الحرب على القات.. في السويد
بقلم/ نجم والي
نشر منذ: 15 سنة و 5 أشهر و 11 يوماً
الثلاثاء 16 يونيو-حزيران 2009 05:08 م

إنه أحد الريبورتاجات الطريفة والجميلة أيضاً، ذلك الذي قرأناه قبل أيام على صفحات البرلينير، والذي يتحدث عن «الحرب على القات» بإشارة منه إلى «الحرب على الإرهاب».

فمن كان يظن أن النبتة الخضراء التي هي أحد أنواع المخدرات بالنسبة للبعض، هي للبعض الآخر مجرد أعشاب مثلها مثل الشاي يأخذها المرء في منطقة القرن الأفريقي، خصوصاً في اليمن، لأن لها علاقة بطقس خاص هناك؟ من كان يظن أن النبتة هذه ستتحول إلى مشكلة «أوروبية»، إذ بغض النظر عن وجهتي النظر تلك، فإن كل الذين جربوا تلك النبتة، لم يترددوا من القول إن المفعول الذي تفعله لا يفترق عن مفعول الحشيش. أمر مفهوم أن يكون القات النبتة الشعبية في اليمن وفي أثيوبيا والصومال، لكن أن يصل إلى بلدان الفايكنغ، وإلى العاصمة السويدية، أستوكهولم بالذات، ليتحول إلى مشكلة تعرقل مساعي سياسة الاندماج التي تتبعها الحكومة السويدية مع الاجانب، فذلك ما لم يكن في حسبان أحد، ومن يشك في ذلك، عليه أن يقرأ معنا الريبورتاج الذي نعرضه هنا بتصرف: أحمد سراج يتطلع عبر نافذة مطعمه الصغير لبيع البيتزا في منطقة «رينكيبي تورغ»، المركز الكئيب للضاحية المليئة بالمهاجرين «رينكيبي».

أمام المقهى إلى جانب الرفوف التي رُتبت عليها الخضر والفواكه، جلس الرجال يدخنون. «إنهم يجلسون هنا غالباً بإنتظار وصول الشحنة»، يقول سراج. رجال آخرون يُمكن رؤيتهم يدورون حول الساحة أو يقفون عند ممرات العمارات السكنية. «أحياناً أراهم عند صحن المدرسة هناك في الخلف»، يقول بغضب .

بكلمة «هم» يقصد سراج المدمنين الذين يأتون بصورة مقصودة إلى «رينكيبي»، لكي يشترون الأوراق الطازجة من نبتة القات، والتي يتم تهريبها من أفريقيا إلى السويد على شكل أطنان. «أنها مشكلة كبيرة تقف أمام محاولات الاندماج»، يقول سراج، وهو يمسد بيديه شعر لحيته السوداء. الرجل الشاب الذين جاءت عائلته منذ سنوات طويلة من الصومال هو مسلم مؤمن وطالب في الجامعة يدرس في كلية التربية لكي يصبح معلماً في المستقبل، إلى جانب ذلك يعمل كل ما في وسعه لمكافحة القات .

إنه أحد أنواع المخدرات الواسعة الإنتشار في اليمن وفي شرق أفريقيا. الأوراق الطازجة التي يلوكها المرء ساعات طويلة، تحوي على مادة الـ«آمفيتامين». صحيح أن هناك إتفاقاً على وجود هذه المادة «المخدرة»، لكن الآراء تختلف بتقدير درجة خطورتها. البعض يقارن القات بالقهوة أو الشاي، لأن نبتته تجعل المرء يقظاً وتصعّد عنده الرغبة بالشروع بعمل شيء. في بريطانيا وهولندا مثلاً يُسمح ببيع أوراق القات مثل أي خضار في محلات الخضار العادية. لكن القات له أعراض جانبية أيضاً. في بلدان أوروبية أخرى، ألمانيا والسويد مثلاً، تُمنع المتاجرة بالقات أو تعاطيه. أوراق القات يتم لوكها بين حلقة من الأصدقاء ولساعات طويلة وأغلب الاحيان ليلاً. في نهار اليوم الثاني عندما يطير مفعول الخدر، يشعر المرء على الأغلب بالتعب والكسل، لا رغبة لديه بعمل شيء. وأغلب الذين يتعاطون القات في السويد يقفون في اليوم الثاني أمام مشاكل جدية كبيرة: مشاكل اللغة، الحنين للوطن، العطالة. مشكلة القات أنه تحول مع الوقت إلى مخدر الاجانب. الاغلبية التي تستهلك القات هم المهاجرون الأفارقة الذين حملوا هذا العبء من أوطانهم الأصلية .

ربما يستطيع المرء أن يفعل ذلك في شرق أفريقيا، لكن في بلد حديث كالسويد، من غير الممكن مواصلة ذلك. على المرء أن يتكيف هنا، تعلق إنتصار مبارك التي تعمل في مركز لقاء الشباب. انتصار جاءت إلى استوكهولم قبل 11 عاماً، اليوم تكافح سوية مع سراج ضد باعة القات الذين حسب تصورها، «أصبحوا مع مرور الزمن أكثر حذقاً وحيلة وجشعاً». سراج وانتصار يسكنان في المنطقة نفسها، في رينكيبي ويشعران بالسخط عندما يريان الجيران يتجّرون بمخدر القات علانية، في الوقت الذي لا تفعل الشرطة شيئاً ضد ذلك .

لحسن حظ أحمد سراج أنه، وخلال بحثه عن شركاء معه في «الحرب ضد القات»، عثر على شركاء من نوع خاص، لهم وزنهم في السويد: جمعية «أخيار المعبد»، الجمعية الخيرية القديمة من الزاهدين. الحرب على المخدرات تملك تقاليد عريقة في السويد، ويرجع تاريخها إلى القرن التاسع عشر. القس الذي لعن المشروبات الكحولية في المجلس الكنسي الأعلى والذي كان وراء تأسيس هذه الجمعية، ترك تقليداً ما تزال مكانته تؤخذ بالإعتبار في التاريح الثقافي للبلاد. المسلمان أحمد سراج وإنتصار مبارك يصبان في نفس التقاليد هذه، ولا غبار على ذلك. «أخيار المعبد» استقبلوا سراج ومبارك بذراعين مفتوحتين وبدأوا معهما بالعمل في مشروع كبير لمكافحة القات، والذي يتعاون فيه معهم أئمة الجوامع في الأحياء التي يقطن فيها المسلمون. بالتوازي مع ذلك بدأت إنتصار مبارك تنفيذ مشروع آخر يكمل التقاليد السويدية أيضاً: العمل النسوي. انتصار مبارك أسست جمعية تضم النساء أطلقت عليها: «نساء ضد القات». في النهاية، كما تقول إنتصار، إذا كان الرجال مدمنين على المخدرات، فإن أكثر من يعاني من المشكلة تلك هن النساء .

نساء ضد القات و«أخيار المعبد» نظمتا سوية مظاهرات مشتركة في رينكيبي وفي مركز مدينة استوكهولم، مطالبتين الشرطة بالتدخل في القضية، لأن سياسة التجاهل الرسمية وغض الطرف عن المشكلة هما تعبير عن «العنصرية». «تصوري في حي يعج بفيلات الأغنياء ستُباع فجأة على شوارعه المخدرات؟ لا أعتقد أن الشرطة في هذه الحالة ستقف أمام الباعة بأياد مكتوفة»، يقول سراج. بالفعل في بلاد مثل السويد، تعاملت السلطات الرسمية دائماً بشكل صارم ضد استهلاك المخدرات، بل حتى مع الكحول إتبعت الحكومة السويدية دائماً سياسة خاصة. المهاجرون يطالبون فقط بأن تنظم الحكومة القواعد الصارمة ذاتها التي تستخدمها ضد مواطنيها .

النقاش الدائر حول القات لم ينته حتى الآن. الشرطة تقول إنها تحتاج الى استصدار قوانين أكثر صرامة لكي تكافح تجارة القات. السياسيون يقولون، إنهم يحتاجون معلومات تفصيلية أكثر من الشرطة لكي يغيروا القوانين. «لكن الامر تحسن بعض الشيء»، تقول إنتصار مبارك. إنها تملك كما هي حال أغلبية السويديين الثقة بالبيروقراطية. لذلك لن تقوم هي نفسها بالتدخل لمنع تجارة القات في رينكيبي تورغ: «هذا العمل من إختصاص الشرطة لوحدها»، تقول. وعندما تمر بهؤلاء الجالسين ينتظرون القات، تُسلم عليهم بعض الأحيان. «لكنني أعتقد، أنهم لا يكنون لي المودّة.