الرئيس يتوعد شرقا
بقلم/ أحمد عايض
نشر منذ: 15 سنة و 9 أشهر و 17 يوماً
الأحد 08 فبراير-شباط 2009 09:53 ص

خطاب الرئيس الذي ألقاه قبل أيام في محافظة مأرب بحضور محافظي مارب والجوف وشبوة ,تضمن في سياق حديثة فقرة صغيرة ومقتضبة , لكنها كانت تخفي ورائها عشرات المعاني .

الرئيس توعد بشكل غير مباشر محافظة الجوف وما يجري فيها من تداعيات قد يكون الجانب الأمني والخطر الحوثي المتنامي جزء مما كان يفكر فيه الرئيس في حينها , حيث ضرب مثلا بمحافظة صعدة التي دُمرت وقال أنه يقوم ببنائها الآن .. لفتة حازمة وإشارة توحي بأكثر من معني ومغزى .

وبالرغم من كل ما قيل عن محافظة الجوف فقد كانت من أكثر المحافظات هدوء وانشغالا بأحزانها وآلامها منكفئة على ذاتها البئيسة .

 لكن بقاء ذلك الهدوء قد لا يطول كثيرا خلال الفترة القادمة نظرا لعددٍٍ من التداعيات الخطرة, إضافة إلى إرث صارخ من الألم والحرمان, قد ينذر بحدوث عواقب وخيمة نستطيع ألقول أن هكذا أوضحت لنا تلميحات الرئيس .. .

محافظة الجوف موروث مزعج

ماذا يمكن لأناس مازالت حياة الغالبية من أبنائها حياة تتنوع فيها كل صور المعاناة الإنسانية ,وانعدام مقومات الحياة العصرية فيها , وخروجها من خطط التنميه بشكل أو بآخر ناهيك عن موروث قبليي ثقيل قد يكون الجهل والثأر في طليعتها , وكلاهما حجر عثرة إمام حياة التمدن والاستقرار .

قد نضع الكثير من اللوم فيما ألم بهذه المحافظة طيلة السنوات الماضية على أبنائها, لكننا لا يمكن أن نتناسى الدور الفاعل في القضاء على كل موروثات الماضي وهو دور تتحمل الدولة وزره الأكبر .

العقيلة السياسية لسلطة اليوم مازالت تمارس دورا غير عادل في إقصاء هذه المحافظة عن أولوياتها وخططها الإستراتجية .

 قد يكون هناك أرقام رصدت لصالح هذه المحافظة لكن الواقع يقول غير ذلك .

 الجوف ليست إب البطلة التي تخرج بعشرات الآلف لاستقبال الرئيس , ولا حضرموت التي تتحول صور الرئيس فيها في بعض المناسبات الوطنية إلى أكثر من عدد سكانها الأصليين , بل هم " قبائل بفطرتهم " مازالوا يفكرون أولا في أبسط أساسيات الحياة , حتى يجدوا متسعا من الوقت للتصفيق أو الهتاف .

الجوف مساحة جغرافيه مهملة في أولويات السلطة ينظر إليها إلى أنها بقعة تمرد لم تقبل نفوذ الدولة .. هكذا قد يفكر بعض المسئولين .

كما أنها هي المحافظة الأقل تمثيلا في مكونات الدولة على كل الٌصعد سياسيا وإداريا الأمر الذي أعطى فراغا في المطالبة بحقوقها طيلة تاريخ الثورة والوحدة .

حراك ساكن ومقدمات تمرد.

شهدت الجوف طيلة السنوات الماضية حراكا متواضعا في المطالبة بحقوقها التمويه, لا يخرج عن نطاق المطالب السياسية ضمن حراك الأحزاب السياسية خاصة في المواسم الانتخابية , وما عداها ففراغ موحش .

قد يكون العام 2008 م ألأكثر حراكا في تاريخ المحافظة السياسي بحثا عن حقوقها ومطالبة بالنظر إلى واقعها وهمومها .

فعلى سبيل المثال أقدمت العام الماضي مجاميع قبيلة من أبناء المحافظة تطالب باللجوء الإنساني في المملكة العربية السعودية, استنادا إلى حق الجوار حسب رؤيتهم , وأعلنوها صراحة أنهم يبحثون عن ما يسد جوعهم لا غير .

كما شهد نفس العام ولادة ملتقى الجوف وهو تحالف قبلي واسع يضم في قوائمه شخصيات قبيلة تمثل كافة الطيف السياسي والمستقل .

ورغم الهدوء والبساطة في تلك اللقاءات التي يحاول البعض من قيادات ذالك الملتقى تحريك عجلة المطالبة بحقوق المحافظة عبر أسس نظامية , وهو تعبير حضاري للانتفاض عن ذاتها وعلى ذلك الموروث العنيف والساخط .

الجوف إرث إنساني.. طاغي بالحرمان

يروي لنا الموروث الشعبي ان الأمام أحمد بن يحي حميد الدين وصف يوما محافظة الجوف بأنها " ثربة " أي شحمة في دلالة على أنها أرض بكر في باطنها الخير الكثير .

لم يكن يعلم الإمام في حينها ما تحمله محافظة الجوف من ثروة لا تتمثل في الجانب الزراعي فقط وأنما فيها " مخزون ثروة متنوع " يمكن أن يكون رافدا لأي نظام يقود اليمن .

ومن حيها ظلت الجوف بعيدا عن اهتمامات الأمام وعن فرض هيمنته الطاغية , باستثناء نفوذ لا يرقي إلى بقية المحافظات وإن حفظت لنا ذاكرة الموروث الشعبي الشيء الكثير من احترام كلمة الأمام وتنفيذ أمرة لكنها تبقى في مساحات ضيقة وفي أوقات متباعدة على سبيل المثال " يا جوف قولوا لبني نوف الحمد صميل العوف , وليس في الوقت متسع لذكر مناسبة هذه المقولة لكنها تكشف عن مدى حضور قوي لكلمة الأمام وتنفيذ أمرة .

لا يمكن لأي متابع لما يجري حاليا في محافظة الجوف , أن يفرق بين نظرة النظام الحالي ونظرة الإمام لمحافظة الجوف وأبنائها .

وقبل الخوض في إستدلات ذالك القول, علينا أن نعرف أن محافظة الجوف تحوي ثروة متنوعة ومتعددة

وتعد حاليا أحد أكبر خمس محافظات في الجمهورية من حيث المساحة , فإضافة إلى المساحة الزراعية الهائلة , تمتلك محافظة الجوف مخزونا أثريا لحضارات حميرية وغيرها من الحضارات ما يجهله غالبية أهل اليمن.

 كما أثبت الاكتشافات التي أجريت في أوائل الثمانينيات عن وجود مخزون غازي كبير حتى اللحظة لم تفكر الدولة في استغلال تلك الثروة لأسباب لم تفصح عنها الجهات المسئولة..

المعالم التاريخية في الجوف تأتي في المرتبة الأولى حتى قبل محافظة مأرب , فهناك عشرات المواقع الأثرية والمدن التي مازالت مدفونة تحت الأرض, أصبحت مرتعا خصبا لناهبي الآثار وبيعها بأثمان بخسة من جهات داخلية وخارجية ..

الجوف وطيلة " 46" عاما الماضية مازالت السلطة تتعامل معها ضمن دائرة خارج الاهتمام الحكومي, ومازالت الدولة بعيدة عن مساحات شاسعة منها.

ولذا فغالبية من تولى قيادة المحافظة كان يضع التوسع الأمني في مقدمة أولوياته متناسيا أن توسيع التمنية أرضا وأنسانا يسبق الدبابة والمدفع .

الجوف وحسب أرقام وزارة التخطيط توحي بمكونات تنموية متواضعة , لكنها في حقيقة الواقع مكونات صورية " معمارية فقط " هناك مدارس لكن لا يوجد مدرسين , وهناك مستشفيات لكنة لا يوجد أطباء , وهناك أطباء لكن لا يوجد علاج , وإن وجد العلاج في مكان ما فلا يوجد المال الذي يشترى به .

والعجيب عن في تقارير وزارة الداخلية حول معدلات الجريمة بأنواعها نجد أنها تأتي في ذيل القائمة مقارنة بالمحافظات الأخرى طيلة السنوات الماضية .

خلاصة قول .

محافظة الجوف ليست في الوقت الراهن في حاجة لاستقبال رسائل الوعد الوعيد أكثر مما هي في حاجة إلى إرسال رسل التنمية , ومحاربة الجهل والفقر والمرض الثالوث الذي قامت من أجلة الثورة ومازال اليوم ينخر في جسد هذه المحافظة بعد أكثر من أربعين عاما من قيامها.

ومها قيل من نجاحات فإن محافظة لا تبعد أكثر من" 200" كلم عن العاصمة صنعاء مازلت تئن من الويلات الثلاث .. فذلك أمر فيه ذكرى للمعتبرين .