آخر الاخبار
ليهنئكم العلم.. أهل الحكمة
بقلم/ سارة مبارك
نشر منذ: 16 سنة و 7 أشهر و 16 يوماً
الخميس 10 إبريل-نيسان 2008 09:10 م

مأرب برس – خاص

لعل حقيقة العجز الأدبي والعلمي الفاضح والأميّة الفكرية العميقة والسعي المتعثر نحو إبداع مواكبة يمنية لتحولات العصر لم تكن بمثل هذا الوضوح الذي برز جلياً مؤخراً، وذلك من خلال متابعتنا لأحداث أنشطة " مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة " وهي مؤسسة خيرية أهلية محلية..وكانت ـ منذ أيامٍ قلائل ـ قد احتفت بأهم فعالياتها بالإعلان عن نتائج جوائزها في العلوم والآداب في دورتها الحادية عشر ؛ ولست هنا بصدد التحقق من تأريخ المؤسسة ولا أهليتها لرعاية أحداث ثقافية وعلمية ولا التشكيك بصدق نواياها ، إنما أجدني أعترف - عند وقوفي على حدثٍ كهذا - أننا شعبٌ معجبون بأنفسنا أيّما إعجاب ، بل ولعلنا الشعب الوحيد الذي يجاهر بنقائصه ولا يتحرج من إبراز سوءاته أمام الملأ ! فمع أمية تقارع 40% من السكان إلى حجب جوائز مؤسسة محلية متواضعة الصيت و الإمكانيات حجباً يثير الدهشة والرعب في آن واحد !!.

حُجِبت الجائزة عن كل المجالات الثمانية عدا العلوم الإسلامية التي ذهبت إلى جنسية غير يمانية ! فهل كان ضمن شروطهم لنيل الجائزة أن يكون العمل المرشح لها عملاً هائلاً بكل المقاييس (كي يتطابق مع اسم مانح الجائزة "هائل"!) ، تتجسد فيه طموحات نخبة منتقاة من صفوة ممثلي العلم والفكر والأدب في عالمنا العربي ؟!

هل كانوا يخططون لتحقيق ما هو فعلاً متاح، أم ما هو ضروري، أم كانوا يخططون في ضوء تصور واقعي وعلمي للحقائق، أم في ضوء ما آمن به العقل اليمني، مثالي المنطق ؟؟!!.

هل وضعوا نصب أعينهم عندما فكروا بتخصيص جائزة للعلوم الطبية مثلا أننا نقوم بتصدير مرضانا بمختلف علاتهم إلى دول الجوار الرحيمة بنا وذلك لعجزنا عن علاجهم ولغياب أبسط أدوات التشخيص الإكلينيكي، هل غاب عنهم أن هيكل هيئة التدريس في كلية الطب التابعة لجامعة صنعاء لا يضم سوى طبيباً واحداً – فقط - يحمل لقب " أستاذ " في أمراض النساء والتوليد، وواحداً – فقط - في الأمراض الباطنية الخاصة، و اثنين في مجال طب الأطفال ؟!.

هل تأكدوا قبل تخصيص جائزة الهندسة والتكنولوجيا أننا لم ننهِ بعد مشروع الترسانة النووية المشترك مع الصديقة أمريكا ؟!

هل عجز مثقفونا و أدباؤنا و مهندسونا و أطباؤنا عن استيفاء تلك الشروط الهزيلة لنيل جائزة كهذه ؟.. هل أصبح ضربا من الخيال أو الغباء أن يأمل أحدنا أن رجلا أو امرأة يمنيين بوسعه أن يضع يده في يدي ملك سويدي في اليوم العاشر لآخر شهر من سنة ما ؟!

وفوق كل ذلك، ومهما طرحنا من تساؤلات لا نهاية لها، فينبغي الاعتراف بأن تقييم المعرفة ليس خيارا عقليا يتخذه المرء وقتما أراد أن يفرد له جائزة أو يشهر له درعاً أو وساماً، وليس هو بالحدث الذي ينفجر من غير حساب أو تخطيط، بقدر ما هو شيء يولد بعد مخاض طويل.. و نحن في بلد كاليمن نشكّل مجتماً شاباً من حيث أغلبيته العددية، فحريٌ بهذا التشكيل أن يكون ثروةً نغترف منها لصياغة حاضرٍ زاهرٍ والإعداد لمستقبلٍ أكثر ازدهارا!.. لكن مع الأسف الشديد يتم إهدار هذه الثروة وتبديدها بوعي وبغير وعي !

ومع تعاقب الحكومات وتكاثر وعودها وأحلامها الزهرية التي أصابتنا بعمى الألوان فلم نعد نرى إلا سواداً وظُلمةً حالكين .. ومؤخراً قيامها بقمع شبان تظاهروا حنقا على منعهم من الالتحاق بالجيش بغية حماية هذا الوطن الذي لا يحوي شيئا ثمينا ولا كنوزا يُخشى عليها من السطو تلزم السهر والذود عنها !! فمن الذي سيجرؤ بعدها على المطالبة مثلاً بإنشاء مركزاً للأبحاث النووية والطاقة الذرية، أو مجمعاً طبياً ضخماً على أعلى مستوى من التجهيزات العالمية، أو سوقاً مالية لها مكانتها إقليميا؟!

إن أمور العالم في هذا المفترق الزمني الجديد في حاجة إلى بعض الحكمة، وأمورنا نحن اليمانيين في أمس الحاجة إلى كل الحكمة المختزنة لدى البشر لنتخلص من كل هذا الجمود الفكري الذي نعانيه والذي أدى بنا إلى إهمال جوانب التفكير و إعمال العقل في النظر إلى حاجاتنا ومشكلاتنا، فمازلنا نعيش مرحلة الانبهار بمنجزات الحداثة وما بعدها وبسرعة توالدها وتجددها وبإفرازاتها عميقة التأثير، فنحن لم نتجاوز بعد مرحلة " الفرجة " و " المشاهدة من بعيد "..

ومع أن استكشاف القادم لم يعد مهمة زائدة بالنسبة للشعوب والمجتمعات الغنية والنامية على السواء، بل هو مهمة تقع في قلب شرط النهوض إلى مستوى الفعل في مجريات عالمنا، فالخيار إذن ليس متاحاً في واقع الأمر أمامنا؛ نتعولم أو لا نتعولم، إنما السؤال هو هل نحن قادرون على مواجهة تحديات واقع بشري معولم لا محالة ؟؟.

والإجابة الأقل تعقيداً من سؤالٍ كهذا هو أننا غير قادرين على مواجهة أي تحدٍ من أي جهةٍ كانت، لأننا واقعون بين أصابع الحمى والموت.. و لأننا مشغولون بتوارث وتوريث صراعات وحروب على جبهاتٍ عدة ٍ، أهمها العيش المستور بلا فاقة أو مد يد.

فكيف لنا إذن، أن نطالب بأبحاث وأوراق علمية في كل هذه المجالات في غياب الطاقة البشرية المحركة لها ؟ كيف لنا أن نطالب بذلك و نحن على ثقة تامة بأن ما يُقدّر بأكثر من تسعين بالمائة من خريجي جامعاتنا لا يفقهون أوليات وأساسيات البحث العلمي، كيف لنا أن نطالب بذلك ورصيدنا من الأوراق العلمية والإنجازات التكنولوجية العالمية لم يتجاوز الصفر بعد؟!.

على مؤسسة السعيد و كل من يحذو حذوها أن يدركوا جيدا أنه و عند إقدامهم على خطوة كهذه أنهم ورغما عنهم قد أصبحوا في مهب أسئلة كثيرة، أهمها الاستفسار عن دورهم الريادي في مسيرة الثقافة اليمنية، ومدى إثراءهم للجانب العلمي والإنساني، ومدى فاعلية أدواتهم في الاتصال والتواصل الحيوي مع مجريات العالم الخارجي، وإلا تحولت كل جهودهم من فعلٍ ثقافي حيٍّ إلى بقايا أنثروبولوجية هامشية.

وسوسة :

ماذا لو كانت مؤسسة السعيد تمر بضائقة مادية أدت بها إلى إدمان حجب أغلب الجوائز في كل دورة من دوراتها، ولكنها خجلى من التصريح بذلك حفاظا على مكانة أبت ألا تُزاح عنها !!.

 إذا - وإذا فقط - كان ذلك صحيحا نستطيع القول ونحن راضين مطمئنين " نعم.. هناك على الأقل شيء على ما يرام ".