع نجاحها في المرات القادمة ، وأسباب الفشل لا يعني أن المفاهيم التي نحملها خاطئة أو ظالمة ،ولكن المتلقي لهذه الأساليب لم يستطيع أن يفهمها جيدا أو يستوعب أهدافها .

قال سفير أمريكي سابق في اليمن أن اليمن ليست قبائل فقط بل هي خليط من قبيلة وحداثة وعلمانية وإيديولوجيات مختلفة وأن التعامل معه يجب أن ينطلق من خلال تنوعه لا إنفراده بميزة واحدة ، وهذه رؤية قد تكون حقيقية إلا أنها لا تشكل كل الحقيقة خاصة إن كانت نتائج الانتخابات كما هي عليها الآن .

فقوى الحداثة والتقدمية قد انحازت كما هو واضح للمعارضة والمتمثلة في الاشتراكي والناصري والذي تمثل الواجهة الثقافية التقدمية ، لكن تبقت القوى القبلية والدينية والتي مالت بقوة نحو النظام الحاكم والمتمثلة بعبد الله بن حسين الأحمر شيخ مشائخ حاشد وعبد المجيد الزنداني الداعية الإسلامي المعروف _ طبعا نحن هنا نحاول قراءة الخارطة السياسية بمنأى عن الأدوات القسرية الأخرى التي أستخدمها النظام الحاكم  _ مما أدى إلى شرخ واضح في حزب رئيسي داخل المعارضة وأثر على أدائه وأفقده أهم أدواته التي كان يعمل من داخلها ، أن حزب الإصلاح وهو الحزب الأكثر تنظيما ونشاطا ومقدرة على الاندماج مع المجتمع أصبح ونتيجة لمواقف بعض قادته القبليين والدينين أضعف بكثير مما كان عليه عام 1998م حين أعلن أن مرشحه للرئاسة علي عبدا لله صالح ، ونتيجة لهذا التمزق فمن الطبيعي أن نخرج من الانتخابات الرئاسية بمثل هذه النتيجة .

مهما حاول الجندي ذاك الرجل الذي لم يعطي للعالم سوى صورة بسيطة وساذجة عن نفسه والذي يظن أنه يمتلك مقدرة على تزييف الحقائق بشكل اهتبالي ، أقول مهما حاول الجندي ذلك فالحقيقة تقول أن المعارضة إضافة إلى مشاكلها الداخلية ، خاضت معركة نضالية ضخمة وعظيمة ضد مقدرات دولة مشكلة من جيش وأمن وإعلام ووسائل اتصال وشعب جاهل وخزينة مال عام ، خاضتها بكل شجاعة تستحق عليها الاحترام والتقدير ، وأن هذه المعارضة هزت ولأول مرة عرش الأسرة الحاكمة مما جعلها تبدوا أكثر عنفا وأقل حياءً في التعامل مع هذا الاستحقاق بل جعلها تصرف ببذخ على القبائل ومجاميع المواطنين أموالا ليس من حق أحد أن يصرفها ، وهذه أهم نقطة يجب أن نتوقف أمامها بمعزل عن باقي الأسباب الأخرى الوجيهة ، لأنه لولا صرف المال النقدي على المواطنين في هذه الانتخابات لما كان لأي نظام مهما كان مستبدا أن ينجح .

إذا لماذا الشعب يقبل الرشوة بهذا الشكل حتى على حساب مستقبله ... وهل يعي الشعــب فعلا لفظة "مستقبل" وإن كان يفهمها ، فماذا تعني له ؟

الرشوة وبطبيعة الحال هي كلمة تندرج تحت مسمى أكبر واشمل وهي ( الفساد ) وهذا الفساد هو المعترك الأول الذي جعلنا نقف ضد نظام المؤتمر ، كون أن هذا الفساد شكل ثقافة تنموية ( فردية ) لهم على حساب الآخرين ، ولطول هذه المدة التي حكم بها المؤتمر تحت قيادة صالح ، أصبح الفساد عنصر أساسي في تشكيلة الوعي لدى الإنسان اليمني وذلك باعتراف صالح بنفسه ، بل ربت أجيال متلاحقة تحته حتى صارت ضمن مفاهيم الرجولة والنبوغ ، وصار استغلال الوظيفة العامة للثراء هي أولى الأولويات .

صار المجتمع اليمني _ نتيجة وليس سبب _ يفتقد للقيم المتعارف عليها مثل الأمانة والنخوة والشهامة ، وصار سطحيا في مفاهيمه يقاد كيفما أمكن من خلال مداعبة وقتية لرغباته المادية البسيطة على حساب مصالحة الإستراتجية والطويلة الأمد . هذه المفاهيم إضافة إلى عوامل تغذيها أمية و تعليم مشوه ناهيك عن الفاقة والحاجة المستمرة للقمة العيش أو الهجرة خارج الوطن ، صارت للأسف أداة مهمة للنظام الحاكم في وقت به من المفترض أن تكون المعارضة هي الأولى باستخدامها لإسقاطه ديمقراطيا.

الشعب اليمني لا يفهم ولا يريد أن يفهم بأنه كشعب وكإنسان من حقه أن يجد حياة أفضل مما هو عليه ، وهذا الشعب من حد إفراطه بالجهل وتفاخره بالقيم السلبية صار لا يدري عما يدور حوله وغدا كالببغاء يردد شعارات الفداء بالدم والروح لزعيمه الذي يرتدي أفخر أنواع الملابس ويتنقل بأغلى السيارات في العالم بينما معظم من حضر هذه المهرجانات يرتدون ملابس لم يستبدلوها منذ زمن طويل أو حتى أنه لا يمتلك النقود لكي يقوم بحلاقة شعره أو ذقنه ، إن شعب يتصرف مثل هذه التصرفات ويقبل الرشوة المادية لأجل أن يبيع صوته لجلاده ، من الصعب أن يقنع أحد بأنه يريد الخلاص وأن إرادته زيفت رغما عنه .

هذا ليس مدعاة للاستسلام بقدر ما هي دعوة لإعادة النظر في فقه النضال ، ولفهم حقيقي وواقعي لما هية هذا الشعب دون أن نقسو عليه أو نترفع عنه أو نهينه ، فهو في المقام الأخير منا وفينا وأن هذا العمل لأجله مثلما هو لأجلنا ولأجل أطفالنا في المستقبل ، والمرحلة القادمة يجب أن يعد لها من الآن نحو إعادة مفاهيم مفقودة في المجتمع اليمني إن أردنا فعلا التغيير نحو الأفضل ، فالشعب سيكون في واد ونحن في وادي آخر إذا لم نصر على إفهامه بأن الخير له هو تغيير النظام الحالي سلميا ، وان الثقافة السائدة هي ثقافة انحطاط وتخلف وهي من تجعله في وضع مختلف عن باقي أوضاع الشعوب الأخرى ، وأن المسئول عن هذا الوضع هو صالح وأتباعه .

التجربة التي خاضتها المعارضة يجب أن لا تندم عليها إطلاقا ، فمن الصعب بل من المحال أننا كنا نتصور أن صالح سيذعن ويتنازل سلميا ، ولكن الفوز الحقيقي للمعارضة هي تلك المقدرة التنظيمية التي نافست الحزب الحاكم ، وكمية الحشد الطوعي الذي فضح التزييف الذي حدث ، وحقيقة تعتبر هذه الانتخابات هي الخطوة الأولى التي تحدث في الوطن اليمني ،وعليه فمن الصعب أن يحدث تغيير من أول تجربة ، مما يعني أن الطريق مازال طويلا وأيضا يعني أن التضحيات والصمود لم تبدأ بعد .