تشغيل مخرج طوارئ - رقم 1-
بقلم/ محمد العلائي
نشر منذ: 15 سنة و 11 شهراً و 30 يوماً
الخميس 27 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 12:09 ص

أخيرا، عرفت أحزاب اللقاء المشترك كيف تسيطر على الكرة هذه المرة، لكن هل ستعرف كيف تحتفظ بها أطول مدة ممكنة؟ وهل سيبحث الرئيس عن شوكة لتفجير الكرة أم عن طريقة لانتزاعها بلياقة؟

الخبر السار: لا يوجد. الخبر السيئ: تمديد فترة ولاية المجالس المحلية إلى 4 أعوام، أنباء عن تكليف حسين الأحمر بقيادة فريق الوساطة في صعدة وحالة توتر تسود الأجواء، السير في عملية القيد والتسجيل دون هوادة.

صباح الأحد، وبلا سابق إنذار، أضافت كتلة المؤتمر إلى المشهد بقعة لون داكنة أخرى تنضح بالشر. لقد صوتت بشكل مفاجئ على تأخير مدة المجالس المحلية 4 سنوات خارج مدتها القانونية وهي 3 سنوات. والواضح أن هذه الخطوة هي واحدة من مخارج الطوارئ التي سيلجأ إليها الرئيس تباعا حالما تمضي المعارضة بالمقاطعة إلى نهايتها. وهذه المخارج ربما تتجسد في رزمة إجراءات، قد تبدأ بتأجيل الانتخابات لكنها لن تنتهي إلا بالعودة إلى خانة الصفر: سياسة الحزب الواحد.

وفي هذا الصدد، عليكم أن تتذكروا الزيارة التي يجريها عبدالله أحمد غانم لكوريا الشمالية ذات الحزب الواحد لدراسة التجربة، والاجتماعات التي عقدها وفد من قيادة المؤتمر في اللاذقية السورية الشهر الفائت. لكن لن تكون هاتين الزيارتين ذات معنى واضح، ما لم تكونوا قد استمعتم لخطاب الرئيس في الاجتماع الاستثنائي للجنة الدائمة، في 12 من الجاري، حيث لمح إلى إمكانية دراسة تجربة البعث السوري، وقال بالحرف الواحد:"مستعدين نعدل الدستور ونعمل تنظيم سياسي موحد، ونلغي التعددية السياسية الحزبية، لأن نضالك]يقصد المشترك[ الآن قائم على التعددية السياسية الحزبية وحرية الصحافة، ومنظمات المجتمع المدني.. أتفضلوا]مخاطبا المشترك[، ونحن مستعدين نشارككم في الحقائب، ما ندخلش البرلمان ببرنامج أحزاب، ندخل كل واحد شخصيا لوحده، ينتخب لوحده، يرشح نفسه من فاز فاز، ما في صفة حزبية، نسميها على طريقة النظام السوري (الجبهة الوطنية العريضة)، أو على طريقة الحزب الشيوعي الصيني الذي أدبياته كلها شيوعية، لكنه عمل انفتاح سياسي واقتصادي وتمسك بنظام الحزب الشيوعي، لماذا؟ لكي يحافظ على وحدة الصين، لأن لديه قوميات عديدة، إذا فتح الباب سيحدث في الصين مثلما حدث في الاتحاد السوفيتي عندما جاء غورباتشوف، وأطلق العنان، تفتت الاتحاد السوفيتي، وخلال الـ8 السنوات الماضية بدأت روسيا الاتحادية تستعيد عافيتها".

وبتمديد ولاية المجالس المحلية، يكون الرئيس قد ضغط على زر تشغيل مخرج الطوارئ رقم (1).

وفي صعدة يخيم التوتر من جديد. ففيما لم تتأكد المعلومات بشأن تعيين حسين الأحمر إلى جانب مدير الأمن السياسي بصعدة على رأس لجنة وساطة لتسوية النزاع في صعدة، فإن "الاشتراكي نت" نقل، نسبة إلى عبد الملك الحوثي، ما محتواه:"اللجنة ليس فيها أعضاء مقبولين من الطرف الآخر في قضية صعدة، ولن يكون لها من مهمة سوى إعلان بيانات الإدانة والتهيئة لتفجير حرب أخرى".

الخبر نصف السار هو أن اللقاء المشترك استطاع أن يحرك شيئا من ركود الشارع. وهذا منعش لكنه ربما يحمل الرئيس على القيام بردة فعل كارثية، يغيب فيها العقل والقلب معا.

يدرك الرئيس أكثر من غيره أن حزبه أساء التصرف. بدأ الأمر بخطأ جسيم في الحسابات مقصود أو غير مقصود. ففي 18 أغسطس، أسقطت كتلة المؤتمر التعديلات على قانون الانتخابات. ولسوف تعلم بعد فوات الأوان، أنها بتلك الخطوة المتسرعة، لم تفعل سوى أنها مررت الكرة إلى يد المشترك بالذات. والأخير بدوره خطفها كما يفعل لاعبو الهوكي، وراح يناور بالكرة ذات اليمين وذات الشمال. وقرر أنه من الملائم الشروع في كل ما هو جدي وصارم وباهظ الكلفة. وإذ لم يتحدد مرمى الكرة بعد، إلا أنه لا مناص من تسديد النقطة الأولى في جول الرئيس. وبالطبع هذا لا يلغي واقع أن الأخير يفكر الآن بفقء الكرة بدلا من استلامها بلياقة محدودة المخاطر.

لقد أخذ الرئيس، عمليا، يلعب مع الجميع وفق منطق "يا أنا يا هم". وهذا منطق بقدر ما هو خطير فهو غير سياسي البتة. ناهيك عن كونه يكشف إلى أي حد ينظر الرئيس، الذي جرع كؤوس النصر مرة تلو مرة، للتنافس الانتخابي على أنه مناسبة لاختبار رجولته الشخصية لا أكثر ولا أقل. لا يريد أن يشعر بوطأة الخسارة ولو للحظة واحدة، مهما كلفه ذلك من ثمن. إنه يفضل أن ينتهي البلد إلى كومة رماد على أن يرى نفسه رافعا علم الهزيمة والانكسار.

العسكري الكامن فيه، لا المدني، هو الذي يحسم الخصومات في نهاية الأمر. وبالنسبة لرجل أوسع قائد معسكر خالد ضربا مطلع السبعينات كخطوة أولى لبلوغ مكانته، وتقلد الحكم في حقبة كانت "السماخة" هي المؤهل الأوحد وليس الكفاءة، فإن الصراعات السياسية ليست أكثر من "ملابجة"- بالمعنى الحرفي والمجازي معا- في زي تنكري.

نحب ان نقارب الأزمة السياسية المستفحلة بطريقة ذكية دون أن نقع في أشراك البديهيات. كأن نفكر بأن الرئيس مقامر كبير. وغاية المقامر دائما الربح في كل الأحوال والظروف. والربح رهن بالحظ كما هو معلوم. قد ينتظم في صالحه حينا وقد لا يفعل. وحينما يتخلى عنه الحظ السعيد، ولا تطلع نجومه إلا على شؤم، فإن دور التحايل والخداع والتخطي الماكر للقواعد يجيء مصحوبا بقدر كافٍ من "السماخة" وتبلد الحس.

لكن حتى هذا التفكير ينطوي على قدر من الغباء الذي لا مفر منه.

أما إذا اخترنا التبسيط الساذج، فإن القصة برمتها يمكن أن تصبح على هذا النحو: اللقاء المشترك يطلب من الرئيس ما ليس مستعدا للتنازل عنه مطلقاً. يريدون الديمقراطية، وأشياء كثيرة على غرار: انتخابات نزيهة، سجل نقي، نظام انتخابي عادل، فرص تنافسية متكافئة، والتداول السلمي للسلطة. ومن جهته فإن الرئيس يظن أن الإذعان لمطالب من هذا النوع تسليم ضمني باحتمالية خسارته في قادم الأيام، وهو الرابح بالغريزة وبالواقع.

تحسبا لخسارته، يتصرف الرئيس وكأن السياسة لعبة قابلة للنفاد، مثل الحياة تماما التي لن يدعى إليها ثانية. وعلى الرغم من أن شعبيته سجلت هبوطا حادا منذ سنوات وصولا إلى أدنى مستوياتها عام 2008، إلا أن الرجل الحاذق و"السمخ جدا" أدرك، في وقت مبكر، أن تحقيق الرضا الشعبي ليس الوسيلة الناجعة للبقاء، أو الزوال، في رئاسة واحد من أكثر بلدان العالم الثالث فقرا وتخلفا.

فلئن كان غير مرغوب فيه على النطاق الشعبي، فإنه لا يزال-وهذا هو المهم- يحظى بقبول عريض داخل الجيش، في مقابل رضا دولي(متذبذب) مبني على أساس أن البدائل التي افرزها الواقع السياسي لا يمكن المراهنة عليها الآن. ولا بد أن الجيش والرضا الدولي ضئيل الشأن هما الدعامتان الوحيدتان الكفيلتان بحمايته من الانهيار إلى زمن غير منظور.

على أنه يمكن رسم الصورة التي تبدو عليها اليمن في هذه اللحظة كالآتي: دولة مضطربة جدا تسبغ عليها قبضة الجيش والتغاضي الدولي نوعا من استقرار سياسي واجتماعي زائف.

شعبية الرئيس تتقهقر، ما من شك في ذلك. والقلق بات اليوم حقيقي كما لم يكن من قبل. في حين أن المبادرات راحت تنهمر بغزارة من كل حدب وصوب. خذوا مثلا هذه النماذج: يحيى الحوثي أعلن من ألمانيا عريضة إنقاذ وطني، وعبدالله سلام الحكيمي من القاهرة، ومنظمة التغيير هي الأخرى، وقبل هذا وذاك المشترك الذي لا يني يرسم خرائط طرق للخروج من المأزق، وحتى الرئيس نفسه من دار الرئاسة يصك مفاتيح خاطئة لمغاليق صنعتها أنامله.

ورغم كل شيء إلا أن انهيار نظام صالح ليس واردا، على الأقل في المستقبل القريب. هناك فوران شعبي متنامٍ، وحالة سخط هائلة، لكننا في نهاية المطاف، مجتمع محافظ يميل للمألوف، وينفر تماما من التغييرات الراديكالية المباغتة، حتى لو كانت تصب في مصلحته.

ومع أن قائمة المستحيلات لا متناهية في الدول المتخلفة إلا أن هذا لا يمنع من أن أتمادى واسأل عمن سيملأ الفراغ فيما لو تداعى النظام الحاكم بتأثير الغليان الشعبي الجاري في سائر البلد؟ أخشى أن أقول إنه من المرجح صعود جنرال آخر من الجيش لملء الفراغ وليس مخلوقا مدنيا أبدا.