التاريخ اليمني .. هوية تحتضر !!
بقلم/ دكتور/محمد لطف الحميري
نشر منذ: 16 سنة و 9 أشهر و 12 يوماً
الأربعاء 13 فبراير-شباط 2008 01:19 ص

مأرب برس - خاص

منتصف الشهر الماضي نفذ مجهولون عملية اغتيال كبيرة لحلقة هامة من حلقات التاريخ اليمني التي تقع بين القرن الثالث والأول قبل الميلاد ربما كانت تكشف سرا دفينا من أسرار الحضارة السبئية والحِْميرية التي حازت البلاد بسببها لقب اليمن السعيد .

الهيئة العامة للآثار والمتاحف اليمنية تقول إن عملية السرقة والتدمير طالت موقعا أثريا اكتشف مؤخرا في مقر العرش الملكي للتبابعة الحميريين الذي يقع في منطقة ظفار بمحافظة إب حيث يحتوي على قبر صخري وتابوت برونزي داخل غرفة جدرانها من المرمر تعود إلى العصر الحِْميري .

بيان الهيئة الرسمية المذكورة ألقى باللائمة على أحد المسؤولين الأمنيين في المنطقة الذي أصدر أوامره بسحب عناصر الشرطة المرابطين في الموقع الأثري الأمر الذي سمح للمتربصين بطمس الذاكرة الحضارية بتنفيذ مخططهم وجعل أقراط وأساور زوجة التبع ذو ريدان في أيدي الأطفال والعابثين .

عميلة سرقة ونهب وتدمير الآثار اليمنية تتكرر دائما يقابلها لامبالاة حكومية يدل على ذلك قيام حكومة علي محمد مجور بعد مرور أكثر من سنة بفتح تحقيق في حادث سرقة قطع أثرية ثمينة من أحد متاحف محافظة إب وتغاضي القضاة عن من شوهوا صورة الملك سيف بن ذي يزن في مسلسل تلفزيوني وصف بالمهزلة بعد أن خسرت خزينة الدولة الفقيرة الملايين لإنتاجه ، كما أن الجهات الرسمية تهاونت في استعادة خمسين قطعة أثرية نادرة أخرجت من اليمن " السعيد " في أغسطس ألفين وأربعة بغرض عرضها في معرض معهد العالم العربي بالعاصمة الفرنسية بموجب اتفاق رسمي ، لكن يبدو أن قطع اليمن الأثرية أعجبتها الأجواء الباريسية الجميلة ففضلت البقاء حتى اليوم .

عندما يقابلك أحد العرب يسألك من أين أنت ؟ فتجيب من اليمن . فيكون رده التلقائي وأنا أصلي من هناك ، فلا تملك إلا الترحيب به ذلك أنها بلد سكنها القحطانيون وشيدوا حضارة خلد ذكرها القران الكريم في أكثر من آية ، لذلك ومن الطبيعي أن تجد تحت كل حجر أثر ، وهذا ما جعل شبكات تهريب الآثار تُيمم وجهها صوب اليمن مستغلة الأوضاع الاقتصادية المتردية لغالبية السكان وضعف الرقابة الحكومية ، الأمر الذي جعل وزير الثقافة السابق خالد الرويشان يدق ناقوس الخطر عندما قال : " إن تهريب الآثار أصبح ظاهرة تورط فيها مسؤولون نافذون في الدولة وسفارات وملحقيات ومراكز ثقافية أجنبية في البلاد " . والسؤال لماذا تتعرض ذاكرة اليمن الحضارية لهذا العبث مع أننا لم نشهد غزوا تتاريا أو أمريكيا كالذي شهده ويشهده العراق ؟؟؟ الجواب ربما نجده في التقرير السنوي لمؤسستي هيرتيج فاونديشن و وول ستريت جورنال الأمريكيتين والذي يحمل عنوان : مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2008 ، حيث دعا " إلى ضرورة التركيز – بعيدا عن إشادات واشنطن بديمقراطية حكومة صنعاء - بشكل جدي على حقيقة مره تقضي بأن هيمنة نظام عسكري تجاري قبلي هو السبب الرئيسي الذي يعوق تحول اليمن إلى دولة مؤسسات وقانون ومجتمع مدني وهو السبب ذاته في تشويه حرية الاقتصاد وتعميم الفساد الذي أصبح اقتصادا مستقلا بذاته " انتهى الاقتباس ، وربما نجد الجواب أيضا في كيفية تعامل القضاء اليمني مع من ألقي القبض عليهم من أعضاء شبكات تهريب الآثار حيث انتهت محاكمتهم بعقوبات لا ترقى إلى مستوى الجرم المرتكب ومن هذه العقوبات تغريم أحد المتهمين بخمسين دولار بعد إدانته ، وآخر أفرج عنه بضمانة مالية ، وثالث حكم عليه بالحبس مع وقف التنفيذ ، وهدد منطوق أشد العقوبات صرامة بتغريم متهم رابع في حال عاد لتهريب الآثار مرة أخرى .

اليمن متحف مفتوح والحفاظ على آثاره والاهتمام بها وإيجاد البنى التحتية اللازمة لصناعة السياحة الثقافية قد يجعل البلد وجهة سياحية مفضلة تعود بالنفع على الدولة والمواطن ، وهذا يحتم على السلطات اليمنية استنفار كل إمكانياتها لحماية الكنوز الحضارية فهي الوحيدة التي لا تزال تمنح اليمنيين فخر الانتماء لتلك الرقعة الجغرافية ، وعلى منظمات المجتمع المدني وزعماء القبائل والصحافة توعية المواطن بأهمية الحفاظ على التراث الحضاري الذي لا يقدر بثمن واستلهام معانيه التي تقول إن اليمنيين الأوائل أكلوا مما زرعوا ولبسوا مما صنعوا .

M_hemyari_y@yahoo.com