هذا هوالرئيس.. بتفجير في صنعاء يخمد الحريق في صعدة
بقلم/ علوي الباشا بن زبع
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 3 أيام
الأربعاء 23 يوليو-تموز 2008 04:17 م
على غير العادة وعلى خلاف القناعات الشخصية سأتجرد من صورة الرئيس صالح التي علقت في ذهني منذ مقتبل العمر لأستحضر في هذ المقال صورة أخرى حفرها الرجل لنفسه في قواميس السياسة العربية أجد نفسي متوقفاً عندها غصباً عني وعن كل منتقدي الرئيس وأنا منهم.
الرجل طوى الآن ثلاثة عقود من الزمن حاكماً لليمن برجالها العصية وجبالها الوعرة وصحاريها المهلكة وسواحلها الهادرة مضيفاً جنوبها إلى شمالها وحاشراً قحطانيها في عدنانيها ومسلطاً زيديها على شافعيها وحاشديها عل بكيليها ممسكاً كل الخيوط ومتابعاً لأدق التفاصيل ومقيداً بسيادته أغلب الرموز دون أن يصطدم معهم ومطلقاً بعنجهيته أيدي الفوضويون الجدد ليغرقهم ويغرق البلد معهم دون أن يأبه بهم ولكن دون أن يتركهم يهلكوا فإذا اشرفوا على الغرق أنقذهم وأنقذ نفسه قبلهم.

هذا الرجل في غفلة من الزمن وفي أصعب اللحظات وأدق الظروف وأخطر المراحل قفز من سيارته الجيب المستعملة في صالة مطار تعز المهترئة ليستقل طائرة عمودية عفا عليها الزمن متجهاً بها إلى صنعاء عازماً بدون سابق تخطيط أو صفقات مبرمة أن يكون هو الرئيس القادم حالفاً يمين جازمه "حرام وطلاق انها عندي ذي المرة" غير آبه –لو كان يعلم – بمقترح وزير الدفاع الجنوبي صالح مصلح الذي كان يتداوله المكتب السياسي في عدن حول قرار منع وصوله إلى صنعاء ولو قدر يومها للحزب الإشتراكي أن يوافق على مقترح الوزير لكانت طائرتان من سلاح الجو الجنوبي قد إعترضتا الطائرة العمودية وقرحتها والرائد علي عبدالله صالح في الجو إلا أن القدر شاء أن يكون هناك 17/7 و7/7 وسبعات كثيرة في أجندة الحسابات الفلكية لا يعلم مدلولها العلمي إلا الرئيس نفسه وشخص آخر مغمور لا داعي لذكر إسمه.
ولا شك أن قراءة مكونات ومكنونات شخصية الرئيس صعبة جداً وغاية في التعقيد تحتاج إلى قدرة فائقة في فهم ما بين السطور واستشراق ما خلف غير المعلوم وهو ماليس لي أن اتحدث عنه لعدم معرفتي بالرجل عن قرب وقلة مهاراتي في قراءة من هذا القبيل.
  وأفضل ما يمكن عمله حيال قراءة معقدة من هذا النوع هو التحدث عن ظواهر الأمور، ففي إعتقادي أن الرئيس يثبت في مواقف كثيرة أن قراراته وليدة اللحظة، فهو من النوع الذي لا يسمع أحد ولا يستشير مقرب ولا يرتجف إذا هب الطوفان ولا يبالي إن إنحنى للعاصفة.
إني أخاله رجل صعب المراس ذو مزاج غريب يعتقد البعض في لحظة أنه معه وتجده في أخرى يقصم ظهره وهذه هي أهم الركائز التي يتكيء عليها الرئيس خلال ثلاثون عاماً من الحكم.
فهي جانب مهم من مكونات شخصيته وعقيدته في الحفاظ على الحكم طيلة هذه الفترة من الزمن والرجل لا يخفي هذه الطريقة في التعاطي مع الغير فهو يردد دائماً في أحاديثه وخطبه مقولة "أن الكرسي من نار" و "إن حكم اليمن أشبه بالرقص على رؤوس الثعابين".

وهنا أجزم أن اللذين يقتربون من الرئيس ويتحدثون في الشئون العامة مادحين أو منتقدين يفوتهم كثيراً التنبه لمدلول "الكرسي من نار" فمن مصلحة من يقترب من الرئيس مساعداً أو ناصحاً أن يدرك أنه كلما إقترب فإنه يدنوا من الكرسي الملتهب.
هكذا هي نظرة الرئيس للمسافات العازلة بينه وبين الآخرين، فتحريم الدخول في المنطقة العازلة عقيدة عند الرئيس على خلاف غيره من الحكام ربما أنه يؤمن بها إلى حد التطرف دون أن يعني هذا تجريم إنتقاد الرجل فطالما وأنت بعيد منه فلك أن تقول ما تشاء.
كما أن التعاطي مع الأخ الرئيس صاحب نظرية "الرقص على رؤوس الثعابين" يتطلب ممن يقترب من ملعبه أن يملك واقعية كبيرة مع النفس منطلقاً من حقيقة أن الرجل ينظر له ولغيره دون تمييز على أنه ثعبان من بين الاف الثعابين الذين تقع عينه عليهم لا يأمن أحد منهم ويؤمن جيداً بالرقص على رؤوسهم بما تتطلبه هذه اللعبة من خفة الحركة والمهارة الفائقة في حسابات المسافات والأثقال، فالتعاطي مع الرئيس شبيه إلى حد كبير بهذه المعادلة الصعبة واللعبة الخطيرة التي لا يمكن لنجوم هوليود أن يجسدونها فيلما سينمائياً في التاريخ المعاصرالحديث عن مكون شخصية الرئيس صالح ونظرية "الثعابين والكرسي الملتهب " بقدر ما فيه من قراءات تثير الدهشة والإعجاب معاً فإن فيه في المقابل محطات كثيرة تبعث على الإستغراب والحسرة في آن واحد إذ لا يمكن تفهم أن شخصية تمتلك هذا القدر الهائل من الذكاء والحرفية في إتخاذ القرارات الصعبة والإنتحارية أحياناً ليس بمقدورها أن تبني تنمية فعلية وإستقرار حقيقي أنها مفارقة غريبة وسؤال عريض لا أجد له إجابة بأي حال من الأحوال.
بكل المقاييس السياسية والعسكرية يعتبر قرار وقف الحرب في صعدة قرار متهور وخطير لا يمكن أن يقدم عليه عاقل فضلاً عن رئيس دولة هذا بالمقاييس المتعارف عليها، أما بمقاييس الحالة اليمنية والطريقة الخارقة للعادة التي يدير بها الرئيس أزماته في الداخل وفي علاقاته الخارجية فإن قرار من هذا النوع معقول ومقبول إلى حد كبير بل إنه قرار سليم بإمتياز.
ادرك وقع هذا القرار على الجميع وما أحدثه من صدمة وذهول في صفوف الجيش والشارع اليمني وفي أروقة أركان السلطة والمقربين وحتى في داخل مجاميع جماعة الحوثي الذين أعتقد أنهم لا زالوا خارج منطقة إستيعاب القرار باعتباره من العيار الثقيل أو تفجير من النوع مزدوج التأثير والإرتداد ولكن رغم كل هذا أنا مع الرئيس ولأول مرة بدون أي تحفظ مختلفاً في النظرة إلى هذا القرار مع كل اللذين أتفق معهم على طول الخط، فقراءتي للموقف الذي نتج عنه هذا القرار تقودني إلى تأييده والإعجاب به أيضاً.
قبل إعلان الرئيس إيقاف الحرب بأيام كانت هناك لقاءات كثيرة وأفكار عديدة تداولها الرئيس مباشرة مع قادة الجيش ومشائخ قبائل صعدة وقوى سياسية محسوبة على النظام أو معارضة له إلى جانب ذكرى 17/7 ولعل الرجل خلص إلى أهمية إتخاذ خطوة القفز إلى حافة الهاوية ليحشر أعوانه وخصومه في زاوية حرجة مستهلاً بها عامه الواحد والثلاثون ليعطيهم مجدداً درساً في فن "الرقص على رؤوس الثعابين" حتى لا يعتقد أحد ان تقدم الرئيس في السن افقده مهاراته المعهودة في خلط الأوراق وقلب الطاولات ومزج الحابل بالنابل ليبدأ عام جديد بدون أصوات رصاص ولا تقارير تبعث على التوتر.
الخلاصة:
الإجابة على السؤال المهم " لماذا هذا القرار بهذا الإخراج وفي هذا التوقيت بالذات؟" تكمن في ما سبق الإشارة إليه وخاصة إعادة تنشيط ذاكرة الأعوان والخصوم على قاعدة "الثعابين والكرسي الملتهب" فتلك هي زبدة الإجابة. وعلى اللذين يريدون الإستغراق في التحليل أن يستحضروا العوامل الداخلية والخارجية بما فيها الوضع العسكري الميداني في صعدة والإنقسام القبلي في صنعاء والإختراق السوري في باريس والإنفراج الأيراني الأمريكي في جنيف والمشهد السوداني في دارفور والخرطوم ونيويورك وإنتصار حزب الله في مفاوضات الأسرى وإنكسار تيار المستقبل في إتفاق الدوحة وإجمع وإطرح تجد القرار سليم ينقصه فقط أن صعدة في مهب الريح.
رسائل قصيرة: -   
       
الأخ الرئيس القرار سليم وأحييك عليه وأنصح بقراءة صلح دعان. -    
      
اللواء على محسن الأحمر تقبلها بروح رياضية، فقد أبدعت في الميدان.
 
السيد عبدالملك الحوثي ما كل مرة تسلم الجرة.
الشيخ حسين الأحمر إقرأ هذا المقال جيداً إن شئت.