أمريكا وإيران ودول الخليج.. سباق الأمن والاستقرار!
بقلم/ نصر طه مصطفى
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و 5 أيام
الجمعة 21 ديسمبر-كانون الأول 2007 08:27 ص

من الطبيعي والطبيعي جدا أن يستغرب الكثيرون رؤية الرئيس الإيراني الحالي أحمدي نجاد بين قادة الاعتدال السياسي الخليجيين في قمة مجلس التعاون التي انعقدت أوائل الشهر الحالي في العاصمة القطرية الدوحة، وهو مكسب سياسي كبير للرئيس نجاد لم يحظ به الرئيس الإيراني السابق (محمد خاتمي) الذي كان بحق رمزا للوسطية الإسلامية والاعتدال السياسي... وفي النهاية لا غرابة في كل ذلك فالسياسة لها أحكامها ولعلها مثل الفتوى تقدر زمانا ومكانا وشخصا، فما لم تيسره الظروف للرئيس خاتمي أتاحته للرئيس نجاد، وإذا كان خاتمي هو من نجح في تطبيع علاقات بلاده بدول مجلس التعاون الخليجي بعد عقدين من التوتر فإن نجاد هو من كان له حظ المشاركة في إحدى قمم المجلس التي ظلت محصورة في قادته لأكثر من ربع قرن، بل إنه كان أول رئيس إيراني يزور دولا خليجية لها مع بلاده حساسيات جغرافية وتاريخية كالإمارات والبحرين رغم أنه اليوم مصنف كعدو أول للغرب الأوروبي والأمريكي نتيجة تصريحاته الحادة والجريئة فيما يتعلق بالمحرقة اليهودية والمسألة السامية ووجود إسرائيل!

من حق قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن يقدروا مصلحة بلدانهم وأن يبحثوا عن الوسائل المثلى لتأمينها من احتمالات مواجهة أمريكية إيرانية في ظل السياسات الطائشة للرئيس جورج بوش، فهم يرون نتيجة سياساته هذه ماثلة أمامهم في (النموذج الديمقراطي العراقي) القائم حاليا، حيث البلد جاهز لإعلان تقسيمه رسميا في أي لحظة وحيث البلد يعيش حربا أهلية فعلية بين طوائفه وأعراقه التي عاشت موحدة طوال القرون الماضية حتى الاحتلال الأمريكي لأراضيه منذ حوالي خمس سنوات ولاشك أن الجميع يعلمون وفي المقدمة دول مجلس التعاون أن المنطقة لن تحتمل بالتأكيد وجود (نموذج ديمقراطي) آخر في إيران رغم كل الحجج والأعذار التي تسوقها الإدارة الأمريكية لضربة عسكرية ضد هذا البلد الذي يستحيل أن يكون لحمه غضا طريا مثل لحم عراق (صدام حسين) الذي كان ظاهرة صوتية للأسف أكثر، إذ أثبتت حرب تحرير الكويت أنه لم يكن جاهزا لأي معركة حقيقية أما الحرب الأخيرة فهي لم تفعل أكثر من أكل طرف (منسأته) ليتهاوى في لحظة واحدة ما تبقى من الجسد المتهالك المراد له اليوم أن يكون أنموذجا ديمقراطيا للعالم الثالث!

لاشك أن قادة مجلس التعاون يدركون أهم الفوارق بين شخصيتي الرئيسين الإيرانيين السابق والحالي لكنهم وهم يستضيفون الرئيس نجاد في قمة الدوحة هم يدركون أولا وقبل كل شيء أنهم يستضيفون (إيران المرشد آية الله خامنئي) القائد الفعلي وصاحب القرار الحقيقي سواء في عهد خاتمي أم في عهد نجاد، فمهما كان تأثير شخصية رئيس الجمهورية إلا أنه في النهاية موظف لدى المرشد الأعلى للبلاد والموجه الفعلي للسياسات العليا وفي مقدمتها قضية (المفاعل النووي) ولذلك ظل موقف طهران فيما يخص هذا الموضوع هو هو لم يتغير منذ تفجرت هذه الأزمة على عهد طيب الذكر خاتمي... وعندما يرى قادة الخليج أن الرئيس نجاد بكل تشدده العقائدي يريد تجنيب بلاده أي مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة وما قد يترتب عليها من إضرار بعلاقات إيران مع دول المجلس فإن من الطبيعي أن يحرصوا على التفاهم معه وأن يفتحوا أمامه أبوابا يمكنهم من خلالها تجنيب بلدانهم منفردة والمنطقة مجتمعة كارثة حقيقية يمكن التنبؤ ببدايتها لكن يستحيل التنبؤ بنهايتها إن كان يمكن أن يكون لها نهاية أصلا!

وبغض النظر عما جاء في الخطاب الرسمي للرئيس نجاد في القمة الخليجية من تسويق لعدد من الرؤى الاقتصادية فإن قادة الخليج كانوا محقين في دعوته للجلوس معه على طاولة واحدة والسماع منه حول حقيقة الموقف خلف الأبواب المغلقة بعيدا عن ميكرفونات وكاميرات الإعلام فالأمر أخطر من أن يتم دفن الرؤوس معه في الرمال، وإيران ثابت جغرافي وتاريخي في المنطقة ناهيك عن أن نفوذها السياسي اتسع بصورة لافتة للنظر في هذه الفترة وعلى صورة غير مسبوقة في تاريخها... كما أن الأحداث الأخيرة منذ بداية هذا القرن – على أقل تقدير – أكدت وتؤكد أن هناك تخبطا لافتا في السياسات الأمريكية تجعلها محل شك ولا يمكن السكوت عنها لتفعل ما تريد دون ضابط ولا رادع وآخرها هذا التقرير الصادر عن مجموع أجهزة الاستخبارات القومية الأمريكية الذي أكد أن برنامج إيران في مجال تخصيب اليورانيوم اللازم لتصنيع قنبلة نووية متوقف منذ العام 2003م واعتبره الإيرانيون نصرا سياسيا لهم فيما اعتبره حلفاؤها الدوليون والإقليميون صفعة موجعة للرئيس بوش وسياساته والذي ظل مصرا على موقفه المتشدد تجاه إيران حتى بعد خروج التقرير ألاستخباري للعلن!

والأكيد أن من أكبر الأخطاء السياسية السماح بعزل إيران عن جيرانها ومحيطها الإقليمي كما حصل مع العراق، لأنها بذلك ستتحول إلى شر خالص خاصة مع تزايد نفوذها الإقليمي في المنطقة بصور وأشكال مختلفة جعلت بعض القادة العرب يحذرون بجد من مخاطر تكون هلال شيعي يقوض كل إمكانيات السلم والاستقرار في المنطقة... ولذا فمن الحكمة مد جسور التفاهم مع هذا البلد الكبير جغرافيا وسكانيا واقتصاديا وعسكريا والدفع باتجاه ترشيد قراره السياسي مقابل الكثير والكثير من المصالح الاقتصادية المشتركة التي جاء نجاد لتسويقها في قمة الدوحة والتي يمكن وضع تصورات مرحلية متدرجة لتنفيذها على طريق تأسيس مجلس اقتصادي يضم دول المجلس ومعها كل من اليمن والعراق وإيران لتشكل بمجموعها كيانا اقتصاديا قويا ينعكس أداؤه بشكل إيجابي على أمن واستقرار منطقة الجزيرة والخليج تحديدا وسيمتد بلا شك تأثيره الإيجابي إلى كامل المنطقة العربية خاصة إذا استمر التعنت الإسرائيلي المتوقع أثناء مفاوضات الحل النهائي التي بدأت أخيراً في أعقاب مؤتمر (أنابولس) للسلام.

* مجلة المجلة