لأجل رغد وخطاب وأطفالنا ايضا..
بقلم/ سامي نعمان
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و يومين
الأربعاء 23 يناير-كانون الثاني 2008 09:57 ص

مأرب برس - خاص

 

"لا أريد أن أنسى في السجن"، فؤاد الفرحان عميد المدونين السعوديين قبل ايام من اعتقاله.

لا اسوأ من ان تجد نفسك متهماً بممارسة حقوقك، مداناً بلا جناية سوى غواية الحرية، معتقلا بلا سبب عدا حلم بالعدل والمساواة، وأسوأ من ذلك كله ان تقاسي الغربة في وطن اختلت العلاقة فيه بين الحاكم والمحكوم، فصارت القوانين سلاحا بيد الاول يبرزه متى ارتأى ان الاخير يمارس نشاطا لا ينسجم مع مزاجه، والاسوأ اطلاقا ان تعيش عمرك وانت مدين للحاكم بما جاد عليك من حرية الاكل والشرب والحياة المشروطة بأن لا تتعداها، ذلكم هو حال عميد المدونين السعوديين الزميل فؤاد الفرحان، وكثرون امثاله على طول بلاد العرب وعرضها.

منذ اعتقاله قبل شهر ونصف تقريباً من مكتبه بجده، وانا افكر في الكتابة عنه ولا اجد القدرة، ربما لا اعرف المعلومات الكافيه عن نشاطه الاخير، وإن كانت معرفتي به كافية لأن اتكهن بطبيعته، وأحيانا اخرى بسبب حسن نيه موروثة من زميلي المعتقل ذاته، تقنعني ان عقلاء السلطة السعودية سيطلقون سراحه قبل ان يجد مقالي طريقه للنشر، خصوصا ان الفرحان نفسه اعطى انطباعا جيداً ولم يلق الاتهامات جزافاً تجاه معتقليه عندما تلقى تهديدا صريحا، اذ قال في وصيته التي دونها قبل اعتقاله " طلب المصدر الامني –الذي اتصل به- أن أتعاون معه و أن أكتب اعتذاراً. لكني لا أدري عن ماذا يريدونني أن أعتذر؟ أأعتذر عن أنني قلت أن الحكومة كاذبة في ادعاءاتها باتهام الإصلاحيين بأنهم يدعمون الإرهاب؟ (وان لم افعل) طلب أن أتوقع الأسوأ وهو أن يتم اعتقالي لمدة 3 أيام لحين كتابة تقرير جيد عني ومن ثم يفرجوا عني. و قد لا يكون هناك اعتقال أو حتى اعتذار لكن لو طالت المدة عن 3 ايام أريد أن تصل رسالتي هذه للجميع….لا أريد أن أنسى في السجن.

 

حتى هنا كان يفترض حسن النية قبل ان يفترض سوءها تجاه الطرف الآخر، وهو مثال على السمو في الاحقاد.

 

طال الاعتقال شابا لا يملك من ادوات اقلاق الامن شيئا، لكن قلمه ومدونته في الفضاء الالكتروني، ان جاز ان يحسبا ضمن ادوات الارهاب، طبقا للمعايير الرسمية في المملكة السعودية.

 

ما اتضح في الايام الاخيرة ان المسؤولين تحدثوا عن عملية الاختطاف التي صاموا عن الحديث عنها لأسابيع، خرجوا ليتحدثوا وليتهم استمروا في صمتهم، تحدثوا عن مشروعية الاعتقال ذاكرين ان السبب هو الاخلال بأنظمة غير امنية، التصريح وان كان ايجيابيا في التعريف بأن تهم الرجل ليست خطيرة الا انه تثار تبعا لذلك تساؤلات عن النظام والقانون المتبع في الاعتقال بهذه الطريقة.

 

لستَ بحاجة الى ان تعرف فؤاد الفرحان، كم نفسه شفافة، وتفكيره راق، وسجيته نقية، يكفي ان تكتشف ذلك من قراءة عنوان مدونته، " بحثاً عن الحرية، الكرامة، العدالة، المساواة، الشورى، وباقي القيم الإسلامية المفقودة.. لأجل رغد وخطاب.. ".

 

لا اظن السلطة الحاكمة في المملكة تعتبر البحث الحرية والكرامة والمساواة تهديدا لأمنها، بل اجزم انها هي تنادي بذلك وتزعم انها تسعى لأجلها، لا اظنها تفهم ان فؤاد يعمل لأجل اسرته فقط كونه ذكر رغد وخطاب، وذاك حقه، وانما يرمز بهما لكل اطفال المملكة، وهو ذاته ما تدعي الحكومة السعودية ايضاُ انها تعمل لأجله، هو لا يدعو الى قلب نظام الحكم لا يدعو الى الثورة على النظام الملكي، لا يدعو الى العنف، بل يدعو الى حقوق ومواطنة متساوية، وحرية وعيش كريم ، ومستقبل اكثر استقرار لرغد وخطاب وزملائهم.

 

ستعرف ان ابا رغد وخطاب مثقف سلمي من طراز رفيع حينما تقرأ له في مدونته تعليقا عن استخدام العنف والعمليات الارهابية التي تشهدها المملكة فيكتب واصفا غواة الارهاب: لا يلجأ للسلاح والتفجير والعنف إلا عاجز بلغ من الإحباط درجة جعلت له فكرة سفك الدماء وتيتيم الأطفال وأرملة النساء فكرة مقبولة لتحقيق أهدافه وتحقيق الإنتقام.

 

على ذكر هذا الامر في دولة تعاني كثيرا كما غيرها الكثير من دول المنطقة من تفجيرات ارهابية واستهداف للمدنيين ربما بسبب عقود من تنمية الفكر المتطرف بعيدا عن اعين الرقابة، فقد وجدت دراسة اميركية اجريت في جامعة "جون كندي" عام 2004، ان هناك علاقة وثيقة بين الارهاب وانعدام الحقوق السياسية والمدنية، اذ تزداد موجات الارهاب في البلدان التي لا تتوافر فيها الحريات السياسية والمدنية وابرزها حرية الرأي والتعبير، هناك استثناءات بطبيعةالحال، ومن هذا المنطلق نجد هذا هو القاسم المشترك بين معظم بلداننا العربية، شكوى دائمة من الارهاب وتضييق مستمر على حرية القول والتعبير، رغم ان غالبية دول المنطقة موقعة على الاعلان والعهد العالمي لحقوق الانسان وغيره من المواثيق التي تكفل الحقوق والحريات..

 

رغم ذلك تواصل السلطات العربية العزف على ذات الاسطوانة المشروخة، بل ربما تصل بعضها الى التعاطف مع المتطرفين والتضييق على حملة الاقلام، في مفارقة لم يعد أحد قادر على ادراك المغزى منها او استيعاب طبيعة العقلية التي تعتمدها.

 

الفرحان رغم انه ليبرالي الا انه لا ينصب نفسه عدوا للدين، وتحميله تبعات ازماتنا وتخلفنا التي نصنعها بأيدينا، بل كما يقرأ من شعاره السابق انه يبحث فيما يبحث عنه عن القيم الاسلامية المفقودة، هو يدعو الى الليبرالية لكن بعقلية لا تلغي طبيعة مجتمعاتنا المتدينة بالفطرة، كي لا يطغى الخلاف على التعايش، يؤمن بقيم الليبرالية لكن اذا استمدت او انسجمت مع روح الاسلام الحنيف، لا يسعى الى نشر الحرية على حساب قيم الدين. 

 

اذكر في هذا السياق انني كنت وفؤاد نتمشى في شوارع الدار البيضاء بالمملكة المغربية التي وصلناها في يوم شهد ثلاث تفجيرات انتحارية استهدفت رجال امن، حينها وجدنا ان وزارة الاوقاف والشئون الاسلامية المغربية –لا اذكر الاسم بالتحديد – بدات بتدشين حملة توعية دينية وتعليق شعارات دينية في الشوارع تشير الى تعاليم الاسلام بانه دين يحض على السلم، "كل المسلم على المسلم حرام"، اتفقنا فؤاد وانا على ان الحل للفكر هو الاقناع بالفكر، اعجبتنا طريقة المعالجة، واتفقنا ايضا على ان الحاكم العربي ينظر الى الدين كاداة يسخرها غالبا متى دعت المصلحة لذلك، ولا يوظفها منذ البداية. يومها كان فؤاد متألما من تفجيرات الدار البيضاء كتألمه على تلك التي تقع في الرياض او جده، بل ربما تحسر اكثر بسبب الفرق بين مستويات التعايش التي هي في المغرب اكثر مما هي عليه في المملكة او اليمن.

 

يمتلك فؤاد من الروح الانسانية ما يجعلك تحترمه وتقدره ويصير محل اعجاب، لم يحدثني عن نفسه وانشطته الخاصة الكثيرة الا نادرا، لكن طغى على حديثه عن المملكة التعريف بالمعاناة التي يقاسيها كثيرون، معتقلون وممنوعون من الكتابة، وممنوعون من التعبير، وتجاوز الخطوط الحمراء على كثرتها، لم يتحدث عن نفسه كثيرا حتى انني يومها لم اعرف ان مدونته محجوبه عن التصفح في المملكة وهو ما منعه من التحديث، رغم انه استدعي لمؤتمر المغرب بصفته مدونا.. http://www.alfarhan.org /..

 

اعتقلوا فؤاد، صحيح تمكنوا من منعه من الكتابة عن الاصلاحيين السعوديين المعتقلين، حجبوا صوته بزنزانه انفرادية دون تهمة، لكن في المقابل اصبح صوته المعتقل حديث العالم من ادناه الى اقصاه، فحكاية فؤاد الفرحان اصبحت موضوعا دسما قفي القنوات الاخبارية، كما اصبح كابوسا مزعجا للسلطات السعودية بسبب كثرة نداءات المنظمات الحقوقية المطالبة الملك بالافراج عنه، حتى راعي الديمقراطية الكاذب، والذي يمالئ مصالحه في العالم العربي خصوصا السعودية، عض على اسنانه وتحدث من الخارجية الاميركية عن فؤاد الفرحان، في بادرة نادرة من سادة البيت الابيض، وذاك ثمار الاعتقال، التي لم تكن السلطات السعودية تعتبرها في الحسبان ولا زال كثير من مسؤولي المملكة يعدون الفرحان هامشا في احاديثهم موداخلاتهم لوسائل الاعلام التي تبحث القضية، لا بأس ليظل هامشاً..

 

ربما يُعذّب هناك في المحتجز بصور عشر شخصيات تشمل تجارا ومسؤولين ورجال دين كان كتب عنهم قبل ايام، بأنه لا يحبهم ولا يتمنى رؤيتهم، لكنهم فتحوا بابا جديدا للحرية، لن تقف السجون حائلا دونها، اليوم آلاف السعوديين والعرب صحفيين ومدونين وغيرهم من دول شتى حول العالم يكتبون عن فؤاد عميد المدونين السعوديين، وأحد رواد الحرية هناك.

 

اسلوب القمع لم يعد مجديا في هذا الزمن المفتوح، عصر الانترنت والفضائيات والاقمار الصناعية، عصر العولمة والديمقراطية وحقوق الانسان، اسكات الاصوات يطلق الاف الاصوات بالنيابة، تكميم الافواه لا يمنع الحديث بأي طريقة عن اسباب التكميم، الحرية اصبحت خيار العصر وحلم كل طفل يقطن بيتا عربيا متهالكا بغياب العدالة والمواطنة، هو يفكر فيها بطريقة اخرى حتى وان لم نفهمها وان كانت مقتصرة حاليا على العيش الكريم..

 

يتوجب على عقلاء المملكة من اصحاب القرار تدارك الامر، اذ ليس معقولا ان يخلو صناع القرار هناك من مسؤول عاقل او رجل رشيد، ليس معقولا ان ينصرفوا لحل العقد الاقليمية في فلسطين ولبنان والصومال، والبيت الداخلي يعاني خللاً ليس فيه من شيء سهل سوى الحل، وبقليل من التفكير وليس التحقيق يدركون ان الفرحان هو الهدف الخاطئ الذي وضع في غير موضعه، ليس عيبا ان تصحح الخطأ و الاعتذار عنه لكل طفل يعمل فؤاد لأجله، فهم يتعاملون مع احد مواطنيهم وبني جلدتهم، وليس مع غاز قادم من كوكب آخر..

 

كما يتوجب على انصار الحرية في العالم خصوصا في اليمن، حيث لا مدونات، ان نلتفت الى هكذا قضية في بلد جار كان فؤاد يتحدث عن مظلومين يمنيين فيه، عن اطفال يساء معاملتهم واستخدامهم، عن حقوق لا يؤمن بها صناع القرار لكن ينبغي ان ندفع ضريبة ايماننا بها .. نحن... بالامس كان كريم عامر واليوم فؤاد وغيره ربما العشرات لا نعلمهم، وغدا لا نعلم على من سيكون الدور..

 

يدير فؤاد شركة برمجيات، هو مالكها، وكان بإمكانه العيش برفاهية كما ملايين العرب، ممن لا يتعدى تفكيرهم شهواتهم، بامكانه العيش بأرقى مستويات العيش الكريم لكنه فضل ان يعيش حياة اخرى مليئة بالصعاب لكنها مريحة للضمير وللمسؤولية التي ادركها..

 

من أجل ذلك... ومن اجل كل القيم السامية التي تحملها..

 

نتضامن معك.. لن ننساك مشعل الحرية ، داعية الفرح والسعادة..

 

لن ننساك فؤاد .. من أجل رغد وخطاب، من أجل اطفالنا ايضاً..

 

saminsw@gmail.com

 

مراجع:

 

مدونة فؤاد الفرحان: http://www.alfarhan.org /

 

موقع الحرية لفؤاد.. http://ar.freefouad.com /

 

للتضامن مع فؤاد... وقع هنا .. ( http://ar.freefouad.com/wp-content/uploads/2008/01/ar_petition.gif )