بعد الصيام والقيام نام المؤذن والإمام
بقلم/ د.عائض القرني
نشر منذ: 15 سنة و شهر و 19 يوماً
الخميس 08 أكتوبر-تشرين الأول 2009 06:33 م

لا ينتهي عجبي منّا نحن المسلمين وجهلنا بالدّين، في رمضان امتلأت المساجد والساحات المجاورة للمساجد بالناس في صلاة التراويح، وهي نافلة وسنة، فلما انقضى الشهر لم يحضر إلا صف أو صفان في الفرائض، بل نام المؤذن والإمام أيام العيد عن الفريضة؛ لأنهما منهكان من صلاة التراويح والقيام النافلتين، نهتم بالنوافل ونهمل الفرائض، نحسّن الظاهر ونهجر الباطن، نقبل على الشكل ونترك المضمون، ومن تجليات الأمة في رمضان، بل من حركات (نص كم)، أن الإمام يبكي وينوح ويصيح في دعاء التراويح فيتحول المسجد إلى نياح كربلائي، بينما إذا قرأ القرآن هذّه بلا خشوع ولا بكاء، ونترك الدعاء بالمأثور الثابت ونؤلّف من عندنا أدعية سامجة باردة كقولهم: ولا تدع أعزباً إلا زوّجته ولا مطلقة إلا جبرت خاطرها، ولا مديناً في بناء عمارة إلا قضيت دينه، وأصلح خالاتنا وعماتنا وصديقات أمهاتنا ومن له حق علينا إلى آخر هذا الهذيان، ويذهب الكثير منا بأهله لأخذ العمرة في رمضان وهو لا يحضر صلاة الجماعة فيترك أبناءه وبناته شذر مذر في فنادق مكة وأسواقها، وأقسم لي أخ من دولة عربية أنه وفد مع حملة لأخذ العمرة في رمضان وكثير من الحملة ما كانوا يصلون الفريضة في بلادهم فصلّوا التراويح في الحرم وبكوا حتى رثيت لحالهم، فلما جاء العيد عادوا لما نهوا عنه من ترك الفرائض وارتكاب الآثام، وفي قرية من القرى كان مؤذنهم خفيف ظل ومزّاحاً ويشكو من قلة المصلين، فكان يحضر معهم الفريضة خمسة، فلما دخل رمضان ملأوا المسجد لصلاة التراويح، ولما أمَّن الإمام أمّنوا فارتج المسجد فصاح المؤذن يقول: (عاشوا) مستهزئاً بهم، ولما سلموا التفت إليهم وقال: مستفهماً تضحكون على ربي؟ تعالى الله عن ذلك.

وكثير ممن لا يحضر صلاة الجماعة في الفرائض يستعد لصلاة التراويح والقيام فيحضر مبكراً ويحجز مكاناً ومعه القهوة والشاي ويلتفت إلى جيرانه ويسألهم: هل ختم القرآن في مسجدكم؟ لأن ختم القرآن في المساجد صار مغايرة ومغالبة، وأخبرني رجل مسن عامي أنه ذهب بأهله لأخذ العمرة قال: «أبشرك وفّقنا الله، والله ما جلسنا في الحرم إلا ساعتين من قلة الزحام؛ لأننا تركنا الناس وقت دخلوا في صلاة الفجر طفنا وسعينا»، وكأنه قصد غفلة المسلمين واشتغالهم بالصلاة، فاحتال عليهم وأدى العمرة. وكان في حي الجرادية بالرياض إمامٌ قديمٌ أعمى البصر نافذ البصيرة، فغشاه الناس في رمضان غشيان الجراد، فأحس بحركاتهم وأصواتهم، فقرأ في الصلاة آخر الأحزاب: (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلا)، يسمعهم إياها فلما انصرف من صلاته أخذ الميكرفون وقال: «ما شاء الله المسجد اليوم مليان ماذا حصل؟ هل عندنا حفل زواج؟ أثركم تعرفون إن فيه مسجد أو رباً يُعبد، لكن نصبر عليكم أياماً معدودة وبعدها ما نشوف وجوهكم سنة كاملة»، فيا من قتل الحسين وسأل عن دم بعوضه، لا تقدموا النوافل عن الواجبات المفروضة، ولا تحولوا الشريعة إلى فوضة، إن الدّين ليس تظاهرات وطقوساً وأشكالاً، لكنه معانٍ ومقاصد وحقائق، وغالب الناس مثلهم كمثل المرأة الغبية الحمقاء التي لما أخبروها بقتل ابنها برصاصة، سألتهم أين وقعت الرصاصة؟ قالوا: وقعت في جبهته، قالت: الحمد لله على سلامة عينه من الرصاصة، وهو قد قُتل أصلاً، عندنا شغف بالجزئيات على حساب الكليات، والمستحبات على حساب الواجبات، والبعض أكثر من الدروس والمحاضرات في إعفاء اللحية وإسبال الثوب، وشرب الدخان والأغاني، وترك تصحيح العقيدة وإصلاح العبادة وتقويم الأخلاق، وذلك من قلة الفقه وضعف الرأي، أسأل الله أن يفقهنا في الدّين، لنحسن عبادة رب العالمين.