أرفض التمييز العنصري
بقلم/ د.عائض القرني
نشر منذ: 15 سنة و شهرين و 17 يوماً
الأربعاء 09 سبتمبر-أيلول 2009 10:31 م

لما مثّلتُ لبائعة الفصفص النيجيرية في مسألة نظم الشعر ذهب بعضهم إلى أني أدعو إلى التمييز العنصري وتفضيل لون على لون ومعاذ الله لا أعتقد هذا ولا أدعو له لأنه يصادم ديني وإيماني بربي الذي يقول: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وقد كتبت في هذه الجريدة الرائدة مقالة «الرجل الأسود في البيت الأبيض» ومقال «كارثة قبيلي وخضيري» ذكرت أن الإنسان شرفه في إيمانه وأخلاقه وجده ومثابرته ونجاحه في الحياة، وقد سبق أن اعتذرت لبائعة الفصفص بقصيدة وربما كانت بإيمانها وتقواها أفضل مني ومن عشرات أمثالي فإن أم أيمن المرأة السوداء هي أم الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاعة كان يزورها هو وأبو بكر وعمر في بيتها ويحترمونها ويجلّونها، وأم محجن المرأة السوداء الحبشية سأل عنها صلى الله عليه وسلم فلما أُخبر أنها ماتت قام على قبرها يدعو إكراما لها، لأنها كانت تكنس المسجد، وحرام علينا نحن المسلمين أن نميز إنسانا بسبب أصله أو لونه، لأن مسألة الفضل أمر آخر لا تعود إلى الشكل ولا العنصر ولا الدم ولا اللون، لقد كان بلال بن رباح وصهيب الرومي وسلمان الفارسي من سادات المسلمين وأعيان الصحابة وهم أفضل منا وأشرف وأرفع، ولو أدركناهم لتشرفنا بخدمتهم لأنهم نصروا الإسلام ورفعوا راية الحق وشاركوا في تأسيس دولة الحق والعدل والسلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنا استغرب من بعض إخواني أن يفهم مني أنني أدعو إلى تفضيل جنس على جنس ولون على لون أو احتقار طائفة من الناس، وقد قلتُ في قصيدة قبل عشر سنوات:

* ولا تحسب الأنساب تنجيك من لظى - ولو كنت من قيس وعبد مدانِ

* أبو لهب في النار وهو ابن هاشم - وسلمان في الفردوس من خرسانِ

* ولما فاز باراك أوباما برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية حييت الشعب الأمريكي الذي لم ينظر إلى اللون وإنما نظر إلى الموهبة والعبقرية، ثم إنه في ديننا الإسلامي حرام احتقار الإنسان مهما كان جنسه ولونه لأن هذا الإنسان الضعيف المسكين البائس قد يكون أفضل عند الله من مئات الوجهاء والأغنياء والأعيان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ربَّ أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره»، وإننا نجد في قلوبنا من الحنان والشفقة والانكسار إذا نظرنا إلى الضعفاء والمحرومين وهم ينامون على الأرصفة ويبحثون عن كسرة الخبز ونقول في أنفسنا: لعل الله ادخر لهم من النعيم المقيم ما الله به عليم، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه». وقد رأيت في حياتنا المعاصرة من بلغ النجومية في السياسة والأدب والفكر والاقتصاد وسائر فنون الحياة من الألوان والأجناس والأعراق كافة حتى شهدنا في السعودية من حاز المجد وأدرك السؤدد ولم يُلتفت إلى عنصره ولا لونه، وكان بعض أساتذتنا في الجامعات وأدبائنا وعلمائنا من غير الأصل العربي فكنا نتتلمذ عليهم ونفرح بخدمتهم ونحيي مجدهم وشرفهم، ونعوذ بالله أن يحمل المسلم نظرية التعالي على البشر بأصله أو لونه فإن هذا من الحمق والغباء مع مخالفة الشريعة والقدح في سنن الحياة والسعي في تمزيق الأخوّة الإنسانية ولا يفعل هذا إلا من قلّ فهمه للدين ورسب في امتحان الحياة وأخفق في صناعة المجد وانهزم في سُلّم النجاح فعاد يتعلق بأمور وهمية، مرحبا بالخيّرين والمبدعين والناجحين من كل جنس ولون وتحية للفقراء والمساكين والمحرومين والمضطهدين والمعذبين في الأرض، وفي الأثر : «إن الله عند المنكسرة قلوبهم». ومن نحن حتى نفتخر على أحد أو نتعالى على بشر وقد جئنا من تراب ومشينا على التراب وسوف نُدفن في التراب، وقد قلت في قصيدة: «لا إله إلا الله» وأنا أمدح الله:

* من أنا حتى أمدحه من تراب في تراب - الواسع رفعني على مرقابها

* عن الشرق الأوسط