قراصنة من بلادي
بقلم/ عثمان محمود أحمد
نشر منذ: 16 سنة و شهر و 20 يوماً
الإثنين 06 أكتوبر-تشرين الأول 2008 08:33 م

"انها صناعة الجريمة" الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي عن القرصنة
نويل شونغ مدير مركز مكافحة القرصنة في المكتب البحري الدولي ""نحن نحث الامم المتحدة والمجتمع الدولي على وقف تهديد (القراصنة) الذي يلحق اضرارا كبيرة بالتجارة
ينتابني احساس بالرهبة في كل مرة أرى اسم الصومال يتصدر الصفحة الأولى في المطبوعات العالمية وتقرير وكالات الأنباء , فالصومال على الصفحة الأولى يعني لي شيئان الأول هو حرب قبلية أودت بالمئات من ساكني البلاد التي لا تطلع عليها الشمس والأمر الثاني هو مجاعة أودت بحياة من لم يحظ برفاهية الموت بطلقة بندقية ,وكأن الشاعر كان يقصد الصومال حين قال:
من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الاسباب والموت واحد
ولكن لدهشتي الشديدة لم يرتبط الاهتمام العالمي بالصومال في الفترة الأخيرة بأي من الموضوعين السابقين, وانما ابتكر الصوماليين طريقة جديدة من أجل لفت الانتباه العالمي الى بلادهم من خلال ممارسة هواية خطف السفن التجارية التي تمر قريبا من السواحل الصومالية المحاذية لمعبر باب المندب الهام في التجارة العالمية.
احياء القراصنة الصوماليين لهذه الممارسة الموغلة في القدم كانت سببا في انصباب اهتمام عالمي منقطع النظير على الصومال وبشكل فاق التغطيات الاعلامية في حالات الحرب والمجاعة, ربما بسبب التأثير المحلي للعاملين الأخيرين مقارنة بالبعد العالمي للقرصنة والتي تؤثر في الملاحة في خط بحري حيوي يمر فيه ما يقارب ال 16 ألف سفينة سنويا بحسب مكتب الملاحة الدولي, مما استدعى اجماعا دوليا لمحاربة هذه الظاهرة كانت من مخرجاته ارسال قوة دولية لحماية السفن المارة في المنطقة ووصلت الى حد أن تقوم فرنسا بارسال فرقة خاصة لاحقت القراصنة الى البر الصومالي فقتلت من قتلت وأسرت عددا منهم رحلتهم الى فرنسا لمحاكمتهم, ليصل الاهتمام العالمي الى ذروته باختطاف المركب الأوكراني المحمل بالأسلحة والذي يبدوا أن القراصنة قد قطعوا بعملهم هذا خطا أحمر دعا الى توحيد الولايات المتحدة مع روسيا وحشد الأساطيل البحرية التابعة للدول العظمى في المنطقة.
داخليا يقف أغلب الصوماليين ضد عمليات القرصنة نظرا لتاثيراتها السلبية حتى على الداخل الصومالي من خلال مساهمة عوائد القرصنة في تأجيج الصراع المسلح في البلاد ,ولكن نفوس الصوماليين تمتلئ بالمرارة عند معاينتهم لأنانية المجتمع الدولي وهبوبه للدفاع عن مصالحه الاقتصادية والضرب بعرض الحائط المواثيق الانسانية المتعلقة بحقوق الانسان ,فالشعب الصومالي يتعرض للقرصنة البرية منذ 18 عاما ,مليون قتيل وأكثر من ثلاثة ملايين نازح وملايين أخرى تقع فريسة للمرض والظروف الانسانية الصعبة التي سببتها الحرب الأهلية الدائرة منذ العام 1990م ,ويعبث بمصير عشرة ملايين صومالي حفنة من أمراء الحرب يمتلك معظمهم ان لم يكن الكل جوازات غربية ,ويتربى أطفالهم في الأحياء الراقية في لندن وواشنطن وباريس . اذن لماذا تصبح سفينة سياحية فارهة تقل بضعة سياح فرنسيين أو أخرى تحمل أسلحة غربية لاسقاط نظام عربي وزيادة مأسي المنطقة أهم من حياة شعب كامل ,لماذا يتم السكوت على القرصنة البحرية التي تمارسها شركات الاصطياد البحري الغربية في المياة الاقليمية الصومالية والتي تستفيد منها هذه الشركات ما يقارب ال 300 مليون دولار حسب أحد الاحصائيات.
ليس من المهم أن يفهم االمجتمع الدولي أن الصومال أصبح خطرا على نفسه وكذلك على الاستقرار الاقليمي والعالمي- خصوصا في ظل الهشاشة الأمنية لدول القرن الأفريقي- فمن المؤكد فهم المجتمع الدولي لمشاكل الصومال وما تمثله, ولكن الأهم من الفهم هو التصرف على أساس هذا الفهم من أجل انقاذ ما يمكن انقاذه فالقرصنة البحرية هي نتاج طبيعي لغياب دولة صومالية قادرة على حفظ الأمن مما جعل القراصنة يتصرفون كأنهم دولة مستقلة بل وصل الحد الى درجة تواطؤ السلطات الحكومية معهم نظرا للمبالغ المسيلة للعاب التي يدفعها القراصنة كرشوات لبعض المسؤولين. ويلعب الوضع الاقتصادي المتردي والبطالة في أوساط الشباب سلاحا قويا في يد القراصنة من أجل اجتذاب الشباب للعمل معهم وكذلك في توفير رضا مجتمعي وخلق صورة ايجابية عنهم في المناطق التي يتواجدون فيها.
يا ترى هل حان الوقت لتجاوز استراتيجية البتر بعد تجاوز الأوضاع لمرحلة الاصلاح التي يعتمدها المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة لنرى المجتمع الدولي يساهم في تضميد جراحات الشعب الصومالي من خلال عملية تسوية سياسية شاملة تحشد لها كافة العناصر المطلوبة لانجاحها وليس مسرحيات مصالحة هزلية يمنح فيها المجتمع الدولي السلطة لقراصنة احترفوا خطف سفينة الأمة الصومالية وقتل رجالها وسبي نسائها ثم بعد اغراق السفينة القفز الى زوارق انقاذ بالكاد تتسع لهم ولحاشيتهم ولكل ما خف حمله وغلا وزنه من خيرات سفينة بلادنا. ورحم الله زمانا كنا نبكي فيه من نظام كان يقص أجنحتنا فجاء بعده نظام يقص رؤوسنا.

كاتب صومالي – السويد
Osman.m.ahmed@gmail.com