مستقبل وطن في حضرة فخامة الرئيس
بقلم/ دكتور/محمد الصبري
نشر منذ: 16 سنة و أسبوعين
الثلاثاء 11 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 09:32 م

في ظل المشهد الاقتصادي القاتم، وسيناريوهات الصراعات الحزبي ة والقبلية القادمة، أقل ما سيُقال عن ما يجري على المسرح السياسي اليمني بأنه نوعٌ من العبث السياسي، وللأسف بأن فخامة الرئيس سيتحمل معظم وزر أي تداعيات سلبية على المشهدين الاقتصادي والسياسي، فهذا قدر ومصير فخامته كون الجميع ينسب له المنجزات وبالتالي فأي إخفاقات ستحسب عليه، والسبب بأن الدولة بمكوناتها - تنفيذية وتشريعية وقضائية – معطلة ومحصورة مهامها في حضرة شخصية الرئيس الكاريزمية، فلا يتحرك المسئولين إلا بتوجيهاته، ولا يعملون صغيرةً ولا كبيرةً إلا من أجلة، حتى على مستوى مشروع حل نزاع قبلي، أو توزيع مساعدات وصدقات على منكوبين كوارث طبيعية يتلهفون إلى توجيهاته، فلا استراتجيات تُتبع، ولا خطط وبرامج تُنفذ، ولا موازنات مالية تٌلزم، ولا أعراف قبلية تُحترم، فالجميع (موالاة ومعارضة) يدورون في فلك الرئيس يتقولون عليه، ويُقيّلون عندة للتقبيل تارة وللتبرك والتحصيل تارة أخرى، وبرغم أن هذه قد تكون ميزة في بعض الأحيان، إلا إنها كارثة في حق مشروع بناء دولة المؤسسات والنظام والقانون كون الجميع فانً والوطن باقً.

إن من أفضل شواهد اللف والدوران في الحلقات السياسية المفرغة هي تلك التي عاشها الوطن إثناء حرب صعدة التي أمتدت زهاء 4 سنوات شُكلت لها اللجان تلو اللجان، وأُقترب من حلها أكثر مما أُبتعد عنه، حيث دار الوطن كله حول خمس حروب متتالية لا يعرفون ما هي أسبابها، أُهلك فيها الحرث والنسل، وبُددت فيها الموارد، وأُوغرت فيها الصدور، تجاذبتها الأهواء الدولية والقبلية والمذهبية حتى خُيّل لنا بأنه يُستعصى حلها على المدى القريب، فلا هي حُسمت من قبل المؤسسة العسكرية التي قيل لنا بأنها الصخرة التي تتفت عليها الدسائس والمؤمرات، ولا هي حُلت من قبل لجان مجلسي النواب والشورى، وإنما في ليلة وضحاها أحتسبت الأرباح والخسائر وتبين مضارها القريبة والبعيدة على المستقبل السياسي فأوقفت الحرب في غمضة عين، وراحت كل تلك التٌراهات لكتاب الموالاة، وتأويلات منظري المعارضة، وفتوى مشايخ التكفير في بلاد الحرمين، أدراج الرياح.

وها هي اليمن تدور الآن في حلقة مفرغة ألا وهي عملية إصلاح مسار منهجية العمل السياسي إبتداء بإصلاح المنظومة الانتخابية الداعية لضمانة إجرائها بحرية ونزاهه وبمعايير متكافئة بحيث تؤدي إلى التداول السلمي للسلطة بسلاسة وطيبة قلب بين أبناء "بلدةٌ طيبةٌ وربٌ غفور" من دون تمييز ولا محاباة، حيث شُكلت لها اللجان منذ زهاء السنتين وقُدمت لها المبادرات تلو المبادرات، وأقترب في التوصل إلى حلول توفقية في أكثر من مرة، إلا أنه للآسف ما أن يقترب من حل في الصباح إلا وينقض في المساء، وأكبر شاهد على ذلك ما حدث في يوم 17 أغسطس عندما توصل الفرقاء السياسيين إلى حلول توافقية نام عليها الشعبُ قرير العين مطمئنا بالقسم المغلظ لبافضل، إلا أنه للأسف ما أن أصبح يوم 18 أغسطس إلا وقد نُقض الإتفاق، وسمعنا ما سمعنا من تأويلات وتُراهات من كُتاب الجانبين، لكنة تبين بعد حين من فحوى ورقة الرئيس الأخيرة بأنه لا بلح بافضل ولا عنب الكتله كان وراء الإختلاف، وإنما هي تلك الحسبة المسائية على المستقبل السياسي التي تقدر المفاسد على ضوء المصالح، وها هو الشعب اليمني الغلبان يدفع ثمن مثل هذه الحسابات الخاطئة التي حصيلتها إهدار اموال، وتفكك إجتماعي، وإيغار صدور، ونزاعات قبلية، وتشوية بيئة الاستثمار، وهروب رأس المال، وتدهور اقتصادي وخدماتي على مختلف الصعد.  

ما يحز في النفس بأن هذه المعارك السياسية الجوفاء تدور بينما الأرقام الظاهرة لموازنة عام 2009 تشير بأن المشهد الاقتصادي اليمني القادم قاتم، فبلد الـ 22 مليون نسمة موازنتها تقريباً 10$ مليار دولار، 28% منها مرتبات (لأكثر من مليون موظف مدني وعسكري)، و 16% سلع وخدمات، و26% دعم مشتقات نفطية وتحويلات (أكبر دعم على الإطلاق)، و 26% إستثمارات (وهذه خاضعة لمدى كفاءة وفعالية إنفاقها)، وبالتالي في ظل بيئة طارده للاستثمار بسبب المماحقات السياسية وضعف إداري في تنمية الموارد ونفقات محدودة لصالح الاستثمارات الحكومية لسنا نعرف على ماذا يتشبث المؤتمر بعد 10 سنوات من الأغلبية المريحة حقق خلالها كثير من المنجزات إلا أن التحديات الاساسية تجاوزتها حيث ما زالت وستظل قائمة كالبطالة ومستوى الفقر التي تتعاظم يوماً بعد أخر بسبب النمو السكاني، فضلاً أن خدمة كالكهرباء مازالت محدودة وستظل محدودة ومثبطة للاستثمار حتى بعد تشغيل محطة مارب في منتصف 2009 والتي كان ينبغي ان تشغل في عام 2007، أما العبث بالموارد المائية فحدث عنه ولا حرج فمدن اليمن الرئيسية مهددة بالجفاف يعبث به في زراعة أفيون القات والفواكة والخضروات بينما الأولى حفظها للاستخدام المنزلي.

في الطرف المقابل تشير مؤشرات الإيرادات العامة بأنها أكثر شحوبة وضبابية فإجماليها 7.7$ مليار دولار بما يعادل 77% من إجمالي النفقات بمعنى أن العجز يساوى 23% من إجمالي الموازنة حيث يساهم مورد النفط 4.2$ مليار دولار (54% من إجمالي الإيرادات)، والغاز 240$ مليون دولار (بما يعادل 3%) أما الإيرادات الضريبة فهي تمثل 22% من إجمالي الإيرادات والجمارك 3%

لهذا ماذا سيضير المؤتمر فيما لو لبيت جميع طلبات المشترك في إصلاح المنظومة الإنتخابية بحيث يضمن لهم الفوز الذي يستحقوة من خلال إنتخابات حرة ونزية ومتكافئة فأي النتائج كانت فهي محسوبه لفخامة الرئيس كونه رئيس لليمن يعتز به كما أعتز بإنتخابة رئيسا في إنتخابات حرة يعود الفضل فيها لشجاعة المشترك لدخول المعترك.. بل حتى لو فازت المعارضة بالأغلبية المريحة فما هو المانع ليجربوا حظهم في الحكم مثلما جربها المؤتمر أليسوا جزء من اليمن كما يقول فخامة الرئيس الجميع على سفينة واحدة ليعالجوا مثل هذه القضايا الاقتصادية العويصة التي أظن انها ستصعب حتى على بشر من الملائكة فخلق فرص عمل لأكثر من 700 ألف عاطل قابله للزيادة بمعدل 200 ألف عاطل في السنة تحدي كبير ليس بالهين. مما سبق أقترح الآتي:

1.  تؤجل الانتخابات الى 20 سبتمبر 2009 حتى يستوعب طلبات المشترك المتفق عليها من تعديلات دستورية وقانونية، ومن تصحيح السجل الانتخابي وتشكيل اللجنة العليا واللجان الانتخابية الرئيسية والاشرافية، 

2.  إجراء تعديلات دستورية لخفض فترة مجلس النواب من 6 سنوات إلى 4 سنوات، وإعادة عملية تنظيم عمل مجلس الشورى بما يحقق نسب متساوية لأعضائها من جميع المحافظات وإعطائها بعض الصلاحيات بما لا يتضارب مع مجلس النواب وبما يعزز من العمل التشريعي، كما يجرى تعديل لتلك المواد التي لا تدعوا ألى التمديد لكن تخفض الفترة الرئاسية من 7 إلى 5 على أن تحتسب من الفترة الرئاسية القادمة حتى يتمكن فخامة الرئيس من تنفيذ برنامج الانتخابي ويرعى عملية الإصلاح السياسي،

3.  يؤجل النظر في قضية إنشاء مجلس الأمة وطلب العمل بالقائمة النسبية إلى عام 2013 إذا تطلب الأمر، ويفكر في آلية تمويلية لأعمال اللجنة الانتخابية بما يحقق لها الاستقلال المالي التام،

4.  بالطبع سيلغى محضر 18 اغسطس بما فيها اللجنة العليا الحالية وإلغاء كل ما ترتب عليها من أعمال إدارية وميدانية،.