هل ستنزع ايران القناع عن وجهها
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 15 سنة و 5 أشهر و 3 أيام
الأربعاء 24 يونيو-حزيران 2009 03:07 م

تسرب إلى يداي قبل فترة كتاب يتحدث عن عودة المهدي المنتظر ، وكان الكتاب من الطرافة التي أكد فيها بأن الرئيس الإيراني الحالي أحمدي نجاد سيكون هو قائد القوات المسلحة الخاصة بالمهدي المنتظر المتوقع خروجه قريبا و الذي سيجوب العالم ليحررها من قوى الاستكبار والظلم .

هذا الكتاب ومثله كثير لا يمكن الاستخفاف به مهما أحتوى من خرافات لأنه منتشر بين عامة الناس بلغة بسيطة تداعب مخيلتهم الطفولية وتختطفهم إلى عالم غير حقيقي ومختلف ، عالم تستطيع فيه أن تحقق كل أمانيك بدون أن يرف لك رمش وأن تعيش بشكل مختلف عما تعيشه الآن ، ولعل مثل هذه الكتب تفسر لنا شعبية أحمدي نجاد في القرى والأرياف وهي الفئة المستهدفة و الخصبة لتقبل مثل تلك الروايات الأسطورية ، بينما قد نلحظ بأن شعبية الإصلاحيين منتشرة بين الشباب الجامعي الذي سئم هذه الخرافات وشعر أنها طوق يكبل يديه وحريته وفكره .

الغريب في الأمر أن الصراع الإيراني الإيراني هو بين أطراف الثورة نفسها ألتي طالما تشدقت بأنها هي خيار الشعب الوحيد ، وذلك بعدما قامت بتصفية كل خصومها بعنف وبشدة ، ولم يكن أحد يتوقع بأن الخلاف سيكون بين جناح يدعي أحدهما بأنه محافظ والآخر بأنه إصلاحي ، وكلى الجناحين يرتدي عمامته وجلبابه ويتحدث بنفس اللهجة واللغة ويحمل مدلولات خطابية واحدة لا تختلف عن الأخرى إلا في بعض الهوامش ، ويعتقد الكثيرون أن أس الخلاف الجوهري والحقيقي بين أقطاب النزاع في إيران و الذي يحاول الجميع إخفائه هي بدعة ما تسمى " بولاية الفقيه " التي تعتبر أسوء أنواع الديكتاتوريات والمستنسخة من العصور الوسطي البابوية حيث أن الحاكم ما هو إلا ظل لله على الأرض وأنه منفذ رغبات السماء التي في طبيعتها دوما تسعى للعدالة ، و صاحب الولاية وبما أنه ممثل رسمي لقوى غير مرئية فلا بد له أن يمتلك مقدرات مختلفة عن باقي البشر وهذا لا يمكن حدوثه دون صلاحيات مطلقة تجيز له تقرير مصير الشعب الإيراني برمته حسب ما تقتضيه الحاجة ومن تلك القرارات اختيار رئيس مناسب يستمر في مقارعة الشياطين في أرض المعمورة .

نظام قائم على هذه التصورات القروسطية لا يمكن بأي حال من الأحوال وصفه بنظام ديمقراطي حتى وأن كانت هذه الديمقراطية له سمات وخصوصية متفردة عن الديمقراطية المتعارف عليها عالميا ، فما جدوى أن يخرج شعب بأكلمة ويزج به في طوابير طويلة وتصرف الملايين من المال العام وتشل الحركة في البلاد لأجل التصويت على رئيس لا يملك من الصلاحيات إلا ما يسمح له صاحب الولاية بعمله ، هو حتما أمر وأن أستمر ثلاثون عاما فلا بد له أن يتوقف كما يحدث الآن .

لكن ما تأثير ذلك على المنطقة وعلى العرب تحديدا ، خاصة أن العرب تضرروا كثيرا من التدخلات الإيرانية ، وكانت الأكثر ألما هو ما فعلوه في العراق ، وكيف أن إيران متورطة في إثارة النعرة الطائفية وكيف تستغل أوضاع العراقيين لتوسعة نفوذها وتحطيم أي محاولة جادة لإعادة بناء هذا البلد العربي العريق وكم حاولت عبر عملائها نزع هذا البلد عن عروبته وهويته وإلباسه لبوسا طائفيا بغيضا حتى تلحقه بها من باب الولاية عليه ، وربما الثورة الحالية في إيران أن كتب لها النجاح ، ستساعد العراقيين كثيرا بتدبر شئونهم دون تدخلات سلبية ، كما ستمنح الكثير من القضايا العربية المتأزمة شيء من العقلنة وتعيد الهدوء إلي المنطقة وتسمح لأصحاب الفكر التنويري الديمقراطي الحقيقي بالظهور مرة أخرى بعيدا عن التحدث بلكنة طائفية بائسة ، فالخطاب الطائفي لم يظهر كركن أساسي في المفردة العربية منذ زمن طويل كما هو كائن الآن وهذا ما كان له أن يحدث لولا تورط إيران في العراق وخلقها بؤر مذهبية حتى تجد لها موطئ قدم في هذا البلد العربي المتمدن .

كما أن إيران تبدوا لنا و بشكل غير معتاد ضعيفة وهشة مع أجيال تربت على الثقافة الأبوية حالها كحال العرب ، إلا أنها تبدوا أكثر قمعا وعنفا عن سواها في تعاملها مع طرف من أطراف حكمها ، مما يعطي انطباع بأن الانفتاح إن نجحت ثورته الحالية سيكون له مع العرب أثرا إيجابيا وأكثر تعاونا وسلاما على المنطقة ، فنسخة إيران النجادية وخطابها المتشنج تجاه العرب وعملها الغير أخلاقي في العراق واحتلالها الجزر الإماراتية وتهديدها لأكثر من مرة للملكة البحرين يجعلها في نظر المواطن العربي أسوة بإسرائيل التي هي الأخرى تحتل بقعة عربية وتعيث فسادا في شعبه ، لكن إيران تزيد عن ذلك بخطابها المذهبي ومشروعها التي تصر على تصديره إلى المنطقة والمبنى على خلفيات تاريخية وعرقية بغيضة .

بمزيد من الإعجاب نرقب شجاعة الشباب الإيراني ومناهضته للاستبداد الديني والغلو المذهبي ، وبمزيد من الترقب نأمل أن تنجح هذه الثورة الإصلاحية وتنتزع الديناصورات من سدة الحكم لتمنح إيران نفسا أكثر شبابا ومصالحة مع نفسها أولا ومع من حولها ثانيا .