تأجيل الانتخابات أم ترحيل المشكلات
بقلم/ منير الماوري
نشر منذ: 15 سنة و 8 أشهر و 29 يوماً
الخميس 26 فبراير-شباط 2009 04:47 م

تأجيل للانتخابات أصبح حديث الساعة. لذلك سأدلي هنا برأيي في موضوع التأجيل لأني أعتبر نفسي واحداً من جمهور اللقاء المشترك، وأعتبر اللقاء المشترك " الفكرة" وليس الأحزاب، أمل اليمن المنشود في إثبات القدرة على التعايش بين أطراف العمل السياسي، لإنقاذ البلاد من محنتها الدائمة، المتمثلة في اللجنة الدائمة، التي لا بد أن نواجهها يوما، طال الزمن أم قصر. وقيادات اللقاء المشترك تدرك أن تأجيل الانتخابات ليس هدفا في حد ذاته وإنما فرصة أخيرة لحل المشكلات العالقة وليس ترحيلها أو تأجيل حلها. أما الهدف الأهم فهو تأسيس آلية واضحة تضمن إجراء انتخابات بأقل قدر من التزوير والتحايل. وهذه الآلية تشمل خمس نقاط جوهرية كالتالي:

النقطة الأولى: الموطن الانتخابي: في أميركا يسكن كاتب هذا العمود في ولاية فرجينيا، ويعمل في واشنطن، ولكن الديمقراطية الأميركية العريقة لم تمنحني موطنين انتخابيين ولا ثلاثة مواطن أختار منها ما أشاء، بل موطناً انتخابياً واحداً هو مقر سكني الدائم في ولاية فرجينيا، ولا أستطيع المشاركة في انتخابات العاصمة واشنطن. وقبل إدراج اسمي في سجل الانتخابات يجب أن يكون قد مضى على إقامتي في هذا السكن عاماً كاملاً أو أكثر. وهذه النقطة يجب أن تكون واضحة لإصلاح النظام الانتخابي في اليمن، ويجب أن يصر المشترك على اختيار مكان الولادة أو مكان السكن موطنا انتخابيا وليس كليهما، أما أن يكون مكان العمل موطناً ثالثاً للناخب، فالهدف منه هو تزوير إرادة الناخبين وتغيير النتائج عن طريق معسكرات الجيش والأمن. واليمن ليس لها جنود في الخارج كي يصوتوا غيابياً كالجنود الأميركيين، كما أن الجندي اليمني له مكان سكن دائم أو مكان ولادة معروف يستطيع أن يمارس حقه الانتخابي فيه كمواطن، بدلاً من التأثير على نتائج المواطنين الآخرين في المديريات والنواحي الواقعة فيها معسكرات متحركة.

النقطة الثانية: عضوية اللجنة العليا للانتخابات: الأساس الذي يجب أن تقوم عليه اللجنة هو الاستقلالية عن تأثير السلطة أو المعارضة، وبالتالي فإن اللجان الفرعية ليست أقل أهمية من اللجنة العليا، كما أن العضوية في اللجنة العليا للانتخابات يجب أن يكون أساسها التوافق وليس التقاسم، فمن الأهم أن يكون جميع أعضاء اللجنة من الشخصيات المشهود لها بالنزاهة، والاستقلالية في الرأي. كان الاستاذ محمد علي أبو لحوم قد طرح منذ وقت مبكر فكرة خمسة أعضاء ونصف عضو من المؤتمر مقابل خمسة أعضاء ونصف من المشترك، أي أن نصف العضو من المشترك مع نصف العضو من المؤتمر سيكون شخصية مستقلة، وهذه الفكرة خلاقة وسوف تحل المعضلة، ولكن يمكن تطويرها بطريقة أخرى تؤدي إلى التوافق بحيث يمنح المؤتمر حق الفيتو لرفض أي عضو يختاره المشترك ممن لا تتوفر فيه شروط النزاهة، ويمنح المشترك حق الفيتو لرفض أي عضو في المؤتمر ممن يعتقد أعضاء المشترك أنه سيتلقى تعليماته من قصر الرئاسة. ومن أجل تسهيل وتسريع التوصل إلى توافق يمكن أن يمنح المؤتمر حق اختيار خمسة أعضاء من المشترك، ويمنح المشترك حق اختيار خمسة أعضاء من المؤتمر، على أن يكون رئيس اللجنة شخصية مستقلة يتوافق عليه الطرفان، ويتعهد بعدم تكرار ما حصل في الانتخابات الرئاسية الماضية من إعلان النتائج قبل الفرز.

النقطة الثالثة : نظام القائمة النسبية: يجب على المشترك أن يصر على نظام القائمة النسبية مع قبول أي تعديلات ضرورية تتيح للمستقلين المشاركة كقوة ثالثة، مع التأكيد أن التنازل عن نظام القائمة النسبية سوف يجعلنا ندور في حلقة مفرغة وسيظل التنافس قائم بين الأشخاص وليس بين البرامج، في حين أن نظام القائمة يجبر الناخب اليمني أن يختار البرنامج قبل اختياره للأشخاص، كما يضمن لأمناء عموم الأحزاب الحصول على مقاعد في البرلمان، وبالتالي ستكون لآرائهم جدوى. وربما أن الإصرار على القائمة النسبية سيكون أكثر جدوى من الإصرار على تحييد المال العام والوظيفة العامة، لأن التحييد المفترض لن يكون إلا وعوداً كاذبة وضمانات لن تتحقق، فالحاكم الذي لم يفي بوعوده مطلقاً، لا يمكن للمشترك تصديقه، ولا يمكن للخارج تصديقه، ولا يمكن حتى للإرهابيين تصديقه، أما القائمة النسبية فهي تغيير ملموس لن يستطيع الحاكم التحايل على نتائجه.

النقطة الرابعة : سجل الناخبين: أقترح على قيادات المشترك التضحية بخمسين دولار أميركي لشراء نسخة من برنامج ميكروسوفت أكسل، (نسخة أصلية لا مزيفة)، لإهدائها إلى اللجنة العليا للانتخابات من أجل فرز أسماء الناخبين وحذف الأسماء المكررة وتنقية السجل الحالي في وقت لن يستغرق ثلاثة أشهر ولا ثلاثة أسابيع ولا ثلاثة أيام، بل ثلاث ساعات فقط إذا ما توفرت الإرادة الحقة لتنقية السجل من الشوائب. وعن طريق هذا البرنامج يمكن تحويل الموطن الانتخابي لجميع الناخبين من مكان العمل المثير للجدل إلى مكان الميلاد أو مكان السكن بضغطة زر واحدة، مع العلم أن لدى اللجنة العليا للانتخابات برامج كمبيوتر أكثر تطوراً من أكسل البسيط.

النقطة الخامسة : مشاركة المرأة: رأيي في هذه النقطة قد يصدم الكثير من القراء والقارئات، وقد يطلق البعض عليّ صفة "المتخلف"، مثلما أطلقوا عليّ صفة "المناطقي" حين أدليت برأيي في قضية الدكتور القدسي رحمه الله، ولكني هنا لا أبحث عن رأي يرضي الغالبية بقدر ما أسعى لطرح قناعاتي الخاصة بي مهما كانت صادمة، وبالتالي فإن إعطاء المرأة كوتا أو حصة معينة إجبارية تترواح بين العشرين والثلاثين بالمئة من مقاعد البرلمان، لن يكون إلا استجابة لمقترحات خارجية لا يعرف أصحابها واقع اليمن. وأنا أتمنى أن تكون هناك مرشحات قويات يخضن المنافسة مع الرجال، ولكني لن أثق في قدرة أي امرأة على تمثيلي في البرلمان إذا كانت قد وصلت إلى عضويته عن طريق الكوتا. وبما أن المؤتمر الحاكم يزايد في بعض القضايا لإرضاء الخارج، فإن المشترك قادر على تقديم مرشحات قويات نفخر بهن في البرلمان، مع رفض الضغوط الخارجية التي تريد فرض الكوتا كما هو الحال في العراق. وفي تقديري إن الهدف يجب أن يكون إيصال ممثلين أقوياء إلى عضوية البرلمان استناداً إلى برامج انتخابية قوية، سواء كان هؤلاء رجالاً أم نساء. والمرأة التي لا تستطيع منافسة الرجال على عضوية البرلمان في ظل فرص متكافئة لا تستحق عضوية البرلمان، ولن تمثل المواطنين بكفاءة متساوية مع أخ لها ينحت في الصخر لانتزاع مقعد من مخالب الخيل. وإذا كان نظام الكوتا يستهوي البعض فالأحرى هو تخصيص نسبة 1% وليس 25% للمغترب اليمني وليس للمرأة، وهذه النسبة لو تمكن المشترك من فرضها سوف تسفر عن حصول المغتربين على ثلاثة مقاعد تمثل تجمعاتهم الرئيسية في الخليج أولا والأمريكتين ثانيا، ثم بقية أنحاء العالم، على أن يتم الترشيح في الخارج والانتخاب في الداخل ضمن القوائم النسبية، ويترك للأحزاب أو للقوائم تحديد أسماء المرشحين في إطار تلك القوائم.

هذه النقاط الخمس أو على الأقل الأربع الأولى، إذا لم يتم الاتفاق عليها، في فترة التأجيل سواء كان التأجيل لثلاثة أشهر، أو ثلاثين سنة، فلا يجب أن تشارك الأحزاب الوطنية في انتخابات الهدف منها خداع الناس في الداخل والخارج. وبدون تحقيق الحد الأدنى من الضمانات وليس " التعهدات الفارغة المضمون" فإن الأحزاب الوطنية لن يكون أمامها من خيار سوى التحول من العمل السياسي إلى العمل النضالي، لأن الديمقراطية الحقة ليست مجرد انتخابات صورية، وتحايلاً لإرضاء الخارج والضحك على المانحين. الانتخابات هي جانب واحد من جوانب الديمقراطية والعدالة، وليست كل الديمقراطية ولا كل العدالة. وعلينا جميعاً أن ندرك أن الديمقراطية ليست مثالية، ولكنها الخيار الأفضل من بين جميع أنظمة الحكم السيئة لسبب واحد وهو أنها تخلق آلية مقبولة لتبادل السلطة بدون قتال مثلما يحدث في الغرب والشرق وفي أمريكا اللاتينية وكثير من بلدان أفريقيا. أما ما يجري في بلادنا وفي معظم البلدان العربية فإن الحكام لا يستندون إلى قوة "الديمقراطية" وإنما إلى ديمقراطية " القوة". وقد يحتاج المشترك إلى شيء من القوة للحصول على شيء من الديمقراطية. والقوة قد لا تكون سلاحاً ولا تمرداً ولكن لها عناصر أخرى متعددة يدركها قادة المشترك جيداً، وقد يأتي اليوم الذي يضطرون فيه إلى ترك العاصمة والمرابطة في قراهم وبين قبائلهم لفرض الديمقراطية في البلاد لأن النظام الحالي لا يخشى إلا من الخارج، والخارج مشغول بالأزمة الاقتصادية العالمية، أو من القبائل والقبائل أكثر ديمقراطية من النظام الحاكم. وبقي القول إن تأجيل الانتخابات بدون وجود إرادة حقة لحل المشكلات الأساسية في الآلية التي جبل عليها النظام ليس سوى ترحيل لمشكلات سوف يتحتم على المشترك مواجهتها لاحقاً إن تساهل هذه المرة أو تراجع عن موقفه. وفي حال قبول المشترك حتى بنصف رغبات المؤتمر فإن الساحة السياسة اليمنية ستشهد انقساماً كبيراً، وربما تنتهي الفكرة التي قام عليها المشترك وبالتالي يتحقق هدف المؤتمر. ولكن المؤتمر نفسه لن يكون بمنأى عن الانقسام لأن نصف قياداته يسعون لحل مشكلات البلاد، وبالتالي فإن نصف المشترك المؤتمري سوف يتوحد مع نصف المؤتمر الفاسد، في حين أن النصف الآخر من المؤتمر قد ينظم إلى المعارضة بما قد يمهد لظهور كتلة سياسية جديدة تستفيد من غليان الشارع وحراك الجنوب وتمرد الحوثيين، ولن يكون أمام النظام الحاكم من حليف حقيقي سوى إرهابيي القاعدة الذين يحتمون بالنظام ويحتمي النظام بهم.

خطأ المسيبلي الجسيم:

لم أكن أتصور أن يأتي اليوم الذي يجرؤ فيه مذيع يمني في قناة حكومية، (عفوا نسيت أن القنوات في اليمن كلها حكومية) على الخروج عن النص في نشرة الأخبار، متخيلاً نفسه في بلد ديمقراطي يستطيع فيه أن يعبر فيه عن نبض الشارع اليمني. الزميل أحمد المسيبلي ارتكب خطأً جسيماً لأنه حاول تقليد مقدمي الفترات الإخبارية في شبكات الأخبار العالمية مثل "سي إن إن"، و "بي بي سي" ممن يقرأون ويحاورون ويضحكون وينفعلون ويشربون القهوة أمام الكاميرا بدون خوف. وهناك برامج اخبارية حية على الهواء مباشرة يعلق خلالها المذيعون الفطاحلة على الأحداث ساعات طويلة، لكنهم لا يرتكبون الخطأ الذي ارتكبه زميلنا المسيبلي، ولا يخرجون عن النص، لأنه لا يوجد نص أصلاً. فلم يتردد المذيع الشهير في فوكس نيوز أو رايلي في التعبير عن أسفه لفوز أوباما في الانتخابات الأميركية الأخيرة، مثلما لم تتمالك نفسها إحدى المذيعات الإسرائيليات في التعبير عن رأيها بالبكاء على ضحايا القصف الإسرائيلي في غزة. أما الزميل المسيبلي فلم يدرك أن خصوصية الديمقراطية اللوزية تفرض عليه أن يضيف عبارة " بتوجيهات من الأخ الرئيس القائد" قبل كل خروج عن النص، لتوجيه ضربة استباقية لاحتجاج الوزير. أما أن يمارس الإعلام الحقيقي ويقول ما يعتقد أنه الصح، فهذا هو خروج عن النص في أبشع صوره. وفي كل الأحوال أخي العزيز مكانك الطبيعي هو شاشة الجزيرة وليس شاشة قفي التي تتفوق على الجزيرة في شيء واحد فقط هو ميزانيتها الكبيرة والأموال الباهظة التي تصرف عليها بدون فائدة بشهادة الإعلامي القدير علي صلاح أحمد.