المشكلة اليمنية ...من أي زاوية تقرأ؟
بقلم/ كاتب/مهدي الهجر
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و 30 يوماً
الإثنين 26 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 11:33 ص

مأرب برس - خاص

أما قبل :-

هب أن شخصا ما تناوشته الأوجاع ، واقترب السرطان من أمعائه ، فلما حضره الطبيب وجس وأدرك الحالة ، خاطبه قائلا لا عليك فما بك سوى ردة برد تكفيك هذه الحبات كمسكنات ، وشيئا من عصير ليمون ينعش طاقتك فان لك جسما وبه مقاومة عز لها مثيل وعصي على كل داء ..

(نموذج للمثقف المأزوم)

المشكلة اليوم ليست مع الإسلامي في مواجهة العلماني كما يروق للتسويق الخارجي ، فقد التقى هذا التباين في الداخل على قضية سواء محلها الإصلاحات الحقيقية والتي بات الطرف الخارجي يتفهمها تماما ويدرك مليا عواقبها السلبية .

والمشكلة اليوم ليست مع الوحدوي في مواجهة ما يسمى الانفصالي ، أو مع الحوثي الامامي في مواجهة السبتمبري والثوري ، إنما هي في تصور المواطن البسيط والذي يزدحم بيته بأكثر من عشر بطون مع الكيس البر وأنبوبة الغاز .

والشعوب اليوم ما عاد يهمها لون من يحكمها ، إنما من يوفر لها الحد المقبول من إشباع الحاجات.

لا ادري ما لذي سيخسره الحزب الحاكم والسلطة إجمالا لو انتظموا جميعا في منهجية إدارية تقوم على المؤسسات ، ترشد الموارد وتقارب في الاحتياجات.

وبعد فان ..

لدينا في اليمن سعة في الجغرافيا والموارد ، وأغنى مورد وأثمنه هو في الكادر البشري ، وان كان هذا لم يجد بعد حظه في الاستيعاب وتوجيه وتنمية الطاقات ،وحقه في أن يرى خارج حدوده شهرة وإشادة وارتفاع طلب ،فالسبب ليس فيه ، إنما في تلك الفوضى والعشوائية والارتجال التي أصبحت عنوان كل شيء في هذا البلد ، وعكست صورة سيئة لليمن لدى مختلف الأوساط، مختزلة في التخلف المركب واللاثقة بكل ما كان يمني صورها سفيههم في إحدى الفعاليات بعفوية واستغراب مؤنبا فريقه (حتى اليمن يهزمك يا الأخضر ).إذ لا زالت النظرة عند الكثيرين وعند هذا القريب منا وكأننا لا نزال نعيش في عصر ما قبل الآلة ، لدرجة أن هناك من يسأل هل لديكم سيارات ، وكهرباء ، وشيء من هذا القبيل .

في الوقت الذي لو عقدت مقارنة بيننا وبين محيطنا الإقليمي على ضوء دراسة علمية متخصصة لكانت النتيجة أن كوادرنا العلمية ، والثقافية ، والسياسية ، والأدبية ، والمهنية ....الخ تتخطى رقاب القوم بمسافات ،فضلا عن مقومات أساسية أخرى ترفعنا في مجالات عدة أهمها الجيو سياسي ، والحضاري التاريخي الذي ظل العنصر البشري عبر مسارات التاريخ هو الأبرز والأكثر فاعلية وفعل.

إذن فلم محلنا في وعي الآخرين عند ذك الحد ..ليس هذا ما نبغي هنا ، وإنما جاء على سبيل التوطئة .

ويبقى محلنا عند كادرنا الإداري الذي يشغل مساحات عدة ، ويملا الرف والأرشيف .

فهو رغم كل الصيحات ضده ، وانه نخره الفساد ، إلا انه والحق يقال به بقية من عافية الضمير والواجب ، وانه يتسم بقدر كبير من التميز والخبرة في مجاله كحرفي وأداءه المهني ..والقصد هنا الجانب المعرفي والفني والخبرات المكتسبة والمتراكمة .

انه ومن حيث الكفاءة والخبرة والمهنية فستصاب بدهشة وإعجاب كبيرين وأنت ترى المختص في أدنى درجات الهيكل الإداري وفي درج ما لوزارة المالية مثلا أو الخدمة المدنية أو البنك المركزي وهو ملم تماما بكل مهام ومسئوليات قطاعه إجمالا ، وعلاقاته ، وتداخلاته مع غيره وأين هو من ذلك ، فضلا عن مهامه المحدودة والمغلقة عليه كمختص .

هذا المختص المتواضع ، نظام محاسبي بديع ، ولائحي فريد ، وروتيني صرف إن شاء ، وقانوني يدرك أبعاده وحدوده ، وثغراته ،وأين يقف منه ، ومن أين ينفذ ويلتف ؟

هذا هو المختص الصغير وفي حدود ه ، فكيف بمن هو أعلى منه ..باستثناء من مؤهله العشيرة والمحسوبية.

هذه الطاقات حينما يتاح لها أن تظهر في حيز ما فإنها تتجاوز حرفية وإبداع وإتقان مثيلاتها في المحيطين العربي والأفريقي ، ولعل القطاع الخاص –في نموذج مجموعة هائل على سبيل المثال –حينما أحسن توظيفه والارتقاء به عكس به تفردا في الأداء على مستوى الشرق الأوسط حسب شهادات خبراء إقليميين ، كما أن بعض الاشراقات في الجهاز الرسمي كا للجنة العليا للانتخابات ، وجهاز الإحصاء والتخطيط ، والجهاز المركزي للرقابة من حيث الفنية ، والإجراءات ، واللوائح وتراكم الخبرة وجديد المعرفة فقط- وليس في الجوهر- قد لفتت انتباه وجاءت باشادات المنظمات الدولية والمؤسسات البحثية .

الخطة والميزانية

 فلماذا إذن لم تر خطة ، أو تتبلور رؤية ويرتقي لنا سقف .

يقال بخطة سنوية ، أو خمسية وفي نهاية المطاف تجد أن أكثر من 60% من الأموال التي خصصت لمفردات بعينها في الخطة قد سحبت لصالح بنود أخرى لم ترتسم في الخطة بل وبعيدة تماما عن الأهداف ومضمون الخطة التنموية .

ومن ثم فالنتيجة مشروع هنا معاق وآخر هناك تكفيه حجر الأساس، وان كانت ثمة بيضات يدندن حولها بكرة وعشيا لمحافظة من المحافظات فهي ببركة الوحدة وذكراها ، وفي النهاية ليس من البيضة إلا القشور.

والنتيجة أيضا فشل الخطة التنموية تماما ، لان التنمية مضمون متكامل يشد بعضه بحلقات بعض ، وتدفع هذه الدائرة تلك ، وهذه الجزئية من الخطة إنما رسمت إلا على هدي واتساق مع تلك ، وان إلغاء تلك وذهابها يفرغ هذه من قيمتها ويجعلها تبعة وكلفة ليس إلا .

هذا الخبط مع التنمية لو قدر لباحث حصيف القيام بمسوحات على الطبيعة وميدانيا لوجد اختلالات كبيرة ، ونتوءات في هذا المربع الجغرافي .فهي شلالات وأكوام على بعضها في جزء ما من المربع ، وهي جفاف ونعيق غربان في أجزاء أخرى ، ولعل ذلك هو السبب الأول في خروج الكثير من القبائل والفعاليات الأخرى للمطالبة بحقها في التنمية ولكن على الطريقة التي تحسنها .

الاعتماد الإضافي

منذ أعوام وقصة الحكومة بطلب الاعتماد الإضافي هي نفسها بأرقام فلكية تقترب نسبيا من حجم الميزانية الأصل للخطة.

حتى لو كان ذلك مع أول تجربة في إعداد ميزانية وبرر كثيرون ذلك لحداثة التجربة والافتقار إلى الأسس العلمية الحديثة في مجال التخطيط ، فان ذلك غير مستساغ .

فلو كان الدكتور (س) رئيسا لمجلس إدارة شركة أو مؤسسة ما ، ووضعت الأقسام والإدارات الخطط والميزانية للعام القادم محل الخطة ثم نوقشت وروجعت و فرغت إلى خطة عامة واعتمدت الأرقام تبعا لمفردات الخطة ، ولكن وقبيل نهاية العام جاء رؤساء الإدارات بالشكوى وتقديم الطلب لاعتماد دعم إضافي .

اعتقد أن أفضل عمل يقوم به مجلس الإدارة هو في تغير رؤساء الأقسام والإدارات ليس هلعا من طلب الإضافي ، إنما لقلة الروية والرؤية والتقدير لدى هؤلاء فمثلهم لا يؤمل عليهم نمو وتوسع ونجاح للمؤسسة .

إذ لو كان حسب زعمهم مستجدات طرأت وتطورات حصلت أوجبت ، فان ذلك لا يشفع لهم ،فالواجب كان يقتضي عليهم أن يحسنوا قراءة البيئة والمتغيرات من حولهم ويعدوا لها ألف حساب ومن ثم تمغنظ الخطة على ذلك في بيئة شديدة التعقيد وكثيرة المفاجآت ، وحيث لم يكونوا كذلك فلا يحسن أن يستمروا والا أوقفوا عجلة المؤسسة لصالح أخرى منافسة.

وبطبيعة الحال فان الحكومة اليمنية عاما بعد عام وهي تحتسب ذلك بل وتضيف أضعاف أضعاف الرقم المعد للطواريء في حساب التقدير للمفاجآت ، ومع ذلك تطلع مع نهاية كل عام مالي بطلب الاعتماد ذاته بدعم نيابي وبغطاء دستوري .

المشكلة هنا وعلى ما سبق ليست في الكوادر المؤهلة في إعداد الخطة وتقدير الميزانية إنما في أمر كل فرد به عليم ، والمجيء على ذكر الكوادر والإشادة بفنيتها والدهشة من الحال لا يعكس سذاجة من الكاتب في أين بيت القصيد ومكن الخلل إنما كإشارة تبعث الأمل وتعين على بناء مشروع نهضوي في يوم ما إن قيض الله له من يحمله .

فما دام الفساد والفوضى والعشوائية العنوان الدائم والمستمر ، فان القول بحصول استقرار وسكينة أمر بعيد عن التصور خصوصا في مرحلة أفصحت عن نفسها بمطالب أخرى عنها في الأمس .

هي اليوم في (أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) .

والشعوب اليوم ما عاد يهمها لون من يحكمها ، إنما من يوفر لها الحد المقبول من إشباع الحاجات .

واليوم فان الذي لم تفهمه بعد الحكومة أو السلطة عموما هو في التعامل مع التغير الحاصل ، الذي بلغ النفوس ، والعقول .

فان الأفكار تغيرت ، والمشكلات تفاقمت ، والسكان تضاعفوا ، والحاجيات زادت واتسعت بهلع وتزاحم ، ومن ثم فأفكار عقود مضت كانت تقوم على التوافق والتقديرات الآنية ، والاستثناء العاجل والغالب والاهم ، ما عادت تصلح اليوم بالمطلق للتعاطي مع وضع جديد .

لا ادري ما لذي سيخسره الحزب الحاكم والسلطة إجمالا لو انتظموا جميعا في منهجية إدارية تقوم على المؤسسات ، ترشد الموارد وتقارب في الاحتياجات .

إن كان في ما يعود عليهم الفساد من وفر مالي ، فانا ضمين بزيادة هذا الوفر عليهم وبدون الحاجة إلى غسيل كعائد شرعي لهم إن استوت البلاد على قاعدة اقتصادية مستقرة ، فضلا عن السمعة والرضاء العام .

الحق إن الإصرار في السير على هذا النحو الذي تجاوزته وقفزت من فوقه القبيلة اليوم على ما نسمع من رموزها ، سيقود إلى تفاقم اقتصادي كبير يؤدي في ظل الذهنية الآن ، وهذا التنوع والتداعي المتلاحق إلى اختلالات خطيرة ينفذ من خلالها أكثر من طرف بأكثر من أجندة وسبيل ، ومع التعاطي في المقابل بحزمة من المسكنات فإنها لن تكون بالأثر كما المرات السابقة ، وإنما كجرعات تهيئ لصاحبها لحظات من استعادة الأنفاس وإعادة الصياغة والضبط لتحقيق قفزات نوعية .

المشكلة 

المشكلة اليوم ليست مع الإسلامي في مواجهة العلماني كما يروق للتسويق الخارجي ، فقد التقى هذا التباين في الداخل على قضية سواء محلها الإصلاحات الحقيقية والتي بات الطرف الخارجي يتفهمها تماما ويدرك مليا عواقبها السلبية .

والمشكلة اليوم ليست مع الوحدوي في مواجهة ما يسمى الانفصالي ، أو مع الحوثي الامامي في مواجهة السبتمبري والثوري ، إنما هي في تصور المواطن البسيط والذي يزدحم بيته بأكثر من عشر بطون مع الكيس البر وأنبوبة الغاز .

في المرتب الذي لم يصل الثلاثون ألف ريال في مواجهة إيجار المنزل الذي طار سقفه عن الخمسة عشر ألف ريال ومتممات أخرى من الماء والكهرباء والتلفون الجوال وسوق القات الذي يشتري ويبيع الهموم .وووو....

ومع ذلك فالأمل هو الحياة ..

وما زال هناك فرصة ومتسع .

ومسافة بين المعطيات الآن ، وبين تلك النقطة التي في النفق .

ومواردنا البشرية أغلى الكنوز ، وممكنات أخرى ..وفرص بالجملة للتلاقي والحوار البناء والصادق ..

لكن على أن تتغير العادات ، وتنتقل الأفكار إلى حيث الواقع الآن ومستجداته.

alhager@ gawab.com