أساب فشل العرب في تكوين إتحاد عربي
بقلم/ أحلام القيزل
نشر منذ: 15 سنة و 5 أشهر و 19 يوماً
الإثنين 08 يونيو-حزيران 2009 06:35 م


قبل أن ابدأ الحديث عن أسباب فشل العرب في تكوين إتحاد لابد من أن أتطرق لماذا تتوحَّد أوروبا، المختلفة في القوميات والأَعراق واللّغات، ولايتوحَّد العرب الذين يتكلمون لغة واحدة؟" وعلى الرغم من الأزمة الحالية التي يمر بها الاتحاد الأوروبي لا يزال الرأي العام العربي يعتبر هذا الاتحاد نموذجاً له، من الممكن أن تستنبط منه مبادئ مهمة بالنسبة لتطوّر مشابه في منطقة الشرق الأدنى. حيث تتأثر إستراتيجيات ومصالح البلدان العربية تأثرًا مباشرًا في نجاح أو فشل الاتحاد الأوروبي، كونه مثالاً لاتحاد تكاملي ناجح اقتصاديًا وسياسيًا يتكون من دول مستقلة ،بالنظر إلى التجربة الأوروبية، تتضح - أسباب فشل محاولات الوحدة العربية فالأسباب

كثيرة ولكنني ساذكر جزءً منها وهي كالتالي :-

1- أن الفشل له أسبابه الداخلية في كل دولة عربية‏. من خلال لائحة الدولة ومؤشراتها‏,‏والتي تؤكد أن خطر التفكك والانهيار للدولة العربية يرجع الي عوامل حقيقية داخلية يجب إيجاد حلول لها ليس فقط للانطلاق نحو دعوة وهدف الوحدة العربية للحفاظ أولا علي بقاء ووحدة وكيان كل دولة عربية‏.‏

أما الأسباب الخارجية فهي أن هناك وثائق كثيرة تفضح الدور الأمريكي والدور الإسرائيلي في إفشال الوحدة العربية‏,‏ والآن توجد الكثير من الوثائق والمعلومات التي تؤكد جدية المساعي الأمريكية والإسرائيلية لإفشال الدولة الوطنية العربية وتفكيكها وإعادة تقسيمها‏.

2- تفتيت الوجود العربي رأس الأهداف الصهيونية:وقد التقت خطة الاستعمار والإمبريالية هذه مع الخطة الصهيونية وأهداف الحركة الصهيونية منذ بدايتها، وولد منذ ذلك الحين حلف مشترك يحمل هدفاً مشتركاً أساسياً هو السعي الدائب لتفتيت الوجود العربي بشتى الأساليب، عن طريق استغلال الانقسامات الطائفية والعِرقية، وعن طريق إذكاء المصالح القُطرية الضيقة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، تحقيقاً لاستقرار الدولة اليهودية وضماناً لأمنها.‏

3- دور الاستعمار والإمبريالية:‏يُضاف إلى هذا أن الاستعمار، ومن بعده الإمبريالية، قد جعلا على رأس أهدافهما إضعاف الوجود العربي عن طريق تجزئته وتفتيته، والحيلولة بينه وبين وحدته وتضامنه، ومنع تقدمه بالتالي، وتعطيل أي جهد يقوم به من أجل بناء مشروعه الحضاري المتقدم وكيانه الموحد القادر. ونرى ذلك واضحاً في تصريحات الكثير من أقطاب الدول الاستعمارية منذ أيام ازدهار الاستعمار البريطاني في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين (ويكفي من أجل ذلك أن نرجع إلى تقرير بنرمان الشهير عام (1907) حتى ظهور الإمبريالية الجديدة). كما كان واضحاً في نكوص تلك الدول عن وعودها للعرب بعد الحرب العالمية الأولى (معاهدة سايكس بيكو، مؤتمر الصلح بفرساي، مؤتمر سان ريمو وسواها) ثم في تآمرها الحديث ضد الوحدة العربية المصرية السورية بوجه خاص، وضد أي جهد وحدوي آخر.‏  

4- إختلاف التركيبة السياسية :- أن دول العالم العربي مختلفة اختلافًا جوهريًا في تركيبتها، عن التركيبة الديموقراطية لكل دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.فالشرعية الديموقراطية للاتحاد الأوروبي على المستوى القومي والاستقرار السياسي النسبي الموجود لدى أنظمة دول الاتحاد الأعضاء، هي نقيض واضح للأوضاع السائدة في الكثير من الدول العربية.وبينما كانت شعوب دول الاتحاد الأوروبي تعتبر الوحدة التكاملية الأوروبية، مباشرة في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، سبيلاً للوصول إلى السلم في الأزمات التي كانت تدور بين الدول، كثيرًا ما كانت تُـحدَّد محاولات الوحدة العربية في الماضي - على نقيض ما جرى في أوروبا.

- فقط في العناية بـ"أمن النظام الحاكم"، وليس بأمن الشعوب والمجتمعات أو النظام ككل.

5- المقَّدمات الفكرية المختلفة، التي دُفِعت على أساسها عمليات الوحدة المعنية إلى الأمام، وعلى عكس ما في عملية الاتحاد والاندماج التكاملي الأوروبية، التي تهدف إلى أن تكون وسيطًا ما بين الاختلافات القومية

والمذهبية والثقافية الموجودة لدى دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء، فإن فكرة الوحدة العربية - ليست وسيلة من أجل التغلُّب على المشاكل والصعوبات الداخلية، التي تعيق نهوض الأمّة العربية، بل الأرجح أن فكرة الوحدة العربية هي وسيلة، من أجل مواجهة التحديات الخارجية، التي يتم تحميلها مسؤولية عجز العرب، وهي كذلك وسيلة، من أجل إعادة إحياء أمجاد العرب الغابرة.إذن، بينما تُـحدّد الوحدة ضمن السياق الأوروبي الهدف، الذي يتحتم من أجل تحقيقه إيجاد آليات لتسوية الأزمات الأوروبية الداخلية، يتم ضمن السياق العربي تحديد وحدة الأمة العربية كشرط لاقامة "اتحاد عربي".كما لا تبدو الاختلافات والأزمات الداخلية في هذا الإدراك كحال عادية ونتيجة حتمية لتعدّدية اجتماعية، إنما كانحراف عن الوحدة وتهديد لها مقابل التهديدات الخارجية. من وجهة النظر هذه يمكن اعتبار الشروط الجيوسياسية، التي أعاقت في الماضي تحقيق وحدة عربية فعّالة، فقط كمعوقات إضافية. وحتى بالنظر إلى الأزمات العالمية الحالية والمصالح المشتركة الاقتصادية المفترضة ، وعلى الرغم من تعدد المصالح المشتركة، فإن الدولالعربية منفردة تواجه القوى الاقتصادية والسياسية للاتحاد الأوروبي كشريك في المعاهدة من دون مساندة منظمة عربية فوق دولية.

6- أمراض التجزئة:‏ ذلك أن أمراض التجزئة قد استشرت في أرجاء الوطن العربي بعد حقبة طويلة من الانفصال بين أجزائه، ومن غير الجائز تجاهلها أو التقليل من خطرها. ولعل تلك العلل التي ولدتها التجزئة، وما رافقها من قيام كيانات متحجرة ومن ولادة مصالح طبقية وسياسية معطِّلة، هي من أبرز العوامل التي ساعدت على فشل تجارب الوحدة العربية في العقود الأخيرة.

لاسيما أن آثار تجزئة الوطن العربي من قبل الاستعمار الغربي قد انضافت إليها آثار حقبة طويلة من التخلف والجهالة مرت بها الأمة العربية منذ انهيار الدولة العربية وسقوطها في أيدي أخلاط المغول والتتر والأتراك، ومنذ سقوط بغداد بوجه خاص على يد هولاكو عام 1258، وما تلا ذلك من حكم عثماني مغرق في الجهالة ومعادٍ للعروبة، خلَّف في الواقع العربي وفي النفوس والعقول من عِلل التجزئة وأمراضها ومن مظاهر الإقليمية وأعراضها أوبئة كثيرة لا يمكن إغفال دورها في مقاومة العمل الوحدوي الناشئ.