حين تتحول الوحدة إلى غطاء لنهب الثروة..!
بقلم/ حسين اللسواس
نشر منذ: 13 سنة و 11 شهراً و 15 يوماً
الثلاثاء 14 ديسمبر-كانون الأول 2010 04:26 م

(1)

بين المركزين (المصغر والمقدس) أو كما يحلو لبعض الجنوبيين وصفهما بـ(الأسرة والقبيلة) تتكدس الثروات وتنتظم حركة رأس المال في دورة مالية احتكارية بمعزل عن الغالبية الشعبية المحسوقة وتحديداً على امتداد الجغرافيا الجنوبية والوسطى.

 في الواقع، لا تستند تلك الحركة الاحتكارية لأي خلفيات تجارية ماضوية (حتى وان بدت كذلك) تبرر تضخمها الكمي وانحسارها الجغرافي، مايبدو مؤكداً استناداً لمؤشرات عده انها دورة مالية تستمد وجودها من ثروات الشعب ومعونات الجارة السعودية، وهو ما يجعلها ثروات تفتقر لأبسط أسس المشروعية.

 (2)

 في مركزي السلطة رجال جشعون جداً، لا يجد الكلل او الملل طريقاً إليهم حين يتعلق الأمر بجمع الأموال وتكديس الثروات وإنماء الارصدة البنكية المتضخمة.

 جل همهم في الحياة ينصب حول كيفية تأمين تلك الثروات الطائلة من غدر الحلفاء ومطامع الأعداء بموازاة العمل على انمائها وإبلاغها حداً يضاهي نظيراتها من ثروات الجيران.

احياناً تبدو الصورة كما لو أنها محض تسابق بيني لأثرياء المركزين (المقدس والمصغر) يتغيا احراز الرقم الملياري الأعلى، واحياناً يبدو المشهد كما لو أنه رهان مشترك للالتحاق بركب ثروات الجيران من أمراء ومسؤولين وأصحاب سمو.

غير ان الخوف الدائم يبدو هو المحرك الأساسي لجهود الإنماء الجبارة، ببساطة: انهم يخشون يوماً ثورياً محتملاً قد يضع حداً وجودياً لسلطاتهم وعبثهم، لذا فالمثابرة على الجمع والتكديس ومن ثم التحويل الى الخارج تظل هي العنوان الواصف لمعظم الانشطة والاعمال.

(3)

بالنسبة لقطاع واسع من هؤلاء، فالدولة ما هي إلا أداة لتحصيل الأموال واستقطاب الثروات من الداخل والخارج، انهم يتعاملون معها كناقل للأموال على طريقة (الويسترن يونيون)!

في مثل هؤلاء الرجال المتحكمين بمصائر الأمة، يندر ان تجد فيهم من يؤمن بفكر الدولة، لذا ليس بمستغرب ان تراهم يبرمون الصفقات النفعية دون مراعاة لموجبات السيادة الوطنية او حساب لمستقبل الاجيال القادمة.

(4)

لايبدو الخوف من نقمة الداخل شيئاً وحيداً بالنسبة لهؤلاء، خشيتهم من الخارج احياناً تتسبب في ابتكار انماط حمائية اكثر صرامة لحفظ الاموال وتأمينها من اي سيناريوهات استيلائية.

 اللجوء لتوزيع الثروات بين البنوك والشركات الخارجية لا يعد وسيلة الحماية الوحيدة، فهناجر القصور والمخابئ الارضية وسيلة اكثر فاعلية يتم اللجوء اليها عند ارتفاع مؤشر المخاطر الخارجية.

حين خضعت بعض الارصدة للتجميد في سويسرا، قيل يومها ان قلقاً عارماً ساد في اوساط النخب السلطوية سرعان ما تُرجم لخطوات عملية أفضت الى تناقص ملحوظ في معدل الثروات المتكدسة في سويسرا.

وإذا كانت دبي ومدن أوروبية وعربية أخرى قد تحولت –بفعل تلك الخطوات- الى مستقطب عام للاموال الهاربة من مآلات التجميد، فإن الهناجر الأرضية بالمقابل حظيت باستضافة آلاف الطرابيل الدولارية العائدة..!

(5)

بالنسبة للغالبية المسحوقة، لاتبدو المشكلة مقتصرةً على الشفط المقنن للثروات القومية، فالناهبون بإسم الدولة وعبر ادواتها يستكثرون على الشعب فتات الأموال المشفوطة.

إذ لايمكن لتلك الأموال في الغالب ان تعود إلى الشعب –بعد التحصيل الغير مشروع- في صورة مشاريع استثمارية كبرى يستفيد منها الناهبون والشعب معاً، إن مصيرها محسوم سلفاً في ثلاثة أوجه رئيسية، فإما ان تجد طريقها الى البنوك والشركات العربية والأجنبية، وإما ان تتحول إلى ارصدة محلية متجمدة في هناجر الارض والقصور، وإما ان يتم استيعابها في دورة مالية احتكارية بين قنوات المركزين السلطويين بصورة تقصر الفائدة الشعبية المتوخاة منها على أجزاء محدودة جداً من النطاق الجغرافي الشمالي..!

لقد تحولت الجغرافيا المكتنزة بالثروات القومية الى معطي عام لآخذ عام ما انفك يطلب الاستزادة دون ادنى مراعاة لحقوق المحيط الجغرافي الحاوي للثروات.

باستثناء جزء يسير من الوظائف، لا تحصل التجمعات السكانية القاطنة في جغرافيا الثروة على اي امتيازات او عوائد من خيرات الثروة المنهوبة.

كل شيء يجب ان يذهب الى المركزين المصغر (الأسرة الصالحية) والمقدس (القبيلة بامتداداتها السلطوية سواء أكانت سنحانية أو حاشدية او بكيلية) لتتوليا بعد ذلك توزيع الحصص والغنائم بين كبار القوم وترحيل ما تبقى الى ميزانية الدولة الخاوية.

 (6)

لقد صادروا كل شيء حتى توكيلات الشركات الأجنبية المُستخرجة للثروة، ليس هذا فحسب إذ تحولت قطاعات الثروات الطبيعية الى صكوك رئاسية لمراضاة الممتعضين في إطار المركزين المقدس والمصغر، فهذا القطاع يُعطى للشيخ الحاشدي، وذاك يوهب للشيخ البكيلي، وغيرهما يمنحان لشيخ او قائد من سنحان..!

السياسات الاحتكارية للمركزين السلطويين، لم تقف عند هذا، إذ بلغت حد سلب التجار المنحدرين من مناطق الثروة توكيلات سبق لهم الحصول عليها إما بأساليب تجارية او كعوائد لتحالفات في إطار غنائم حرب صيف 1994م.

احياناً تكون الشراكة مدخلاً للاستيلاء، وأحياناً تكون الحماية هي المدخل، المهم ان لا تحظى جغرافيا الثروة بأي تكدسات مالية غير خاضعة للسيطرة.

(7)

عبيد باقيس، تاجر حضرمي في منتصف الستينيات من العمر، ألقي به قبل نحو عشرة أعوام في السجن المركزي بصنعاء بعد ان استولى وريث ينحدر الى المركز المصغر (الأسرة الحاكمة) على توكيلات نفطية وسمكية كانت من نصيب التاجر المغدور به.

 ملف باقيس يكتنز بأحكام الانصاف وتوجيهات الافراج ولكن هيهات ان يحظى بحقوقه وينال من جلاديه، إذ لا يمكن لأدوات العدالة ان تقتص من نفسها..!

توجيهات الرئيس –حين يتعلق الامر بأمثال باقيس- لن تجد طريقها الى التنفيذ حتى لو كانت صريحة وواضحة وقاطعة.

مشكلة باقيس انه رفض التحول من مالك للتوكيلات الى شريك فيها، وحين ألقي به في المعتقل رفض ان يكون تابعاً للوريث الباحث عن الشراكة والاستيلاء.

استمر رفض باقيس بشموخ وإباء، واستمر الوريث في اذلاله والتنكيل به، لدرجة انه لم يقم وزناً لعمره وظروفه الصحية الصعبة، من وجهة نظر الوريث يتعين على باقيس ان يقضي عقداً تأديبياً جديداً في المعتقل كي يتعلم فن التعامل مع الأسياد الطغاه..!

فظاعة انموذج باقيس، ربما كانت هي الأقل من بين عشرات النماذج التي دفعت ضريبةً باهضة مقابل إثراء السادة والقادة والمشائخ في المركزين المصغر والمقدس.

(8)

في نسق منتظم إذن، يقضي رجال الاسرة والقبيلة، اوقات دوامهم وفراغم في تكديس الاموال وتجميد الارصدة وتنظيم حركة الثروات في دورات مالية احتكارية تضمن مضاعفة اموالهم بموازاة زيادة آهات الغالبية المسحوقة.

يواصلون بنهم استنزاف الثروات الوطنية، يستمرأون بوقاحة عقد الصفقات المشبوهة، يشترون قصوراً في الخليج وجزراً في المحيط، يؤمنون على حياتهم بملايين الدولارات، يتطاولون في البنيان ويتنافسون في تهريب الاثار، يوغلون في ابتزاز البيوت التجارية ويبيعون الوعود للشعب الصابر.

وفيما هم ماضون في غيهم، تستجدي بلادهم هبات المانحين ومساعدات الجيران بأثمان باهضة من بقايا السيادة الوطنية المنقوصة.

في بلادي وباختصار شديد يمكن للمرء ان يجد أسوأ النماذج لآلام الشعوب، فالشعب فيها يتألم ويعاني ويكدح، بينما تستمرئ الأسرة والقبيلة احتكار أمواله والعبث بثرواته تحت غطاء الوحدة والشرعية وكفى..!

al_leswas@hotmail.com

-ينشر بالاتفاق مع صحيفة حديث المدينة