الشيخ الزنداني - شخصية وسطية تظلمها السياسة
بقلم/ مصطفى الصبري
نشر منذ: 16 سنة و 8 أشهر و 28 يوماً
الخميس 28 فبراير-شباط 2008 12:38 ص

يتمتع الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني الذي يعد واحدًا من رواد الصحوة الإسلامية المعاصرة في اليمن بالقدرة على الإقناع وعرض الحجة ، وأسلوب راقي ومرن في طرح أفكاره
وبهذه الميزة ترك الشيخ / الزنداني بصماته في أكثر من ميدان من ميادين العم ل الإسلامي الواسعة؛ وهو ما جعله محط إعجاب الكثيرين ومحط غيظ آخرين أيضا. يُعد هذا الشيخ السبعيني -المولود في عام 1942م- الذي ذاعت شهرته الآفاق.. واحدًا من رموز حركة الإخوان المسلمين، وأحد أبرز قيادييها المعاصرين الذين اتسموا بخط فكري معتدل وواضح يجمع ولا يفرق ويوحد ولا يشتت؛ وهو ما أكسبه حب وتعاطف معظم تيارات العمل الإسلامي المختلفة.

ولخطاب الشيخ قبول كبير في أوساط تيار كبير من أبناء الحركة الإسلامية المعاصرة لما يتميز به هذا الخطاب من الوسطية والاعتدال والدعوة إلى الوحدة ونبذ العصبية والتشدد، والعمل على توحيد الجهود وجمع الصفوف تحت راية واحدة هي راية الإسلام الكبير الجامع لكل هذه التيارات.

الشخصية الكاريزمية القوية التي يتمتع بها الشيخ؛ جذبت كثير من الأشخاص إلى صفوف الحركة الإسلامية ؛ حيث يتمتع بقبول واسع وشعبية جماهيرية كبيرة على امتداد العالم الإسلامي؛ فقد كان لخطابه المعتدل دور كبير على كسب أكبر قدر كبير من أبناء الحركة الإسلامية وأنصارها وغيرهم، خاصة في فترة الثمانينيات حينما احتدم الجدل الدائر بين التيار الإسلامي والتيار العلماني الذي استطاع خطاب الشيخ الزنداني العلمي تحقيق مكاسب كبيرة على حساب هذا التيار.

ولا يرى الشيخ الزنداني نفسه فقيها؛ بل داعية إلى الله فحسب، من خلال الجهد العظيم الذي بذله في ميدان الإعجاز العلمي في القرآن والسنة؛ حيث يعد أحد أبرز مؤسسي هذا العلم؛ فقد كان له شرف التأسيس والإشراف على أول هيئة للإعجاز العلمي التي تأسست كأحد فروع رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في بدايات ثمانينيات القرن الماضي وعين رئيسا فخريا للهيئة حتى الآن .

الوسطية سجية وخلق

ليس من قبيل التكلف القول بأن الوسطية هي المنهجية المسيطرة على شخصية الشيخ عبد المجيد الزنداني على امتداد مشواره الدعوي الطويل وفي كل مراحله. ويأتي مشروع جامعة الإيمان التي أسسها الشيخ عبد المجيد في عام 1994م بمثابة ثمرة من ثمرات المنهج الوسطي المعتدل الذي يمثله ويتبناه الشيخ؛ تلك الجامعة الإسلامية النموذجية التي وُضعت مناهجها بإشراف من قبل عدد من كبار علماء المسلمين المعتبرين كالشيخ الدكتور يوسف القرضاوي والشيخ عبد العزيز بن باز وغيرهما. تربي أبنائها على الاعتدال حيث تدرس المذاهب الأربعة الفقهية المعتبرة دراسة غير إلزامية؛ وهو ما يدل على مركزية الوسطية في فكر الشيخ من خلال السعي للتقريب بين مختلف وجهات النظر بين هذه التيارات من أجل إزالة رواسب وحساسيات الصراع المذهبي المقيت في الماضي.

وفي سبيل ذلك تعرض الشيخ وجامعته للعديد من الانتقادات التي هاجمت الجامعة ووصمتها بالتفريط بالدين تارة من قبل جماعات إسلامية متشددة، والتطرف والإرهاب تارة أخرى من قبل خصومه السياسيين. ولم يكتف الشيخ بدعوته لتوحيد جهود العاملين للإسلام بل راح يوضح ويدعو إلى أهمية الحوار مع الآخر المختلف معه دينا كالنصارى وغيرهم مشددًا على أهمية دعوة هؤلاء لما يمثلونه من فتح جديد لهذا الدين.

ومن الإنصاف أيضا القول بأن الشيخ الزنداني كان صاحب السبق في الدعوة للحوار مع الآخر؛ إذ كان صاحب تجربة ثرية في هذا الجانب أكسبته خبرة ودراية مكنته من الوقوف على مجمل التحديات التي تواجه الدعوة الإسلامية المعاصرة.

فلم يكن توجه الشيخ عبد المجيد إلى قضية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة إلا كوسيلة عصرية تتواءم مع مجمل التغيرات العلمية والفكرية والثقافية التي يمر بها عالم اليوم؛ فحقق نجاحًا كبيرًا في هذا الجانب من خلال عدد من البرامج كبرنامج 'إنه الحق' الذي كان عبارة عن حوارات مع عدد من العلماء الغربيين في مختلف الميادين العلمية.

ولا شك أن الاهتمام الكبير الذي يوليه الشيخ في هذا الجانب هو نتيجة قناعة ذاتية لديه نابعة من إيمانه بجوهرية هذه القضية الإيمانية البحتة، خاصة في عالم اليوم الذي تغيرت الكثير من آلياته ومفاهيمه التي طغت عليها الآليات المادية التي وصمت ثقافة العالم الغربي بفلسفة مادية مفرطة لا تؤمن بالغيبيات إلا بالدليل والبرهان المادي على صدقية هذه الحقائق الإيمانية الغيبية البحتة.

مثل هذه الإشكالية الفكرية والفلسفية تنبه لها الشيخ الزنداني مبكرا؛ فقاد حملة إيمانية علمية مدروسة من خلال هيئة الإعجاز العلمي في هذا الاتجاه ليرد من خلالها الاعتبار للكثير من القيم الإيمانية الغيبية التي أوشكت على الذوبان والاختفاء في زحمة الأفكار المادية المعاصرة فتحقق نجاح كبير، كان إسلام عدد من العلماء الغربيين على يديه أحد أوجه هذا النجاح.

الوسطية منهج لا تكتيك

هناك من السياسيين من يرى أن الوسطية التي يتبناها الشيخ اليوم ما هي إلا إحدى مناوراته للخروج من محنته التي وقع فيها من خلال إدراج وزارة الخزانة الأمريكية لاسمه ضمن قائمة ممولي الإرهاب منذ عام 2005م؛ بحجة أنه كان من ضمن كبار قادة المجاهدين إبان الجهاد الأفغاني طوال فترة الثمانينيات.

إلا أن المتابع لمشوار الشيخ الدعوي والسياسي يجد تفنيد مثل هذا الاتهام؛ حيث إن الشيخ يسلك طريق الوسطية كمنهج وليس كتكتيك سياسي كما يدعون؛

 فقد دخل الشيخ المعترك السياسي كصانع قرار منذ إعلان قيام الوحدة اليمنية في مايو 1990م، وصال وجال في المعترك السياسي وخاصة في سجاله وخصومته للتيار العلماني ؛ فطوال هذا المشوار لم يفجر الشيخ في خصومته لهذا التيار رغم ما لاقاه من خصومه من تهم وتلفيقات كاذبة لا أساس لها من الصحة؛ بل تسامى وترافع أن يسف في خصومته لهم.

حينما دخل الإسلاميون المعترك الانتخابي وفازوا فيه ، وكان من مقتضيات هذا الفوز المشاركة في الحكومة حيث مثلهم الشيخ الزنداني كأول إسلامي عضو في مجلس رئاسة الجمهورية لإيمانه بأهمية الحوار والقبول بالآخر المختلف معه سياسيا أو حتى فكريا، رغم دعوتهم -أي الإسلاميين- حينها لمقاطعة الاستفتاء على دستور دولة الوحدة.

كل هذا في الوقت الذي كان يروج فيه خصومهم أن الإسلاميين لن يدخلوا أو يشاركوا في حكومة يشاركهم فيها العلمانيون؛ بل صوروا دعوة الإسلاميين لمقاطعة الدستور حينها على أنها معارضة لإعلان الوحدة. وكل ما كان في الأمر حينها أن دعوة الإسلاميين -وعلى رأسهم الشيخ عبد المجيد الزنداني- لمقاطعة الاستفتاء على دستور الوحدة كانت نابعة من تحفظهم حول بعض مواد هذا الدستور؛ كالمادة الثالثة فيه التي كان يريدها الإسلاميون أن تنص على أن 'الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع'، في حين كان نص المادة أن 'الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساس للتشريع'.

وسطية تظلمها السياسة

لقد ظُلم الشيخ الزنداني من قبل بعض السياسيين ظلمًا كبيرًا لا لشيء إلا لما يطغى على مفهومه السياسي من أخلاق يفتقر لها الكثيرون، وبالتالي سهُل عليهم الخوض في شخصيته والتشكيك في مواقفه دون أدنى اعتبار من ضمير أو وازع من دين، دون هدف لهم سوى الكيد السياسي الرخيص الذي كان إحدى نتائجه إدراج اسم الشيخ على قائمة وزارة الخزانة الأمريكية لممولي الإرهاب.

فأصبحت شخصيته مادة إعلامية دسمة تجلب للمطبوعات الصحفية الكاسدة رواجا كبيرا بمجرد نشر صورة الشيخ عليها.

فقبول الشيخ للعمل السياسي وفق توجه ديمقراطي تعددي أجَّج العديد من مشاعر العداء تجاهه من بعض التيارات المتشددة التي وصلت إلى حد تفسيق الشيخ الذي وقف ثابتا أمام هذه المهاترات والمماحكات، دون أن يكلف نفسه حتى مجرد الرد. إذ كان يرى الشيخ الذي كان يكِل أمر كل من يهاجمه إلى الله أن مجرد الرد يحقق أهداف من يقف وراء تشتيت الأمة، وأن الرد -برأيه- لا يخدم غير دعاة الفتنة والتنافر من أعداء الحركة الإسلامية والإسلام عمومًا.

هذه الشفافية السياسية التي أعلنها الشيخ وأعلنتها معه الحركة الإسلامية اليمنية كانت بمثابة الرد العملي القاطع على أصحاب البلبلة السياسية والتخرصات الكاذبة التي تصم الإسلاميين -وفي مقدمتهم الشيخ الزنداني- بالأمية السياسية، أو إن صح التعبير الانتهازية السياسية من خلال رفعهم شعار 'الدين في مجتمع إسلامي، كل ما فيه مسلم بالفطرة'.

إن المتتبع لمسيرة الشيخ الزنداني المختلفة لن يعدم مواقف وسطية جليلة خلال مشوار الشيخ الدعوي الطويل، إلا أن هذه الوسطية لم يتم النظر إليها إلا من خلال توجه الشيخ السياسي الذي أشعل في صدور بعض السياسيين الكثير من الحقد والكيد لمواقف الشيخ التي غُمطت كثيرًا بفعل التنافس السياسي غير الشريف من قبل الخصوم.

هذه السياسية العدائية هي -بلا شك- كانت وراء رسم صورة متشددة ومتعصبة للشيخ في أذهان الكُتاب الغربيين وتقاريرهم الصحفية التي تستقي كل معلوماتها من الإعلام الحزبي لخصوم الشيخ.

العجيب في الأمر أن هؤلاء ما إن تتأزم الأمور في وجوههم حتى يهرعوا إلى الشيخ يستجدون منه موقفا يسعفهم مما وقعوا فيه من فشل، فتجد الشيخ لا يألو جهدًا في تصحيح ما وقعوا فيه من أخطاء سياسية قاتلة، وما إن تنتهِ أزماتهم حتى يعودوا إلى ما كانوا عليه.

ومن المواقف الوسطية التي اتسمت بها شخصية الشيخ موقفه من ترشيح المرأة في مجلس شورى حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي كان يحتل الشيخ فيه منصب رئيس مجلس الشورى حتى 2006م، وقد احتدم النقاش حول هذه القضية في مؤتمر حزب الإصلاح الثالث في عام 1998م، وكان هناك تباين بين موقفين؛ يرى الأول أنه لا يجوز صعود النساء لعضوية هذا المجلس باعتباره ولاية عامة، ويرى الثاني عكس هذا الرأي، وعند إخضاع القضية للتصويت بعدما أجلى كل طرف حجته كانت الأغلبية مع ترشيح النساء لهذه العضوية، فنزل الشيخ عند رأي الأغلبية.

صحيح أن الشيخ الزنداني منشغل جدا بكثير من القضايا التي يأتي في مقدمتها تفرغه لقضية الإعجاز العلمي التي كرس جل جهوده فيها، إلا أن له لفتات فقهية غاية في النباهة تُنبئ عن تأصيل فقيه ودراية علمية واسعة ووسطية واعتدال فكري كبير، ومع هذا لا تعرض هذه القضايا من قبل الشيخ كفتوى؛ لأنه لا يضع نفسه في موقع المفتي.

ومن أبرز آرائه الفقهية الوسطية التي أُثير حولها الكثير من الجدل قضية الزواج الميسر أو ما أُطلق عليه حينها بـ'زواج فرند'؛ هذه القضية التي أخذت عن الشيخ وكأنها فتوى رغم توضيح الشيخ لموقفه منها، وذلك بقوله: إنه كان مجرد رأي أو مقترح طرح للنقاش كحل لظاهرة باتت تؤرق الكثير من المسلمين المقيمين في الغرب.

ورغم ذلك هوجم الشيخ كثيرًا من قبل البعض على رأيه هذا، ولم يسكتوا عنه إلا بعد صدور فتوى أقرت هذا الاقتراح من قبل مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بجدة، وكذا مجلس الإفتاء الإسلامي الأوربي برئاسة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي.

ومازال الزاندني يواصل مشواره في خدمة دعوته من خلال تدريسه ومحاضراته وخطبه الإيمانية .متواريا عن الملعب السياسي