غسيل الأموال في اليمن .
بقلم/ شهاب الدين عبدالله الدبعي
نشر منذ: 15 سنة و 11 شهراً و 11 يوماً
الإثنين 15 ديسمبر-كانون الأول 2008 04:04 م

مأرب برس – خاص

بداية لقد انتشر مصطلح غسيل الأموال في الأوساط الإقتصادية والسياسية في الساحة اليمنية ولقد اقيمت لذلك المؤتمرات والندوات التي عنيت بشرح تلك العملية وتعقيداتها وآثارها السلبية على الإقتصاد القومي والمجتمع ككل خاصة بعد استفحال الظاهرة في الوسط اليمني و بحسب تصريحات مدير وحدة غسيل الأمول في البنك المركزي اليمني عن كشف أحدى عشر حالة لتبيض (غسيل) الأموال من قبل وحدة غسيل الأموال في البنك المركزي اليمني ولأهمية الظاهرة رأيت كتابة هذا المقال من باب تسليط الضوء مبينا ماهية تلك العملية وكيفية القيام بها وآثارها السلبية على الإقتصاد والمجتمع.

ونبدأ اولا بشرح مفهوم عملية غسيل الأموال : قديما كان مصطلح غسيل الأموال مطبقا فقط على الإجراءات والعمليات المالية المرتبطة بالجرائم المنظمة . حاليا اتسعت دائرة المصطلح لتشمل كل عمل أو إجراء يهدف إلى إخفاء أو تحويل أو نقل أو تغيير طبيعة أو ملكية أو نوعية وهوية الأموال المحصلة من أنشطة أو أعمال إجرامية وغير قانونية أو غير مشروعة والتي قد يقوم بها أفرادا أو شركات صغيرة أو كبيرة أو منظمات إجرامية عالمية مثل تجار المخدرات وتجار الجنس والرقيق وتجار السلاح وكذلك المافيا، وذلك بهدف التغطية والتمويه والتستر على المصدر الأصلي غير القانوني لهذه الأموال، لكي تظهر في نهاية الأمر على أنها أموال نظيفة ومن أصول سليمة ومشروعة، بينما هي في الأصل غير ذلك.

وتقوم تلك المنظمات الإجرامية بعملية غسل أموالها والتي تقدر مابين 800 مليار وترليون دولار سنويا أي ما يعادل 15% من إجمالي قيمة التجارة العالمية وهو مبلغ ضخم جدا يستدعي الوقوف بحزم ضد تلك الظاهرة خاصة وانها تمثل نسبة عالية في بعض إقتصاديات الدول كروسيا مثلا حيث تبلغ نسبة الأموال المغسولة فيها 40% من اقتصادها حسب تقرير بنك التسويات ، كما ذكر تقرير للأمم المتحدة أن سويسرا تتصدر قائمة الدول المستقبلة للأموال المغسولة وتتم عملية الغسيل من خلال ثلاثة مراحل رئيسية وهي:

1- مرحلة التوظيف: ويتم في هذه المرحلة تفتيت المبالغ القذرة والضخمة إلى أجزاء صغيرة يتم توزيعها على مجموعة من العملاء والمهربين وأعضاء العصابات لأجل تهريبها أو بإيداعها في حسابات مصرفية فردية مختلفة ومن ثم تجميعها في حساب مصرفي واحد أو من خلال شراء عقارات أو مصوغات ذهبية أو إحجار ثمينة ولوحات فنية غالية وكذلك أسهم وسندات يمكن تحويلها بسهولة إلى نقد من خلال أعادة بيعها بعد ذك.

2- مرحلة التمويه والخداع: وفي هذه المرحلة تقوم تلك المنظمات الإجرامية بالعديد من الأنشطة المالية والإستثمارية والتي تهدف من خلالها التمويه بمصدر تلك الأموال وذلك من خلال القيام بالعديد من التحويلات المصرفية إلى حسابات أجنبية دولية أو الإستشمار في المحافظ الإستثمارية الدولية مستغلين في ذلك حرية حركة الأموال بين جميع الدول النامية والمتقدمة وقوانين الإستثمار الإجنبي والهدف من ذلك جعل عملية تعقب تلك الأموال ومراقبتها مسألة عسيرة وشاقة.

3- مرحلة الدمج : وفي هذه المرحلة تقوم تلك المنظمات الإجرامية بضخ تلك السيولة المشبوهه إلى أوردة الإقتصاد الوطني من خلال انشاء شركات وهمية ليس لها أنشطة تجارية فعالة بغرض التستر على الملكية الحقيقة للأموال لتبدو أنها نتاج أعمال تجارية مشروعة.

ونتيجة لتزايد تلك الأنشطة الإجرامية عالميا وتأثيراتها السلبية فقد تم تأسيس منظمة دولية تهتم بعمليات غسيل الأموال وهي اللجنة الدولية لمكافحة عمليات غسيل الأموال ( The Financial Action Task Force [FATF ] ) في باريس عام 1989 والبالغ عدد أعضائها 32 دولة بالإضافة إلى منظمتان إقليميتان.

وتتسبب عمليات غسيل الأموال بآثار سلبية فادحة في الدول والإقتصاديات التي تكون مسرحا لها ومن تلك الآثار السلبية ما نورده هنا باختصار:

1- زيادة معدلات الإستهلاك : من قبل أصحاب الأموال الغير مشروعة من خلال التوسع في عمليات الشراء الناتجة عن العوائد المرتفعة والمحققة من تلك العمليات الغير شرعية.

2- إنخفاض معدلات الإدخار المحلي : وذلك نتيجة لزيادة معدلات الإستهلاك حيث أن الإدخار = الدخل – الإستهلاك . ولوجود علاقة عكسية بين الإدخار والإستهلاك.

3- هروب الأموال المغسولة إلى خارج الإقتصاد الوطني : مما يؤدي إلى انخفاض الإستثمارات المحلية وبالتالي انخفاض الناتج القومي مع حدوث عجز في ميزان المدفوعات يصاحبه أزمة في سيولة النقد الأجنبي الذي يتسبب بإنخفاض قيمة العملة الوطنية في مواجهة العملات الأجنبية الأخرى مما يؤثر سلبا على النمو الإقتصادي للدولة.

4- إرتفاع أسعار السلع والخدمات : والناتج عن هبوط سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية الأخرى مما يؤدي إلى نشوء تضخم وحينها تتضرر فئة أصحاب الدخول الثابتة من موظفين وغيرهم بسبب انخفاض القوة الشرائية الحقيقية لهم .

5- التأثير الخطير على أسواق الأوراق المالية ( البورصات) : حيث قد يتسبب هروب تلك الأموال المغسولة إلى إحداث أزمة كبيرة في البورصات من خلال إجراء عمليات بيع كبيرة ومفاجئة للأوراق المالية تؤدي إلى انخفاض كبير في أسعار تلك الأوراق المالية وبالتالي قد تؤدي إلى الإنهيار حيث وان أولئك يقومون بشراء وحيازة تلك الأوراق المالية لفترة مؤقتة ومعينة وهدفهم ليس الإستثمار والمضاربة ولكن التمويه واضفاء صبغة الشرعية لتلك الأموال القذرة.

ومن هنا تكمن أهمية تظافر جهود المؤسسات المالية الرسمية وغير الرسمية على المستوى المحلي والدولي بمحاربة أساليب وطرق غسيل تلك الأموال وتكثيف المزيد من الرقابة الفاعلة على رؤوس الأموال الداخلة والخارجة لليمن . مع الأخذ بعين الإعتبار بتعديل قانون مكافحة جرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بما يلائم و وضع الإقتصاد المحلي اليمني مع خلق تشريعات شفافة واضحة ووضع شبكة معلوماتية مشتركة بين الجهات المعنية بذلك تسهيلا لعملية الرقابة وتنظيما لنظام الضبط الداخلي والمكافحة مع إشراك قطاع البنوك في المسؤولية من خلال المراقبة والمتابعة لتحركات رؤوس الأموال الضخمة الداخلة والخارجة لليمن . كذلك المطالبة بإلغاء نظام السرية في البنوك مع تشديد الرقابة الحكومية على عمليات التحويل الألكترونية من خلال جمع جميع البيانات الخاصة بأطراف التحويل . مع الإهتمام بتوعية المجتمع بحجم تلك المشكلة وكيفية مساعدة أجهزة الضبط والقضاء من خلال إقامة المزيد من الندوات التخصصية وغير التخصصية مع التركيز على الإعلانات المرئية والمسموعة وكذا المقروءة منها واشراك الجمعيات الأهلية والإجتماعية بذلك .

* باحث في الشؤون المالية والتمويل – ماليزيا