الغام على خارطة اليمن
بقلم/ طارق عثمان
نشر منذ: 15 سنة و شهر و 17 يوماً
السبت 10 أكتوبر-تشرين الأول 2009 07:37 م

من يحاول أن يحيط بأزمات اليمن عبر موضوع صغير كهذا يكون كمن يريد أن يصب مياه المحيط كلها في قنينة..

لذا فإنني سأكثف حبري لينصب على نقاط معينة تمثل الأزمة الأبرز وهي تنامي العنف المسلح الذي يجتاح صعدة و غيرها من المناطق على طول الخارطة اليمنية الملغومة ..

سأبدأ البحث عن الجذور معتمداً على فطنة القارىء في الخروج بتصورات أوسع من خلال سطور مختزلة وعبارات قصيرة تخلص إلى أن العنف المسلح قد يتنامى ويتسع فالبلد كلها مفخخة بقنابل موقوته وبألغام مزروعة منذ سنين وهي في طريقها للإنفجار المحتوم إذا لم يتم نزعها بحكمة وروية ..

فجذور الازمات في اليمن كلها تتمثل في الجذور الخمسة الاساسية التي تتفرع منها جذور صغيرة متشعبة كأنها شجرة طلح معمرة هي الاسباب الحقيقة وراء المشاكل التي تعصف بالبلد وما نراه سوى جزءها الظاهري ..

وتتلخص جذور الازمات الحادة في اليمن والتي ينجم عنها العنف المسلح في :-

1- إنتهاج السلطة ومنذ عقود لسياسة ضرب الكتل ببعضها :-

سواء كانت هذه التكتلات إجتماعية كالقبائل ، أو سياسية كالاحزاب أو شخصيات إعتبارية أو منظمات ... هذه السياسة ( قد ) تنجح في بعض الاوقات في تفتيت هذه الكتل لكن لا يمكن أن تنجح بأي حال من لاحوال عندما يكون لدى طرفيها نزوع مذهبي أو مناطقي بل يحدث العكس تماما ... فالعبث الامسؤول مع الإفتقار للحكمة في التعامل مع النسيج المذهبي والطائفي لبلد يفاقم من تأثيرهما بشكل لا يمكن السيطرة عليه واحتوائه ...

ولذا فإن أول جذور الازمات في اليمن ومنها أزمة صعدة هو التعامل وفق هذه السياسة دون التحلى بأي روح للمسؤولية التي تفرضها واجبات المنصب الأرفع في السلطة التي يفترض أنها تتعامل بكل حيادية مع الجميع وتبذل قصارى جهدها في المحافظة على حالة من الاستقرار والانسجام بين جميع الفرقاء في البلد ..

هذه السياسة التي يعبر عنها رأس النظام بأنها سياسة ( الرقص على رؤوس الثعابين) وسياسة ( الكروت المحروقة ) واللعب على الحبال أدت إلى توتير الحياة السياسية والعامة بإذكاء النزاعات بين كل الأضداد وستؤدي إلى الإنفجار والى حالة من التفاقم المتسارع للصراع الخارج عن السيطرة والذي يرتد على السلطة ذاتها التي ما زالت إلى اللحظة تريد أن تمارس هوايتها في توريط أطراف أخرى في صعدة والجنوب بغض النظر عن النتائج الكارثية لهذه السياسة...

2- إنسداد الأفق السياسي :-

فكل القوى السياسية والقوى التي تطمح إلى تحقيق رؤيتها عبر العمل الديمقراطي التنافسي الحر ترى أن هذا طريق غير نافذ في اليمن ومسلك مغلق وأفق مسدود فالنخبة السياسية الحاكمة أوصلت الجميع إلى قناعة تامة بأنها تكفر بالديمقراطية والتغيير والتداول السلمي للسلطة وأنها ستبذل كل ما بوسعها للحيلولة دون وصول أي تيار إلى مربع الحكم ولو أدى ذلك إلى تفجير البلد وهدم المعبد فوق رؤوس الجميع .. هذا الأمر دفع ببعض القوى التي من حقها طالما أنها تعمل وفق الدستور والقانون أن تصل الى الحكم ، دفعها إلى حالة من الاحباط والقنوط مما خلق تيارات داخلها تنادي بالتغيير القسري فلا معنى للديمقراطية المزورة ولا معنى للصناديق المحروسة بالحراب . صحيح أن معظم الاحزاب استطاعت ان تسيطر على هذا الجنوح نحو العنف لكن بالمقابل فقدت شرعيتها وشعبيتها في نظر مؤيديها الغير مؤطرين بأطرها التنظيمية فبقي الكثير منهم خارجا عنها بل يتهمها بأنها جزء من السلطة أو ممالئة لتوجهاتها في الإحتكار الحصري للحكم .. ولولا هذا الإنعدام في المسارات المفتوحة المتزامن مع السعي الحثيث نحو التوريث على كل المستويات في غياب أي مرجعية يمكن الإحتكام لها، فرأس النظام طرف وخصم والدستور منتهك يغير بشكل شبه سنوي ليواكب نزوات هذه النخبة ، والبرلمان لا يعدو عن كونه فرع للدائرة السياسية للحزب الحاكم أدى وسيؤدي كما أسلفنا إلى العنف كسبيل لتحقيق الطموحات السياسية ولولا هذا الانسداد في الافق السياسي واستحالة التداول السلمي للسلطة والوصول لحكم اليمن بطريقة سلمية وشرعية لما فكر البعض بالبحث عن سلطنة مناطقية صغيرة أو مملكة مذهبية معزولة أو إمارة إرهابية منبوذة ...

3- خلق مراكز قوى وجعلها وسيطا بين السلطة وبين الشعب :-

تمثل هذا بالاعتماد الكلي للدولة وبإسلوب متعمد وممنهج على شخصيات إجتماعية وبالتحديد مشائح ووجهاء المناطق ليكونوا هم أداتها في التأثير على الناس فأصبح الشيخ هو مسؤول الحزب الحاكم في منطقته رئيسا لجمعيتها الخيرية بدعم من السلطة رئيسا لمجلسها المحلي أو عضوها في البرلمان مسؤلا بشكل مباشر عن كل مشاريعها التنموية في محيط تأثيره وأغدقت عليه الاموال وأمدته بالسلطة والنفوذ وصحيح أن النظام استطاع أن يستفيد من هؤلاء يوما كل اربع او ست سنوات او سبع سنوات في مواعيد الانتخابات لكنهم بالمقابل استفادوا هم منها طوال السنين وخسرت هي الشعب للأبد ..فهذه القوى الوسيطة أصبحت تبتز السلطة وتتغذى على مقدراتها وتحول بينها وبين جموع الجماهير فإذا غضبت من السلطة أو إختلفت معها جرت المنطقة كلها إلى صفها واستخدمتهم في حروبها ومعاركها … وما زالت السلطة إلى الان تشتري القيادات والوجهاء بالمليارات وإذا بهم يستغلونها لتقوية نفوذهم وتحقيق مصالحهم الخاصة ومن ثم الإنقضاض على الدولة حينما تضعف سيطرتها أو تشح هباتها ولو أنفقت معشار هذه المبالغ في شراء إخلاص الناس عبر التنمية التي تطالهم جميعا لما قويت شوكة هؤلاء الصغار وصاروا خطرا يتهدد الدولة ..

4- غياب التنمية المستدامة :-

التي يتحقق من خلالها استيعاب قوى وإمكانات الشباب وطموحاتهم وتوقهم نحو التطور والتقدم هذا الغياب أدى إلى حالة إحباط عامة إرتفعت معها حالات الانتحار والجريمة بمعدلات عالية و اتجه البعض نحو العنف الاشمل ضمن التكتلات التي تنتهج هذا الاسلوب في التغيير ..

5- الفساد :-

سيكون الحديث عنه تحصيل حاصل إذ أنه لولا فساد النخبة السياسية الحاكمة لما اقترفت كل الأخطاء والخطايا السابقة التي تهدد البلد وامنه واستقراره هذا الفساد الذي يجعلها تفكر تفكير آني قاصر دون أن تمتلك تحمل أي مشروع نهضوي ولا رؤية استراتيجية ..

وتتعامل مع البلد على إنه ( كعكة ) صغيرة في حفل كبير لا تفكر إلا كيف تلتهم أكبر قدر منه قبل أن تتناوشه أيدي الحاضرين ...