اليمن وتونس ومصر.. تشابه واختلاف !! ..
بقلم/ علي أحمد العمراني
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 4 أيام
الأربعاء 19 يناير-كانون الثاني 2011 06:59 م

شاءت ظروف اليمن وأقدارها،منذ أفول حضارتها، وفي التاريخ المعاصر على وجه الخصوص أن لا تكون رائدة أو سبَّاقةً أو نموذجا يحتذى، لكنها غالبا ما تتأثر وتتبع وتقلد غيرها سلبا أو إيجابا مع الإختلاف في النتائج والمحصلات..

ومعروف أن أسس التيارات الفكرية الحديثة في اليمن، وجذور التنظيمات السياسية والحزبية هو مما تم استيراده من وراء الحدود، مثل القمح والحليب المجفف والملابس الجاهزة وغير ذلك.. وكذلك فإن أشكال الفساد والكثير من صوره وممارساته الصارخة التي تعاني منها اليمن اليوم،هي في أغلبها تقليد للمحيط الزاخر بثروات الحكام وقصورهم وبذخهم..والفرق الجوهري هو أن بذخ الجيران يستند إلى ثروات نفطية هائلة يصل الشعوب منها نصيب مفروض فتشعر برضا ولو نسبي ويسود الهدوء، خلافا لأحوال اليمن التي يعيش فيها الفاسدون في نعيم وبطر ويعيش كثير من المواطنين في جحيم وبؤس، (45 % من السكان تحت خط الفقر).

في منتصف القرن الماضي تماهى كثير من شباب الجنوب مع الثورة البلشفية والماوية وأقاموا نظاما أخذ شكل أنظمة الثورة الماركسية، لكن عندما تقاتل أخوتنا هناك، في 13 / يناير / 1986 كانت الصحافة العالمية تتحدث عن إقتتال القبائل الماركسية، وذهب ضحية تلك الحرب كثيرون، ومنهم الثائر الشاعر زعيم جناح "البلاشفة اليمنيين" عبد الفتاح إسماعيل، وقد سبقه قبل حوالي عشرة أعوام، رفيقه وخصمه أيضا فيما بعد، زعيم "الجناح الماوي" سالمين، على يد رفاقه استنادا إلى تهم ملفقة، ومحاكمة بدائية مبتذلة تذرعت بدور مزعوم للرئيس سالمين في اغتيال الغشمي في الشمال..

في 1952 قام الضباط الأحرار في مصر بثورة بيضاء ضد الملك فاروق وبعد عشرة أعوام في 1962 قام ضباط يمنيون أحرار أيضا بثورة ضد الملك، لكنها كانت دامية.وفيما مرت ثورة مصر بسلام ومضت بمصر إلى الأمام في ميادين عدة، دخلت اليمن في حرب أهلية طاحنة بعد ثورتها على البدر الذي كان "تقدميا" هو الآخر وهواه أيضا ناصريا ويوصف أحيانا بالأمير الأحمر، وقيل أنه كان صادقا وجادا في نواياه للإصلاح والتطوير أيضا، وغرقت اليمن في مآسي حقيقية جراء الحرب الأهلية تلك،وهناك من يرى أن ثورة مصر وزخمها، وأهدافها الإستراتيجية غاصت في رمال اليمن المتحركة، وتاهت في شعابها المتعرجة وتشتت على رؤوس جبالها الشاهقة!.

ودائما لكل تذمر وتحول أو ثورة، أسباب ومبررات ودوافع وأبطال.. في مصر كان الملك فاروق بميوعته وفساده، هو المحرض على ثورة يوليو 1952. وفي اليمن كان أحمد حميد الدين أو أحمد "يا جناه" المحرض الأول للأحرار بسبب غطرسته وتحديه للشعب والجيش وفقا للواء عبد اللطيف ضيف الله في لقاء تلفزيوني عرض مؤخرا في قناة اليمن.

أما ثورة "الياسمين" في تونس فإن بطلها الحقيقي ليس البوعزيزي كما يبدو لكثيرين، لكنه الحبيب بورقيبة، القائد الشرقي المستبد، ولكن أيضا النزيه الذي مات فقيرا، وصاحب المشروع التحديثي واضح المعالم، باعتراف ألد خصومه (راشد الغنوشي الزعيم الإسلامي المستنير)..لقد آل وتطور مشروع بورقيبة إلى شعب ومجتمع تونسي غير تقليدي يمكن وصفه بأنه ناضج، ونسبة الأمية فيه حوالي 3%، أمكنه قلع الطغيان وقطع دابر الفساد في هبة شعبية واحدة، سريعة وحاسمة وبأقل التكاليف..

ليس من شك في حاجة اليمن اليوم إلى التغيير والإصلاح الشامل والعميق، وإقصاء الفاسدين واجتثاث الفساد، لكني لا أرى أن التغيير على الطريقة التونسية يمكن احتماله أو تحمله في اليمن.. ذلك لأن اليمن غير تونس في جوانب كثيرة..ففضلا عن الإنقسامات والتشرذم والتخلف الاجتماعي وبروز "المشاريع الصغيرة" وفقا لتعبير الدكتور ياسين سعيد نعمان، هناك هامش واسع للحريات في اليمن - ( مع أهمية استهجان بعض الهنات والتصرفات مثل التهديد السخيف لنواب المؤتمر في الشهر الماضي بالندم إن لم يمضوا مع مقاصد بعض قيادات المؤتمر ) – بعكس الحال في تونس..في اليمن يتعرض رئيس الجمهورية للنقد الواسع، وحتى الجارح، علنا، ولم يكن في الإمكان أن يسمع في تونس سوى الأنين، ولذلك انفجر الشعب هناك دفعة واحدة.. غير أنه لا بد من الإعتراف أن الفساد في اليمن واسع ومتشعب وبشع ويستحق أقصى أنواع الإدانة والمقاومة، وأظن أنه قد يتجاوز الحال في تونس التي وصفتها وثائق ويكليكس بالمافيا، وهو يحتاج إلى وقفة تاريخية حاسمة من قبل الرئيس شخصيا ومن قبل الدولة والمجتمع، وقد لخصت من قبل في مقالات عدة، ما يجب ويمكن عمله إزاء الفساد والإثراء غير المشروع في اليمن . ومنذ سنوات نعلن على الملأ أن الحال لا يسر صديقا ولا يغيض عدوا في بلادنا، لكن غالبا ما تكون أسماع المعنيين إما من طين أو من عجين..

في مصر جرت مؤخرا انتخابات خاضها الحزب الوطني منفردا، وقد تخسر مصر جراء ذلك في جوانب عدة، لكن خسارتها لن تكون مثل خسارة اليمن أبدا، حيث يظن بعض رفاقنا أن بالإمكان أن يمضي المؤتمر في انتخابات منفردة دون تبعات غير محمودة العواقب. إن دخول الإنتخابات بدون المشترك سيعزز من المشاريع الصغيرة، وأقصد بذلك مشاريع الإنفصاليين والقاعدة والحوثيين، ولا ننسى مشاريع الفاسدين أيضا، وقد ينتهي الأمر إلى حرب أهليه أو ما يشبهها.. ومن باب النكاية بالحكم، قد يدعم المشترك أو أطراف فيه تلك المشاريع الصغيرة، ويكفي أن يسكت المشترك عنها فقط ، والسكوت وحده كاف لتفاقم الأوضاع في كل الجبهات والجهات. ولو أمكن تحقيق وفاق من قبل - ندعو إليه دائما - بين القوى الحقيقية الفاعلة ، كان على الأرجح أن لا نسمع بالحوثية ولا بالحراك الإنفصالي ولا غير ذلك..لكن الشقاق وغياب العدل كان سببا لكل ذلك في تقديري.. وكان لا يمكن للفساد أن يسود ويستأسد ويُحْمَى إلا في ظل الشقاق.. فالشقاق يحمي الفساد ويجعله ينتشر ويستشري أكثر، أو يكون مسكوتا عنه من قبل أطراف النزاع رغبة في توسيع دائرة التحالفات من جهة، وفي عدم توسيع دائرة الخصوم من جهة أخرى. وفي ظل الشقاق تكون مواجهة الفساد انتقائية، في أحسن الأحوال، حسب الموقع والجهة التي يحسب عليها الفاسدون .

في تونس ومصر، الشعب واحد متحد ولا جدال حول الهوية الواحدة والدولة الواحدة، لا حراكا انفصاليا ولا حوثية ولا خطرا مماثلا للقاعدة، ولا مخاطر أخرى كثيرة يعرفها الجميع ونبه إليها كثيرون ومنها انتشار السلاح في المدن والأرياف.

بسبب تضمين التعديلات الدستورية تحديد فترتين يسمح فيها بالترشح لرئاسة الجمهورية خصصت النيويورك تايمز الأمريكية في أوائل التسعينات افتتاحيتها للحديث عن ثورة عربية حقيقية في اليمن، قبل الحديث عن ثورة الياسمين في تونس اليوم، واعتبارها أول ثورة عربية. وعندما تحدثت النيويورك تايمز عن "ثورة عربية حقيقية في اليمن" قيل حينها إنه لأول مرة تتكلم الصحيفة العريقة عن أي شيء إيجابي تجاه العرب منذ تأسيسها في 1851. واليوم لا أرى مبررات وجيهة لذلك التراجع "الثوري" في اليمن أو ما يسمى "قلع العداد"!. بل أرى في الحقيقة إن فكرة "قلع العداد" فالا سيئا.. وآمل مخلصا أن يتم تجاوز ذلك..وهنا فإني أوافق كل من يرى إن اليمن غير مصر، لكن اليمن أيضا غير تونس، وهي كذلك غير دول الخليج الغنية التي لا يضر كثيرا فساد نخبها بعامة الشعب مثل ما عليه الحال في اليمن!..