مباحثات سعودية أمريكية بخصوص السودان وتداعيات المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اتحاد الادباء وصف رحيلها بالفاجعة .. اليمنيون يودعون الكاتبة اليمنية المتخصصة بأدب الطفل مها صلاح بعثة النادي الأهلي بصنعاء تصل مدينة صلالة بسلطنة عمان بن وهيط يناقش مع رئيس المنطقة الحرة بعدن استيراد المعدات والآلات الخاصة بتوزيع الغاز المنزلي وفق المعايير العالمية خبراء: تعنت الحوثيين أوصل السلام في اليمن إلى المجهول المليشيات الحوثية تعتدي على مسؤول محلي بمحافظة إب رفض جبايات مالية الموت يفجع الديوان الملكي السعودي القوات المشتركة تفشل تحركاً غادرا للمليشيات الحوثية بمحافظة الضالع عاجل: عملية اغتيال غادرة طال أحد المشائخ وسط العاصمة صنعاء بنيران حوثية علي خامنئي يطالب بإعدام نتنياهو
مأرب برس – خاص
الذل والهوان الذي يصيب الفرد ليس إلا حالة نفسية تعتري الفرد نتيجة لعوامل متعددة تحيط به.
فمن طبع النفس الإنسانية حب الحياة ، والتشبث بها ، والركون إلى نعيمها وشهواتها.
ومن طبعها أيضاً أن تعيش لهدفٍ سامٍ، تعمل على تحقيقه، ولا تـبـالـي بالمتاعب والـمـصـاعـب التي تعترضها من أجل ذلك .
وهنا ينقسم الناس إلى قسمين :
القسم الأول : يفضل أن يتحمل المصاعب، ويتحمل المتاعب ، ويتقبل الأذى والحرمان من الحياة الرغيدة ، وربما دفع من حريته ثمناً في سبيل أن تبقى القضية - التي نذر لها نفسه - حية ولسان حاله :
لا تسقني كأس الحياة بذلة ولتسقني بالعز كأس الحنظل
القسم الثاني : يؤثر السلامة ، والحياة الرغيدة ، لا يحتمل أي أذىً في نفسه ولا في ماله ولا في أهله ، يجزع أمام أي عقبة تعترض طريقه فينحني لها ولو أدى به ذلك أن تداس كرامته ، وتسحق تطلعاته ، ويكون كل همه أن يبقى على قيد الحياة ، متمتعاً بمستوى معيشي معين.
هذان صنفان من الناس كل منهما يعيش حياته بمفهوم خاص ، ويتخذ مواقفه بما يتلاءم مع مفهومه ، وقد عبر المتنبي عن هذا المعنى بقوله :
أرى كلَّنا يبغي الحياةَ لنفسه حريصاً عليها مستهاماً بها صباً
فحبُّ الجبانِ النفس أورثه التقى وحب الشجاع النفسَ أورثه الحربا
وهنا سؤالٌ يطرح نفسه بقوة : هل الذل موروث أم مكتسب؟
وللإجابة على هذا السؤال أضع سؤالاً آخر : هل الذل خلق من الأخلاق ؟
والإجابة بالطبع : نعم .
وبما أن الأخلاق مكتسبة وليست وراثية ، فالذل إذن خلق مكتسب عن طريق التربية التي تأتي انعكاساً للظروف الخارجية المحيطة بالإنسان .
وصدق الحبيب (ص) : " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" .
والمصيبة الدهماء أن هذا الخلق إذا استمر ، فسيلقنه جيل سابق لجيل لاحق فيصبح وكأنه طبع موروث لا حيلة للفكاك منه.
فالذل الاجتماعي : الذي يصيب الشعوب ، ويصبح ظاهرة مرئية محسوسة ، يـنـتـج عــن القمع والاستعباد والإهانة والحرمان والإهمال ، وجيلاً بعد جيل تعتاد الشعوب على هذا النمط من العيش ؛ فيصبح الذل سمة بارزة تشتهر بها كما هي حالة الشعوب العربية والإسلامية .
ولا شك في أن هذا الذل إنما هو في الأصل عقاب من الله تعالى ، فالله تعالى يعاقب الناس ويبتليهم جراء ذنوبهم جزاء ما فرَّطوا ، فيضرب عليهم الذل والسكينة ، ويسلط عليهم ما لم يكونوا يتوقعون ، كل ذلك من أجل أن يرجعوا عن غِّيهم ويثوبوا إلى رشدهم ، ويتخلوا عن التقصير، بعد أن ركنوا إلى الأرض واستحبوا القريب العاجل على الخير الآجل .
عوامل الذل :
سؤالٌ آخر يطرح نفسه في هذا الإطار هو :
ما الذي يجعل شخصاً ما، أو شعباً من الشعوب، ذليلاً؛ خاضعاً، مكسور الشوكة، مهيض الجناح؟
لا شك أن وراء ذلك سبباً ، أو أسباباً أدت إليه.
أسباب ذاتية :
وهي قابلية وأهلية للخضوع، تكبر مع الزمن، في ظل غلبة الشهوات والانقياد إلى حب الدنيا وما بها من متاع زائل.
إن الأمة عندما تصبح الشهوات فيها هي المتحكمة ، وتجعل الرفاهية هدفاً رئيسياً لها ؛ تكون قد دخلت طور الانهيار والاضمحلال من بابه الواسع.
قد تعيش سنوات - تطول أو تقصر - في ظل هذا العبث ، وقد يزدهر اقتصادها ويتضخم إنتاجها ، ويخدعها كل ذلك عن النهاية المحتومة التي ستصير إليها يوماً ما ، ولكن ريحها ستذهب ، ودولتها ستدول لا محالة ، بل إن الأمة التي تفشو فيها مثل هذه المفاهيم تصبح ألعوبة لفئة قليلة من الناس تميل بها ذات اليمين وذات الشمال ، عصابة حاكمة تتحكم فيها وتسومها سوء العذاب ، وقد وصف الله تعالى في كتابه العزيز هذه الحالة ، ممثلة في قوم فرعون فقال ، عز وجل: ((فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ)) [سورة الزخرف 54].
فأي طاغية لا يبسط سيطرته على الجماهير إلا بعد أن تسقط هذه الجماهير صرعى الشهوات والمطامع ، وتتمرغ في أوحال الفسق والبعد عن الحق ، وعدم الالتفات إلى هدي الله والتمسك بحبله ، وتستبدل ميزان الهوى بميزان الإيمان ، أما المؤمنون الذين يبصرون الحقائق بنور الهداية ، ويَزِنون لأمور بميزان الإيمان ، فمن الصعب -إن لم يكن من المستحيل - الاستخفاف بهم، وتوجيههم الوجهة التي تجعلهم "غثاء كغثاء السيل".
وأسباب خارجية : وهي أسباب لها ارتباط قوي بالأسباب الذاتية ، ارتباط النتيجة بالسبب.
فعندما تغفل الأمة عن مقومات وجودها ، يسطو على قيادتها نفر لا يحملون إلا الأهلية التي يتمتع بها الغاصب المتغلب ، ولا يمتازون إلا بما يمتاز به قطاع الطرق ، من الجرأة على سفك الدماء ، ونهب الأموال ، وهتك الأعراض ، واغتصاب الحقوق وعند ذلك تكتمل الدائرة ، وتتواصل حلقات السلسلة التي يجد الأفراد والأمة أنفسهم محاطين بها ، وبعد أن كانت حالة الذل الأولى مجرد قابلية ، يصبح الواقع الجديد للأمة مدرسة منظمة لهذا الخلق الذميم ، فكل الجهود الجماعية للأمة تصبح موجهة لتغرس مفهوم الذل في النفوس.
فالقوانين ، التي تشرع، والعادات التي تشجع، والثقافة التي تسود ، والأجهزة والقنوات الإعلامية التي ينفق عليها من كدح الأمة وعرقها ، كل ذلك يسير في اتجاه واحد هو تثبيت معاني الذل والخنوع ، وتجريد الأفراد من كل معاني عزة النفس والعفة ، وضرب وتشويه كل خلق يشير إلى تماسك الشخصية ، والبعد بها عن كل مواطن الطهارة النفسية والجسدية ، والعمل ، ليل نهار ، من أجل اقتلاع أخلاق راسخة حفظت للأمة كيانها ، وأمسكت عليها وجودها مميزاً ، وذلك بالتشكيك تارة ، وبالسخرية من هذه الأخلاق تارة أخرى ، وبالجرأة الوقحة التي يُغالي في الإنفاق عليها ، وإغداق المال والجوائز والألقاب على من يتولون كِبْرَها ، في الوقت الذي تهدر فيه الكرامات ، وتداس فيه الحريات ، وتكمُّ فيه أفواه الحق ، وتطلق فيه ألسنة الباطل ، وتنقبض فيه الأيدي عن البذل في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وإذا بقيت - بعد كل هذا - بقية لم يؤثر فيها هذا الإلحاح المتواصل على " غسل مخها " والتخلي عما تعتقده وتراه ، ووقفت - ما أمكنها ذلك - صابرة مرابطة محتسبة ؛ فهناك علاج من نوع آخر لمن لا تؤثر فيه هذه المؤثرات ، حيث يؤخذ بالشدة والعنف ، ويحارب في رزقه ، وحريته ، وسمعته.
إن ذل الأمم مقدمة لظهور الفساد بشتى صنوفه وألوانه ، وإن ما يصيبها من الظلم ، وما تُرمى به من صنوف البلاء: كالفقر ، وانعدام الأمن ، وهدر الحقوق ، وتسلط الرعاع والسِّفْلة ، و... كل ذلك ليس إلا ابتلاء من الله ، وعقوبة منه على التفريط ، وحب الدنيا ، ونسيان الآخرة ، وصدق الله العظيم إذ يقول: ((ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) (الروم 41).